نظرة مستقبلية على صحافة المواطن بقلم:أحمد حمودة
تاريخ النشر : 2018-11-08
نظرة مستقبلية على صحافة المواطن بقلم:أحمد حمودة


نظرة مستقبلية على صحافة المواطن

أحمد حمودة

ان تكنولوجيا الاتصال والانترنت والتطور المتلاحق في البرمجيات، خاصة البرامج مفتوحة المصدر  تجعل من الصعب تماماً استشراف المستقبل أو تحديد سيناريوهات مقنعة لتطور إعلام المواطن، وشكل العلاقة بين اعلام المواطن ووسائل الاعلام التقليدية، فبينما يثور خلاف كبير حول طبيعة العلاقة ما بين صحافة المواطن والإعلام التقليدي، ظهرت اتجاهات رئيسية في رؤية طبيعة تلك العلاقة ،وبالتالي  نرى إمكانية تحديد مستقبل هذه الظاهرة المتمثلة بصحافة المواطن، وهذه الاتجاهات على اختلافها واتفاقها هي كالتالي:

الاتجاه الأول : يبالغ في الاحتفاء بالآثار الإيجابية للإعلام الجديد وإعلام المواطن، وينظر إليه باعتباره ليس فقط وسيلة للتعبير الحرّ عن الآراء وممارسة حق الاتصال وتحقيق الديمقراطية، والرقابة الشعبية، بل باعتباره وسيلة للتغيير الاجتماعي، وتمكين الفئات المهشمة، وتحقيق العدل والمساواة، ودعم مشاركة المواطنين في القضايا العامة الداخلية والخارجية، وهنا يتحدث أنصار هذا الاتجاه عن إعلام  المواطن كسلطة خامسة تتفوق على السلطة الرابعة في عدم خضوعها لسطوة الإعلان والاحتكارات الإعلامية، أو رقابة حارس البوابة وقدرته على أيضا على الاشتباك مع القضايا الدولية وكسر حاجز نظرية دوامة الصمت الإعلامية، وإيجاد رأي معولم يمكن أن يدعم من فرص تحقيق السلام بين أطرافٍ متصارعة.

ويؤمن أنصار هذا الاتجاه بأن الإعلام الجديد وإعلام المواطن سيحلّ محل الإعلام التقليدي، أي أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة صدام وإحلال، وستتلاشى بمقتضاها الفروق بين إعلام المواطن والإعلام الاحترافي القائم على التخصص المهني، حيث سيمارس جميع المواطنين الإعلام جنباً إلى جنب مع الصحفيين والإعلاميين المحترفين، وقد أدى التطور التكنولوجي للإنترنت إلى إزالة الحواجز التي تحول دون النشر، والسماح لمزيد من الناس بممارسة الصحافة. 

الإتجاه الثاني :يعارض فكرة إعلام المواطن ويؤكد على ضرورة الاحترافية والمهنية، ويطعن في دقة ومصداقية المحتوى الذي يقدمه إعلام المواطن، ويدلل على ذلك بمئات الوقائع التي أرتكب فيها مدونون انتهاكت لحقوق الملكية والخصوصية، وعدم الدّقة وترويج الشائعات، وقد نظر القضاء في كثير منها , ويتهكم البعض على إعلام المواطن بالقول إنه داعية مواطن، حيث يسئ البعض استخدام وسائل الإعلام الجديد في الترويج  لنفسه وتجارته بدون رقيب.

ويتعقد أصحاب هذا الاتجاه- وأكثرهم من الإعلاميين وأساتذة الجامعات- أن تكنولوجيا الاتصال وتطور الانترنت قد اتاحت فرصا كبيرة لمشاركة الجمهور في انتاج وتداول المحتوى والتفاعل مع وسائل الإعلام والتعبير الحر عن الآراء, لكن هذه الإمكانات والفرص لا تبرر أن يحل الهواة مكان المحترفين، أو أن  تغلق كليات ومعاهد الإعلام تحت دعوى أن ممارسة الصحافة والإعلام حق من حقوق الإنسان، فالتخصص مطلوب ولا بديل عن الإحتراف في إنتاج وتداول الأخبار، ومناقشة القضايا العامة ، خاصة أن شاهد العيان قد يقدم الحدث من وجهة نظر فقط، أو من المكان الذي شاهد فيه وقوع الحدث، ولا يطالب أنصار الاتجاه الثاني بحظر نشاط المدونين ، أو سن قوانين ضد إعلام المواطن ، بل يطالبون بأن يقتصر نشاط المدونين على تبادل الأخبار والآراء الخاصة، والابتعاد عن منافسة الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، ويجادل أصحاب الاتجاه الثاني بأن الإعلاميين هم مواطنين مثل بقية المواطنين، وقد عملت المؤسسات الإعلامية التقليدية على مدار تاريخها في خدمة المواطنين ومفهوم المواطن، وبالتالي لا داعي لإيجاد تمييز بين المواطنين على أساس أن فريقا منهم يعمل بشكل محترف في مهن إعلامية، بينما الاخرون يعملون في مهن أخرى ومن حقهم تماما المشاركة في إنتاج وتداول المحتوى الإعلامي، ولكن ظمن الأطر القانونية، والقواعد المهنية ، ومواثيق الشرف الإعلامية التي تنظم بيئة العمل الإعلامي. 

