قراءة في مسرحية الطربوش والبراميل بقلم: د.الغزيوي بوعلي
تاريخ النشر : 2018-11-08
قراءة في مسرحية الطربوش والبراميل بقلم: د.الغزيوي بوعلي


تحليل مسرحية الطربوش والبراميل بين لغة التشظي والحلم المعلق
إنجاز الدكتور الغزيوي بوعلي
تشكل هذه المسرحية من بين أكثر المسرحيات التي طرحت قضية الإنسان العربي أمام الهيمنة الغربية، قد جعلت الإنسان غير مسؤولا أمام التحولات العالمية، حيث أصبح مركزا يصطدم برسوخ العصر، الذي يؤطر ثقافته ووعيه الإيديولوجي، فالشخصيات بدورها تصطدم بالواقع كموضوع معرفة باعتباره مجالا للعنف الرمزي، ولا نهائية من الممارسات السلطوية، تتحول بذواتها إلى ملتقى الإنسانية المقموعة، لن الذات هي ذات نفسية عبثية تجعل الإنسان كملتقى متعدد، حيث يصبح السؤال مشروعا عندما نبحث في جذرية الإنسان وماهيته وحالته العربية، حقق في الأدراج يلوك أطياف الذكريات ويستشرف نحو آفات مجهول، يحتلب من ليله دون إظهار ذكوريته في الشعار، من هنا أصبح الحلم مستحيلا يجري البحث عنه ليس فقط داخل الذات الحالمة، وإنما في المجتمع الطبقي، لأن الشخصيات أصبحت تجسد هذا العبث الأنطولوجي الذي يهيمن على الإنسان العربي حتى هذه الطاقة تنكمش في وعيه وتعمل على تضليله، وهذا ما نراه من خلال التجسيدات والأقنعة المتنوعة، فأصبح هذا السؤال أكثر ترددا واجتقانا، بعدما عمدت بعض الشخصيات إلى تناول بعض الطروحات، الإنسانية التي نسجت إيقاعات ومبادرات نقدية وذلك من خلال جسد السياق التاريخي المنمط، ومن خلال الأقنعة.
وهكذا عملت الشخصيات إدريس والحمار ... على تفجير اللغة بواسطة حركات وإيقاعات جسدية، مما جعل الفكر خطر في سجل المتخيل العربي، وأن الحلم مستحيل، وباب مسدود أمامهم لا يرون ذواتهم إلا في الليل، وهذا الإقصاء لا يستخدم إلا للتعريض لا للتعريف، ينهش الذوات واحدة واحدة، وتتفاقم الأصول في الوصول، فتسود الفوضى في الغلاف الجغرافي الوحدوي، ويظل الاستمرار هو التبشير بالانهزامية في ضوء رغبات مثالية، لأن الدكتاتورية تصوغها الشخصيات كذيل مستحيل التحقق.
من هذا المنطلق أصبح التغريب إعلانا عن ميلاد "الخضوع والخنوع" أمام هذا الآخر المهيمن، وفي ظل هذه الشروط التي تأتي للتعبير عنها بالأضواء، وبالموسيقى، فيحس الإنسان بالتموجات والقلق للإنسان الذي يخلفه، وبالطاقة التي يتأخر بها، وهذه السبب التقريبي الذي يعتري الحضارة العربية جعلت كونيته وكينونته أصالته، ويكون ظله عنفا يتعلق بالمستحيل، والممكن الآتي.
إن الشخصيات رغم تموجاتها في اللعب الركحي تحاول أن تعرفنا بهذه الأنظمة الأوليكارشية التي لا تدرك نفسها إلا من خلال الثابت الليلي، فيظهر النظام الموسكولوجي عبارة عن ثنائية يهيمن فيه المتحول عن الثابت والوهمي عن الحقيقي، وكلها خاضعة لسروت الكون والفساد كما يقول أرسطو.
