قصائد عمار بقلم رائد محمد الحواري
تاريخ النشر : 2018-11-08
حكمة الحوار في قصيدة
"الوردُ والمقصلة"
استخدام الكاتب/الشاعر لطريقة/أسلوب ينسجم مع متطلبات (الجمهور) والعصر فهذا يشير إلى تكيفه وتأثره بالواقع، وهذا شيء يحسب له، لكن هناك خط فاصل بين ما يريد أن يكتبه الكاتب/الشاعر وبين ما يريده (الجمهور) بحيث لا يندفع الكاتب/الشاعر بكل ما يكتبه إلى (الجمهور)، وأن يبقى لنفسه مساحة يعبر فيها عن ذاته ككاتب/كشاعر، وهنا تكمن أهمية الكاتب ودوره في (التغيير) وخلق حالة من الوعي عد (الجمهور)، فالاختصار والتكثيف أصبح سمة عامة في عصر النت، وهذا الأمر يتطلب جهد خاص وقدرة استثنائية ليكون الكاتب منسجما مع (الجمهور) الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم مادة عصرية لكن بطريقته الخاصة، بمعنى أن شكلها/حجمها يوحي بأنها تناسب (الجمهور) لكن الحكمة التي تحكلها، والفضيلة التي جاءت بها تمثل حالة فكرية قديمة، فنحن في زمن النت والمصلحة والسرعة والمال، فكيف يمكننا أن نتقبل أفكارا (تقليدية) انتهى زمنها؟.
وهنا يكمن دور الشاعر الطليعي/التقدمي، فهو يحوي للقارئ أنه (شكليا) منسجما مع العصر، لكنه يقدم مادة فكرية أخلاقية تبث الأمل بالحياة ـ رغم هول الواقع ـ فالشاعر لا يكتفي بالاختزال والتكثيف، بل يضيف جمالية أخرى من خلال تقديم مادته الأدبية من خلال الحوار، وأي حوار، حوار بين عناصر غير ناطقة، بين المقصلة والوردة، وكأنه بهذا التغيب يريدنا أن نخرج من العصر/الواقع والذهاب إلى الفكر والتخيل، وهذا بحد ذاته يعد (طفرة) في هذا الزمن، من هنا تأتي أهمية قصيدة "الوردة والمقصلة".

المباشرة في قصيدة
"وأمّا الجدار"
اعتقد أن المواطن العربي عامة ومنهم الفلسطيني عنده عقدة من حرس السين، فقد أصبح هذا الحرف فارغ، ويشعر المواطن/المتلقي بالامتعاض منه، فقد سمعنا كلمات "سنبني، وسنعمر، وسنكون، وسنحرر، وسنتقدم، و... و...، لكن لم يكن هناك إلا الخراب والتقهقر والانهزام، ليس على مستوى النظام الرسمي فحسب، بل على مستوى البديل وحركات التحرر أيضا، وقد تفاقم هذا الأثر ليصل غلى المواطن العادي، الذي فهم وعرف وعلم طبيعية الخدعة التي يحملها حرف السين، فلم يعد يلقي له بالا، اعتقد أن هذا القصيدة ـ رغم أنها تحاول أن تخلق الأمل ـ إلا أنها تعد من شاكلة الخطاب التعبوي القديم، والذي لم يعد يجدي في بعث (النخوة العربية).

القصيدة القصة في قصيدة
"توبة قابيل"
تداخل/التزاوج بين الأنواع الأدبية شيء جميل ورائع، فهذا يعطي مدلول/فكرة على أهمية التنوع والتعدد، لكن بطريقة غير مباشرة، ويعطي أيضا مفهوم على ضرورة التجديد، وعدم تقديس شكل أدبي بعينه، "الشاعر "عمار خليل" في هذه القصيدة يقدم قصة بشكل قصيدة، والجميل فيها أنها مكثفة وتحمل فكرة إنسانية، كما أنه جاءت بأكثر من صوت، والأجمل ان الشاعر يستخدم طريقة التشويق فيها سرد القصيدة، فهو يقدم الأحداث على مراحل، بحيث يتوقف المتلقي عند ك مقطع ن القصيدة/القصة، المقطع الأول جاء فيه:
"هُما طفلان
مُلتسقان في المشفى ،
وأمهما لدمع الحزن ساكبة
لتزرعَ في صُداع الروح أمنية ً
لـيـفـتـرقا !؟.."
هذا المقطع يشير إلى وجود حالة ولادة غير طبيعية، فهناك توأم ملتصق، والأم بطبيعتها تريدهما معا، وتخاف فقدان أحدهما أو كلاهما، وهذا الأثرة الإنسانية مهمة وضرورية لجذب القارئ للقصيدة، والتي بها يريد أن يستكشف ويعرف ما آلت إليه بقية القصة/القصيدة، وهذا التشويق لمعرفة القصة يجيبنا عليه الشاعر في المقطع الثاني:
"يقول : طبيب أطفالٍ
- وقد ذ ُهلت ملامحُهُ -
بأنـّهما ..
بقلبٍ واحدٍ خَــفـَقـَـا "
هناك مشكلة تتفاقم، وبالتأكيد ستنعكس على أثارها على الأم وعلى القارئ، الجميل في اللغة التي استخدمها الطبيب، أنها جاءت بفواصل، وكأنه لا يرد أن يقدم حقيقتهما الصادمة للأم ولنا دفعة واحدة، لهذا هو يراعي مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث يقدم المعلومة بشكل يفهم منها خطورة وضع التوأم.
يعود الشاعر ليسرد لنا بقية القصة بعد أن أسمعنا صوت الطبيب وطبيعة المخاطرة التي تحمهما عمالية فصلهما:
"يُخيّم في
فراغ الصمت صمت ٌ،
كلّ مَن في
صدمة الميلاد مرتقب ،
ولم يدروا ..
بأنهما لمعنى الحب قد خـُـلقا"
يراعي الشاعر مشاعر الأم ومشاعر القارئ بحيث لا يريد أن يصدمه بالألفاظ المؤلمة، لهذا نجده يستخدم كلمات لها أثر جميل على الأم وعلى القارئ، لهذا جاءت نهاية القصة/القصيدة بهذه الألفاظ غير المؤلمة.