الاتجاه الثالث :ينطلق أصحاب هذا الاتجاه من فرضية أنه لا توجد وسيلة إعلام تقليدية لا تعتمد على تكنولوجيا الاتصال والإنترنت، ووسائل الإعلام الجديد, وبالمثل لا جود لمدون أو ناشط على الانترنت لا يستخدم وسائل الإعلام  التقليدية، وبالتالي فإن فرص التعايش وربما التعاون بين الطرفين ممكن ومطلوبة هكذا. تحل علاقة التعاون والمشاركة بين الإعلام التقليدي وإعلام المواطن محل علاقة الصدام ومحاولة نفي الأخر، ويعمل الطرفان من أجل تقديم الحقائق وكافة وجهات النظر بدون رقيب أو حارس البوابة. وبدون أن يتدخل أي منهما في حرية الأخر, وهذا يدعونا للتساؤل . كيف يتحقق التكامل بين صحافة المواطن والإعلام التقليدي؟

إن تحقيق صيغ التعاون والمشاركة بين إعلام المواطن والإعلام التقليدي يتطلب من الطرفين تقديم بعض التنازلات، وتعلم بعض المهارات الجديدة، لعلّ في مقدمتها أن يتعلم المدونون بعض قواعد العمل الصحفي الخاصة بتحري الدقة قبل النشر مع احترام قوانين حماية الخصوصية، والملكية الفكرية، وكفالة حق الرد لمنتقديهم، علاوة على الالتزام بقواعد ومكونات السلوك في تغطياتهم الإعلامية، وفي المقابل على الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية أن يتنازلوا عن بعض الامتيازات، وفي مقدمتها حق الصحفي في الحفاظ على سرية مصادره ، فهذا الامتياز لا بد أن يتمتع به أيضا المدنون، ولا بد أيضا أن يتعامل الإعلاميون المحترفون بإحترام وندية مع المدونين ونشطاء إعلام المجتمع .

أما على المستوى المؤسسي فيجب على المؤسسات الإعلامية أن تتقبل وجود شركاء أصغر، ولكنهم أكثر حفاظا على التعددية والتنوع، ولا سيما بعد أن نجحت صحافة المواطن بكل أشكالها في إحداث تغطية شهدت لها كافة المحافل ، وعليه فإن دورها الهام في التغطية الإعلامية لمختلف الأحداث والوقائع، يجعل من الضروري على وسائل الإعلام التقليدية أن تطور علاقتها بهذا الشكل الصحفي الجديد، وأن يتم تبني مشاركات الجمهور المختلفة، سواء كانت مقالات، صور، أو تسجيلات، كما ينبغي عليها أن تستغل مزيدا من التطبيقات الأخرى كالمدونات الالكترونية، وأن توظف بشكل فعال جماهيرها المختلفة لتحسين تغطياتها الإعلامية، خاصة في البيئة العربية التشهد قيوداً وانغلاقا إعلامياً.

وفي هذا المجال يمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تعمل على تطوير هذه العلاقة التفاعلية مع جماهيرها، وتحفزيهم أكثر على المشاركة بمختلف المضامين، بإطلاق المزيد من المبادرات، وتقديم جوائز وتكريمات للأفراد الناشطين بصفة دائمة أو منتظمة، أو جوائز لأحسن مضمون و مشاركة، أو جوائز لأحسن مضمون ومشاركة، وذلك بهدف حث الأفراد على المشاركة 

نرى بان صحافة المواطن ستفتح أبواب حرية التعبير ونقل الأخبار بشكل أوسع، لأنّها صحافة تسمح للمواطن العادي بالقيام بدور الصحفي، وتوصيل أفكاره بحرية لجمهور المواطنين بعيداً عن الإنحطاط الفكري الذي تفرضه غرائز العنصرية، والطائفية، وسيكتسب حضور المواطن الصحافي أهميته مع إلتزامه بقضايا الشأن العام، وإنخراطه في الممارسات السياسية والاجتماعية المكًونة للفضاء العام .