قراءة في نتائج انتخابات الكونغرس..هل تغدو السياسة الامريكية أكثر أخلاقية بقلم: د. سمير مسلم الددا
تاريخ النشر : 2018-11-08
قراءة في نتائج انتخابات الكونغرس..هل تغدو السياسة الامريكية أكثر أخلاقية بقلم: د. سمير مسلم الددا


قراءة في نتائج انتخابات الكونغرس......هل تغدو السياسة الامريكية اكثر اخلاقية
د. سمير مسلم الددا
[email protected]
" غدا سيكون يوما مختلفا في التاريخ الامريكي", بهذه الكلمات الشديدة التعبير خاطبت نانسي بيلوسي الجماهير في واشنطن صباح امس معلنة فوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب الامريكي.
وتابعت زعيمة الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب مهنئة مؤيدي حزبها على النصر الذي حققه في الانتخابات النصفية لجناحي الكونغرس الاميركي مجلس النواب والذي انتزعه الديمقراطيون من الجمهوريين ومجلس الشيوخ الذي احتفظ به الجمهوريون, قائلة : "سيكون لدينا واقعا سياسيا جديدا في الولايات المتحدة سينعكس على سياساتها الداخلية والخارجية"
وأضافت السيدة الاقوى في السياسة الامريكية كونها تخلف بول رايان في رئاسة مجلس النواب الجديد "سيكون من الان هناك ضوابط للمحاسبة واسس لمعالجة الفساد".
وشددت المرأة التي بات في حكم المؤكد انها ستحتل أهم منصب في الولايات المتحدة بعد الرئيس ونائبه "على ان فوز حزبها بحوالي 222 مقعدا من معاقد مجلس النواب البالغ 435 مقعدا سيخلق نوعا من التوازن الانضباطي في الاداء الرسمي الامريكي", وهذا بلغة السياسة يعني ان الرئيس الامريكي لم يعد طليق اليد تماما في تنفيذ ما يخطر على باله كما كان الحال في العامين الماضين في ظل كونغرس جمهوري بالكامل.
من جهتهم, اعضاء كبار في الحزب الجمهوري قالوا ان حزبهم حقق انتصارا تاريخيا باحتفاظه بمجلس الشيوخ.
فها هو الرئيس دونالد ترمب يتغافل عن هزيمة حزبه الثقيلة وفقدان سيطرته على مجلس النواب فخاطب جمهوره اثر اعلان اغلب النتائج قائلا "شكرا لكم لقد حققتم انجازا تاريخيا" وكان يقصد احتفاظ حزبه بمجلس الشيوخ ولم يؤيده في هذا الرأي إلا مستشارته كاليان كونواي, فيما يتساءل البعض اين الانجاز التاريخي في الابقاء على وضع قائم في مجلس الشيوخ منذ أكثر من عقد من الزمن, بينما الحقيقة المرة التي يتجاهلها الرئيس ومستشارته ان حزبهم مني بهزيمة مؤلمة هي الاكبر من نوعها في السنوات العشرة الاخير بفقدانه السيطرة على مجلس النواب.
وفي هذا السياق, كانت لغة الجسد للرئيس دونالد ترمب ونبرة صوته في مؤتمره الصحفي بالأمس الاربعاء مشبعتان بنكهة الهزيمة والانكسار, فلم يكن دونالد ترمب كما هي عادته مفعما بالاستعلاء والفوقية والغرور واختفت لهجة التعالي والغطرسة من حديثه وتملكته العصبية وفقدان السيطرة على النفس وهذا ما انعكس جليا على تعامله مع الصحفيين الذين تواجدوا في البيت الابيض امس, وكان ملفتا تصرف الرئيس الفظ وصراخه وحدته مع جيما كوستا مراسل شبكة سي ان ان الاخبارية, وكذلك تجاهل صحفيين اخرين والتهرب من الاجابة على اسئلتهم ومنهم مراسلة قناة العربية ومراسل واشنطن بوست ومراسل روسيا اليوم وغيرها, وهذه مؤشرات تسهل قراءتها حول حقيقة ما يشعر به الرئيس نتيجة لتلك الانتخابات (التاريخية) وما مدى وقعها وقسوتها وما هي تداعياتها المستقبلية على سيد البيت الابيض.
يعزو الكثير من المراقبين سلوكيات الرئيس دونالد ترمب العدوانية يوم امس الى اعتقاده بأن هناك اعضاء كونغرس جمهوريون يميلون الى تحميله شخصيا مسؤولية الهزيمة التي مني بها حزبهم, وخسارتهم لمجلس النواب بعد سيطرتهم عليه طيلة السنوات العشر الماضية, بينما يرى هو (الرئيس ترمب) ان خسارة حزبه لمجلس النواب تعود لأسباب (لا علاقة له بها) أهمها: "نفاق وسائل الاعلام وصرف مبالغ مالية كبيرة جدا على الانتخابات الاخيرة من قبل الديمقراطيين " كما قال.