اللغة البيضاء في قصيدة
"احتفالية ٌ في حضرة الماء"
للغة المجرد أثرها على القارئ، فهي قادرة على ايصال فكرة النص الأدبي/القصيدة دون أن ندخل في تفاصيل الأحداث، وعندما تكون الألفاظ منسجمة مع المعنى/المضمون بالتأكيد فأن هذا يشير غلى أن الشاعر قد توحد مع قصيدته، بحيث يتداخل فيها المكتوب مع الكاتب ويتوحدان معا.

على بُعْـــدِ عـُمْرين
ما زلت حيّا ،
اُسجل ميلاد حرفي
واُعلن فوق الغمام وصولي
أ ُصلي وفيّ خشوعٌ
يقاسمني ما يريدُ
أكونُ فتيا
يكون نبيّا "
الجميل في هذا المقطع ان الشاعر يحدثنا عن مشاعره، فنحن من يفهمه والأقرب عليه، لهذا خصنا بهذا الحديث وهذه اللغة الناعمة والهادئة.
المقطع التالي يستخدم فيها الشاعر لغة ناعمة وهادئة تبث الطمأنينة في المتلقي وتجعله ـ بألفاظها المجردة يشعر بالخير الذي حدث:
"وعند اللقاء
اُقبلُ وجه الضياء
يقولُ بهمس ٍ
سلامٌ عليك
سلام عليّا "
"اللقاء، أقبل، وجه، ضياء، بهمس، سلام" كل هذا يشير إلى الخير الذي حدث، هذا البياض استكمل في المقطع التالي، والذي جاء بلغة ريفية مفعمة الأمل والخير القادم:
"اُرتِب في دفئ روحي
مواعيدَ الشتاءِ
وأغسل وجه البذور
أزرعُ أعمدة الماء
في كل نبضٍ
فيكبر سِربُ الجداول
يَسقى جموعَ الجذورِ
ويُــزهر دربُ الخلود
ربيعـًا وقلبًا نديا"
تبدو لنا القصيدة وكأنها قصيدة ريفية، وأن كاتبها ، غير تلك التي بدأت بها، فاللغة والأحداث والألفاظ تتباين عن تلك التي بدأت بها، فقد كانت البداية تتحدث عن السماء والفضاء، وهنا نجد عالم أرضي، لكنه يتماثل بجماله مع عالم السماء، فالبيئة ريفية صافية، ومثل هذه الطبيعة بالتأكيد تمنح القارئ الهدوء لما فيها من جمال وسكينة.
يقدمنا الشاعر أكثر من عالم الجمال والبياض، بحيث نتخلص تماما من أي لفظ مؤلم أو يمكن أن يشير إلى حالة القسوة:
"أمُرُّ بكل الحدائق
أجمعُ عِـقد الفراشات
يحتفلُ الورد بي
تبدأ الأغنياتُ
وأصوات نبضي
تناجي الطيور
تحطُ على كتفيّا"
عالم أرضي، لكنه ايضا عالم الجنة/الفردوس الذي يطمح إليه كل إنسان، وهذا ما يجعل القصيدة منسجمة بين البداية السماوية التي جاءت بها والتفاصيل الأرضية/الطبيعية الريفية.
يختم الشاعر القصيدة بهذا المقطع:
"وفي الأفق شمسٌ
وظلٌ يُرافقني للمساء
وليل شهيٌ
عباءته من نجومٍ
غطاءُ السماء
حكاية ُ بَوْحٍ
شفاهٌ تعانق كأس السكون
وتهمسُ لحن التسامر في أذنيّا
فتلخد للعشق روحي
أظلُ على بعد عمرين حيّا"
الألفاظ جاءت بيضاء، كحال سابقتها، وهذا يشير إلى أن الشاعر توحد مع القصيدة، بحيث انسجما معا، ولم يعد يقدر أن يتحرر من حالة (الاشراق) فكتبته القصيدة بالفاظها.