الشاهد شب عن الطوق بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2018-11-13
الشاهد شب عن الطوق بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

الشاهد شب عن الطوق

عمر حلمي الغول 

تلف الجمهورية التونسية غيوم متلبدة نتيجة الأزمة، التي تعصف بالبلاد بين الرئيس باجي قايد السبسي ورئيس حكومته، يوسف الشاهد، الذي أتى به على أنقاض حكومة الحبيب الصيد في آب/ أغسطس 2016، معتقدا أن الوزير الأول حديث العهد بالسياسة، وغير الخبير في الممارسة الحكومة، والذي لم يمض على توزيره سوى ثمانية أشهر، حيث إلتحق بحكومة الصيد وزيرا للتمنية في كانون ثني/ يناير من العام ذاته، سهل الإنقياد لرؤيته وخياراته السياسية، لا سما وأنه جزء من حزب أو تكتل "نداء تونس". 

لكن حساب السرايا ليس كحساب القرايا، فالوزير الأول الشاب لم يكن سهلا، كما إعتقد الرئيس المجرب، ورفض أن يكون مطية بيد ولي نعمته، وتدريجيا خرج من بيت الطاعة مستفيدا من عدة عوامل مساعدة له: أولا تعمق الإنقسامات داخل "نداء تونس"؛ ثانيا تمكنه من إستقطاب عدد من نواب تكتل النداء لصالح خياره، وتشكيل إطار جديد بإسم "الإئتلاف الوطني"؛ ثالثا الإستفادة من التناقضات بين "نداء تونس" وحركة النهضة لصالح مناوراته السياسية، ورفض الإستجابة لنداء ومطالبة الرئيس الباجي بالإستقالة أو العودة مجددا لنيل ثقة البرلمان؛ رابعا الأزمة العاصفة بالبلاد، وإنقسام القوى والمؤسسات والنقابات بين مؤيد لرفض الإستقالة، وبين داعم لها، ومنادي  بها؛ خامسا إستغلاله رفض شخصيات نافذة في "نداء تونس" لدور ومكانة حافظ باجي السبسي، مسؤول السياسات التنفيذية في الحزب، وغياب مرجعية حقيقية للنداء، خاصة وان العديد من الشخصيات المؤسسة تتنازع دور المرجعية بعد تفرغ الزعيم الأول السبسي ألأب لمهامه كرئيس للدولة؛ سادسا وإرتباطا بما تقدم لم يكن رجل الدولة الأول موافقا على توجهات إبنه في إقالة الشاهد، وإزدياد حدة الخلاف والتناقض فيما بينهما في البداية حول هذا الأمر؛ سابعا تراجع مكانة " نداء تونس" للموقع الثالث داخل التركيبة البرلمانية والسياسية في البلاد، وتكرس ذلك بتقدم حركة النهضة إلى الموقع الأول في الإنتخابات البلدية الأخيرة. فضلا عن تبوأها المركز الأول في البرلمان؛ تاسعا تردد الرئيس الباجي قايد السبسي في إقالة الشاهد والذهاب للبرلمان خشية عدم تمكنه من حجب الثقة عنه، نتيجة تراجع مكانة حزبه والقوى المناصرة له؛ عاشرا الإرتياب من دور المؤسسات الدولية الداعمة والمقرضة لتونس، التي يتضاعف شكها بقدرة النظام السياسي على تأمين الإستقرار لتونس نتيجة التغيير المتوالي للحكومات، وبالتالي تزيد من شروطها الإقراضية للدولة والحكومة.  

هذة العوامل وغيرها منحت يوسف الشاهد القدرة على الخروج من تحت عباءة السبسي الأب و"نداء تونس"، ولم تفت في عضده حتى الآن مواقف الرئيس السبسي الأب، ولا "نداء تونس" ولا إتحاد الشغل ولا إتحاد الأعراف ولا القوى اليسارية بحجومها المختلفة وخاصة إئتلاف الجبهة الشعبية. مما سمح له بتعديل وزاري شمل عشرة وزراء خمسة منهم لحركة النهضة، ولم يبلغ رئيس الجمهورية إلآ قبل ساعات، وهذا ما إعترف به الرجل نفسه. حتى انه أعلن "انه ليس ساعي بريد، ولا هو طربوش" حتى يتجاوزه رئيس الحكومة الشاهد. 

ومن الواضح أن الظروف الإقتصادية المعقدة، التي تعيشها البلاد، وغياب القوى السياسية الفاعلة، وبتقديري الشخصي تلازم إسم حافظ السبسي، إبن رئيس البلاد في كل الأزمات الضاربة جذورها في التربة التونسية، أضعف دور الزعيم المخضرم، وزاد من عمق الأزمات، التي يعيشها "نداء تونس" والرئيس على حد سواء، وساهم في تفكيكه إلى حد بعيد، وبالعودة للوراء قليلا لاحظنا إستقالة محسن المرزوقي، الأمين العام للنداء في أيلول/ سبتمبر 2015، ورضا بلحاج مدير السياسات التنفيذية السابق مطلع 2016، وغيرهم من رموز النداء، وآخرهم العديد من الوزراء والنواب، الذين إنضموا لإئتلاف الشاهد، وقدرة حركة النهضة على المناورة، والإستفادة من الأزمات التنظيمية الداخلية ( لا يوجد تركيبة هيكيلة تنظيمية محددة للنداء، ولم يتم عقد المؤتمرات الداخلية حتى الآن إستعدادا لمعركة الرئاسة القادمة عام 2019) جميع هذة المعطيات فتحت الأبواب امام الشاهد ليس ليخرج ويشب عن الطوق فقط، وأنما ليطمح بالترشح لرئاسة البلاد في الدورة الإنتخابية القادمة. 

تونس الخضراء أمام لحظة سياسية صعبة ومعقدة، مطلوب من كل القوى الوطنية والقومية والديمقراطية تجاوز أزماتها والبحث عن مخارج واقعية لإزمة البلاد، وإنقاذها، وعدم السماح لحركة النهضة بالعودة لتسيد المشهد التونسي. فهل يفعلوا؟ 

[email protected]

[email protected]