يرى الذين يحملون الرئيس ترمب المسؤولية ان افتقار الرئيس للحس السياسي نتيجة ضحالة خبرته كرجل دولة, افضى الى مواقف غريبة وسلوكيات مستهجنة وسياسات تتنافى مع القيم الامريكية وقرارات تنتهك القوانين الدولية فكانت هذه مجتمعة بالدرجة الاولى السبب المباشر في صرف شريحة واسعة من الناخبين وتصويتهم ضد اداء الرئيس وحزبه فكانت النتيجة بالطبع لصالح المرشحين الديمقراطيين وكما كان متوقعا بحسب استطلاعات الرأي.
فمثلا سلوكيات الرئيس ترمب تجاه المرأة في العديد من المناسبات والمواقف اثار استياء شريحة واسعة من النساء اللواتي شعرن بالإهانة من تصرفات الرئيس ترمب تجاههن وخصوصا الطبقية المتعلمة منهن والمتمركزة في المدن الرئيسية وضواحيها, فكان ان شهدت هذه الانتخابات اقبالا نسائيا تاريخيا وغير مسبوق ترشحا وتصويتا افضى الى ايصال أكثر من مئة امرأة الى قبة الكونغرس 94 منهن في مجلس النواب حوالي 89% منهم ديمقراطيات وهذه ارقام تاريخية وغير مسبوقة في تاريخ الكونغرس ناهيك عن انتخاب نائبتين من الهنود الحمر سكان البلاد الاصليين لأول مرة بالإضافة الى سابقة تاريخية اخرى هي انتخاب نائبتين مسلمتين عربيتين (الفلسطينية رشيدة طليب عن ميتشغان والصومالية الهان عمر عن مينيسوتا) وجميعهن على قائمة الحزب الديمقراطي, وجميعهن من الملونات اللاتي لا يرقن لدونالد ترمب, وبهذه الهجمة المرتدة نجحت النساء في توجيه ضربة انتقامية مؤلمة للرئيس المتغطرس وذلك باستحواذهن على ما نسبته حوالي 20% من مقاعد مجلس النواب وهي نسبة كانت كافية تماما وكفيلة لوحدها بالإطاحة بالرئيس وحزبه من رئاسة مجلس النواب لصالح الديمقراطيين.
جهود المرأة الامريكية هي التي اودت بالجهود الجبارة والغير مسبوقة التي بذلها الرئيس ترمب خلال الحملة الانتخابية الاخيرة وجاب خلالها معظم الولايات الامريكية لتجنيد انصاره وحثهم على التصويت بإثارة الرعب والخوف في نفوسهم من المهاجرين وما يشكله منافسة هؤلاء الغرباء من خطر على فرص الامريكيين الوظيفية واستنزاف لمقدرات المتجمع وتداعيات ذلك على الاقتصاد الامريكي حسب زعمه, ولكن لم تنجح هذه الخطة العنصرية هذه المرة على الرغم من نجاحها في انتخابات الرئاسة عام 2016 وهذا على ما يبدو هو ما احبط الرئيس واسقط في يده.
المقلق للرئيس ترمب هو الواقع السياسي الجديد التي اسفرت عنه الانتخابات النصفية بتمكين الديمقراطيين من مجلس النواب, مما أسقط في يد الرجل الذي ظن ان لديه رأس مال لا ينضب طيلة فترة رئاسته الماضية كما كان يقول وهو يطلق عليه "التفويض" من السلطة التشريعية مما انعكس على تماديه في الانحدار بسلوكياته وتصرفاته وكأنه فوق الدستور, فاذا به فجأة يقع في مرمى خصومه الديمقراطيين الذين شرعوا في توجيه سهامهم الى قلب ما كان يسميها انجازات كبيرة وتاريخية وغير مسبوقة ويتمترس خلفها ومعتقدا انها تشكل له حصانة في حين ان للديمقراطيين حيالها رأي اخر, فهم يرونها انها تقوض الاسس التي قام عليها المجتمع الامريكي وتخالف القيم والمبادئ التي يؤمن بها هذا المجتمع ولها الدور الاهم في متانته وتماسكه وسر تفوقه ونجاحه وتطوره وقوته واقصد هنا الهجرة واستقطاب الكفاءات والتنوع العرقي والمساواة والتجارة الحرة والشراكات الاقتصادية المتعددة الاطراف المبنية على المصالح والاحترام المتبادل.
