ياسر عرفات عنوان حكايتنا الفلسطينية بقلم: محمد زهدي شاهين
تاريخ النشر : 2018-11-12
ياسر عرفات عنوان حكايتنا الفلسطينية
بقلم: محمد زهدي شاهين
11-11-2018

نفتقد اليوم ياسر عرفات الحكاية والاسطورة الفلسطينية التي سنحكيها ونرويها لابنائنا وللاجيال القادمة، فهو من اعتمر الكوفية الفلسطينية ورسم خارطة الوطن عليها. تمنطق بالالم الفلسطيني وكرس حياته في خدمة ابناء شعبه وقضيته، هو القائد الذي قَبلَ اقدام جرحى فلسطين، وواسى الاسرى وقبل جباه ورؤوس امهاتنا وابائنا، واحتضن اسر الشهداء وكانت المقاطعة في رام الله بيتاً ومزاراً ومشرعةً ابوابها للجميع، فهو عنوان حكايتنا الفلسطينية. كان الاب والاخ والزعيم والقائد لنا، واحتوى جميع اطياف اللون السياسي، وآمن بان الوطن للجميع وباننا اصحاب قضية ووجع واحد. ورغم اختلاف الكثير معه الا انه بقي محافظاً على ان لا يقطع شعرة معاوية مع احد من ابناء شعبه.
نفتقد اليوم ابتسامتهُ التي كانت ترتسم بصدق على محياه لابناء شعبه، حتى لو كانوا خصوما سياسيين، وكان يبتسمُ ايضاً لمبغضيه ويصبر على ذلك حباً وعشقاً لفلسطين. كان اكبر من كل المؤامرات التي حيكت ضده. كان حُلمَهُ وطُموحه بأن يرى فلسطين محررةً ويصلي في القدس الشريف، الا انه قضى نحبه شهيداً قبل تحقيق هذا الحلم. فهل يا ترى سيتحقق حلم الياسر بان يرفع شبلٌ من اشبالنا او زهرةٌ من زهراتنا علم فلسطين فوق مأذن وكنائس القدس.
في الذكرى الرابعة عشر لرحيل ياسر عرفات نحن اليوم بامس الحاجة لترتيب البيت الداخلي، وتقديم المصلحة العامة وايقاد وانعاش الروح الوطنية، واعادة اللحمة بين ابناء الشعب الفلسطيني بانهاء الانقسام. ونشير هنا الى ان المدرسة الوطنية التي خرجت الياسر ابو عمار، خرجت ايضا قادة حملوا راية الثورة والنضال، وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس رفيق دربه، ولكن لكل منهما اسلوب ورؤيا ونهج معين وغايتهما في المحصلة واحدة. ما مر به ياسر عرفات من مؤامرات ومعادلات يمر به اليوم محمود عباس، رغم وقوفه بوجه الغطرسة والعربدة الامريكية ضارباً بعرض الحائط املاءات البيت الابيض كما فعل ياسر عرفات من قبله، فما اشبه اليوم بالأمس.
وهنا لا بد لنا الا ان نقف على ما ذكره الدكتور احمد يوسف في كتابه (ياسر عرفات ذاكرة لا تغيب) لشهادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في حينه أخانا خالد مشعل بحق الشهيد القائد ياسر عرفات:
يقول الدكتور احمد يوسف: .....هذه هي كلمات الأخ أبو الوليد في الأخ والأب والقائد والفدائي والسياسي والزعيم البطل ياسر عرفات، والتي جاءت تحت عنوان "أبو عمار كما عرفناه"، وابتدأها بالقول: (اتفقتَ معه أو اختلفت.. فالشهيد ياسر عرفات قائد استثنائي في تاريخنا الفلسطيني المعاصر. الحديث عنه من موقع تنظيمي مختلف يقتضي الكثير من الإنصاف، وتغليب الروح الوطنية والمصلحة العامة. والحديث عنه كذلك من موقع الاختلاف السياسي يوجب الكثير من الدقة والموضوعية، ورؤية الأمور على حقيقتها، وبمسؤولية وطنية عالية.
احتل أبو عمار مساحة كبيرة وطويلة في المشهد الفلسطيني وهو يحمل البندقية ويناضل عسكرياً ضد المحتل الإسرائيلي بكل الوسائل، وكانت فتح آنذاك العنوان الأبرز للمقاومة الفلسطينية. ثم طغت على المشهد الفلسطيني صورة عرفات السياسي البراغماتي الذي يفاوض ويصالح العدو، ويفاجئ شعبه والعالم باتفاقية أوسلو الخِلافية، ويقود على أساسها سلطة على جزء من أرض الوطن. ثم كانت أخيراً صورة أبو عمار الذي يزاوج بين المقاومة والسياسة، ويوفر الغطاء القيادي لانتفاضة الأقصى عام 2000 بعد وصول أوسلو إلى طريق مسدود، ليختم هذا المشهد وهو تحت الحصار في المقاطعة: صامداً، فمسموماً، فشهيداً.