اما على الصعيد الخارجي, فقد انعكس افتقار الرئيس ترمب وفريقه المختص للخبرة السياسية على سياستهم الخارجية فاتسمت بالحدة والتطرف وعدم التقدير وخصوصا في الشرق الاوسط (وهذا ما أهم يعنينا), فنراه يتهور في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل ويرفعها الى سقف لم يحلم به حتى عتاة المتطرفين من القادة الاسرائيليين, في حين يهوي بالعلاقة بالطرف الفلسطيني الى الحضيض لدرجة القطيعة في حين انهم (الفلسطينيون) هم الطرف الاهم في المعادلة التي أخل بعناصرها مما أوصل جهوده في هذا الملف الى حائط مسدود.
في حين اتسمت السياسة الامريكية الخارجية في عهد الديمقراطيين بالتحفظ وعدم الاندفاع في العلاقة مع اسرائيل بل وصفها البعض بالفتور, ومع الفلسطينيين كانت العلاقات اقرب الى الطبيعية مما خلق نوعا من التوازن السياسي وان كان سلبيا بين الطرفين نتج عنه نشاط استيطاني اسرائيلي محموم على الاراضي الفلسطينية في حين عزز الفلسطينيون حضورهم على الساحة الدولية وتوجوا انجازاتهم السياسية والدبلوماسية بالحصول على قرار مجلس الامن رقم 2334 في نهاية عام 2016 والذي يعد بمثابة دستور عالمي يحكم وضع الاراضي الفلسطينية التي استولت عليها اسرائيل بالقوة العسكرية عام 1967 ويكرس فلسطينيتها ويعزز مكانتها كأراضي محتلة وكل الاجراءات التي قامت وتقوم بها اسرائيل لتغيير معالم تلك الاراضي وخصوصا في القدس الشرقية هي غير قانونية وغير شرعية ومخالفة للقانون الدولي ويعتبره المختصون بالقانون الدولي مثل طابو (سند ملكية) يثبت مليكة الاراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال العسكري الاسرائيلي منذ عام 1967 لأهلها الفلسطينيين, وهذا ما كان ليتم بدون السياسة المتوازنة التي انتهجتها ادارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك اوباما وسماحها بتمرير القرار المشار اليه بالامتناع عن التصويت وعدم اللجوء الى الفيتو.
أضف الى ما سبق, ان التحديات التي يتوقعها الرئيس ترمب لن تقف عن هذا الحد, بل تتجاوز ذلك بمراحل, هناك مخاوف حقيقية لدى الرئيس وفريقه من ان يدفع المشرعون الديمقراطيون نحو دعم وتسريع وتيرة التحقيقات في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 التي جاءت بترمب الى البيت الابيض وما قد تفضي اليه تلك التحقيقات الى اجراءات داخل مجلس النواب تؤدي الى عزل الرئيس, وقد عبر الرئيس ترمب عن هذه المخاوف في مؤتمره الصحفي الذي اشرنا اليه سابقا قائلا "فوز الديمقراطيين لا يعني فتح باب لسباق التحقيقات" وعززت هذه المخاوف المستشارة كاليان كونواي التي يبدو انها تجيد قراءة أفكار رئيسها قائلة: " على الديمقراطيين الفائزين ان يعرفوا انه لم يتم انتخابهم لخلع الرئيس بل للعمل من اجل البلاد" ليرد عليها احدهم بتهكم "لا تقلقي يا سيدتي, من المؤكد ان خلعه سيكون من اجل البلاد".
هذا ناهيك دعوات جدية لفتح الدفاتر الضريبية لاعمال ومشاريع الرئيس وعائلته والتي يمتنع عن فتحها حاليا الكونغرس الحالي بتركيبته الجمهورية.
ومن المؤكد ان محاولات الرئيس لتعديل نظام الرعاية الصحية والمعروف باسم "اوباما كير" ستصطدم بقوة بصخرة نانسي بيلوسي العائدة بقوة الى صدارة الكونغرس والتي كانت تقف شخصيا وراء هذا القانون.
اخر الكلام:
في ظل الواقع السياسي الامريكي الجديد الذي افرزته انتخابات الكونغرس النصفية هذا الاسبوع لم يعد دونالد ترمب طليق اليد تماما كما كان قبل ذلك, لذا يمكننا قراءة المشهد الامريكي الجديد كالاتي:
• واقعا امريكيا اكثر تسامحا حيال الهجرة.
• ولايات متحدة ودودة اكثر نحو العرقيات المختلفة والاقليات.
• سياسة امريكية خارجية اكثر اخلاقية وعلاقات دولية اكثر عقلانية.
• شراكات امريكية عالمية متوازنة واكثر احتراما.