لقاءاتي معه كانت قليلة، لكن تواصلي معه في سنواته الأخيرة كان مكثفاً ومستمراً، وتابعته حتى آخر لحظات حياته في مستشفى (بيرسي) في باريس عبر الحلقة اللصيقة به. وعلى ذلك أستطيع بكل ثقة وأمانة أن أشهد لهذا القائد من خلال تلك السنوات، أنه تصرف بشجاعة، ورباطة جأش، وبمسؤولية القائد، وأعطى غطاءً رسمياً للانتفاضة الثانية، ما سمح لفتح وأجهزة السلطة بل ودفَعَها للانخراط فيها بقوة، ويسّر لحماس وقوى المقاومة الفلسطينية المختلفة أن تتحرك في ميدان تلك الانتفاضة بحرية كبيرة وفي بيئة وطنية ممتازة، اختلط فيها الدم الفلسطيني على أرض المعركة، وتشابكت سواعد مَنْ سبق أن مزقتهم أوسلو والموقف المتباين منها.
وأنا شاهد على محطات حرجة مرت بها تلك الانتفاضة، جرّاء حادث هنا أو هناك، كان يمكن أنْ تَصْرِفنا عن النضال المشترك بالانشغال في أنفسنا فلسطينياً، لكن ياسر عرفات تصرف بمسؤولية وطنية عالية، وبقرارات حازمة تجاوز بها تلك المطبات، وأعطى الأولوية للمواجهة المشتركة مع الاحتلال، رغم أن ذلك المشهد لم يخل من التباين في الموقف السياسي بين الحين والآخر.
ولا أذيع سراً إن قلت الآن عن تلك المرحلة وبعد مرور هذه السنوات عليها، أنني كنت معنياً من موقعي الوطني وفي قيادة حماس، أن أقف إلى جانب أبو عمار في المحطات الصعبة والحرجة التي مر بها، وهو يواجه الحصار، والضغط، ورسائل التهديد، وخذلان القريب والبعيد. وكنت أحرص على الاتصال به والشد على يديه وتأكيد الوقوف إلى جانبه قبيل وبعيد كل زائر من ذلك الصنف، ممن يحمل رسائل التهديد ومواقف الخذلان. وكنت أفعل ذلك انطلاقاً من المسؤولية الوطنية، وقيم النخوة والرجولة، والوفاء لقائد لم يخذل شعبه في لحظات المواجهة الحاسمة مع الاحتلال، وعوّض عن سنوات أوسلو العجاف – التي اختلفنا والكثيرون من شعبنا معه عليها – بسنوات انتفاضة وحدت الشعب وفصائله على المقاومة، وأعادت للقيادة الفلسطينية دورها وموقعها الطبيعي، فاستعاد أبو عمار من خلالها الكثير من مكانته وصورته، فكانت خاتمته على النحو الذي جرى والصورة التي أرادها: شهيداً شهيداً.....).
وهذه شهادة نعتز ونفتخر بها كابناء لحركة فتح من قائد فلسطيني وبالذات كونها من قيادي بارز في حركة حماس. ونحن اليوم وفي هذه المحطة الصعبة والحرجة من مراحل قضيتنا الوطنية والتي يزداد الضغط والخذلان فيها من العدو والاشقاء العرب بامس الحاجة الى سماع مثل هذه المواقف من قادة حركة حماس والفصائل الاخرى بالالتفاف حول الرئيس الفلسطيني من اجل توحيد الموقف والتصدي لكل المؤامرات التي تهدد قضيتنا الوطنية. وفي المقابل يجب على الرئيس الفلسطيني تذليل كل العقبات من اجل ذلك، فهو ربان السفينة.
ياسر عرفات خُلد اسمه في تارخ وذاكرة شعبه الفلسطيني، كاسطورة وقائد ورمز للثورة الفلسطينية. وحفر في ذاكرتنا ايضا اسماء لرموز اخرين، كالشهيد الطفل فارس عودة الذي امسى رمز التحدي للاحتلال والذي صدح ياسر عرفات باسمه فارس عودة..فارس عودة..فارس عود