فإذا كان التغيير علامة الكون، فإن المجتمعات العربية لم تنتهي من الدلالات المتناقضة، بل بقيت تتعارض بين الطبيعي والعنفي، وهذا التعارض الشمولي على المتخيل، على المخلوقات البشرية باسم حضور الذات في السلطة، وكيفية التحكم في النظام إنها عوائق تحتفظ بقوة رمزية وبداية رسمية لهذا الانعتاق الممكن.
وترسم الموسيقى هذا المناخ بصوت يناجي الممكن لكي تحل الشمس محل الليل، وترسو سفينة الكون في ضفاف العدل، ولكن الشخصيات بإيقاعاتها الجسدية، قطعة، تطرح الأسئلة، وتسخر من كل الرهانات الهدامة، مانحة لحلمنا العربي قوة الافتنان بالذات وولعا بالنشوة وبالشرود الذهني، وهذا البيان هو بيان حقيقي ورمزي تتأسس فيه العلاقة على نمط سيقال عنه إنه تغريب، أو تنبؤ بين الثابت والمتحول وبين المتخلق والمهيمن ... وهذه الثنائية كما قلت أصلت الاغتراب ............... الاعتراف بالآخر كوعي تاريخي، وجماعي.
فالغياب كما يقول ميشيل فوكو هو شكل خارج التاريخ، ينمي فيه الأصل ويدشن فيه روحنة السلطة التي لا يتخذ من الشخص المثالي، وباسم هذه السلطة أمست الأضواء تلاحق وترسم أنوية تمثيلية لتجد هذا الاستبداد وتعمق جراح العربي المرتبط بأهواء الفردانية ويلغي الهامش، إنها صرخة لمدينة جرادة التي تئن تحت نير الطاغوت الثلاثي – التخلف – والبطالة ... ويحل الخنوع واللامبالاة والجمود كعلاقات بين من يحكم، والمحكوم، هكذا استطاعت هذه المسرحية أن تنهض على فكرة التفويض الذاتي الذي يرتبط بالقيادة والحكم، ويسخر التاريخ ليكون نموذجا للوصلة الإشهارية التي تؤسس للجسد المنمط، وإخضاعه للعزل المعنوي المادي كما يقول فوكو.
فالرقابة هي نتيجة حضارية تشكلت تحت تقدم الهيمنة، ووقائعيةالتأدلج، الشيء الذي جعل الموساوي المخرج يعيد الدال الحقيقي كنظام علاماتي ليحاكم اللحظات التاريخية، والجنائية المتبعة حيال الجسد.
فالمخرج جعل الثنائية محصورة من صيغ وأنساق متجاوزة ومنفصلة عن سياق المعرفة، ينبغي البحث عن إهرامات التي تقع تحت الهرم المتكاثر والمشكل القاعدة الاجتماعية، إن جهاز الجسد الممسرح يتقدم كمؤسسات ذات التوجهات الانضباطية وكمعرفة منفصلة بين النموذج الانضباطي، وبين مجتمع الحداثي. وعند هذه النقطة يكاد لا يختلف هذا الطرح الإخراجي عن إظهار جوهر أطروحته حول جاهزية الانضباط الفرداني لتسهيل نشأة المعجزة التكنولوجيا كما يقول ماكس فيبر، وإن كان فوكو يعزيه إلى الأخلاق، كونها تفسر الفضاء – الجبن والحلم والمتخيل والنهار ...
فهذه التيماتتؤسلب إرادة الذات وتجعل الإنسان العربي يبرز ذاته في الليل، كأنها شاعر، ومتصوف، أما في النهار فهو مسلوب الإرادة يعيش في كوخه حاملا مأساته وفي الليل يبرز أناه مثل الخفاش، وهذا النكوص هو عبارة عن دمى وكركوزة تحركها أيادي أخرى، تقزه، وتحركه كخيال الظل، وهذا ما نراه في استحضار الخيال التي هي عبارة أيضا عن هذه القيود، والاعتقال الرمزي، والاقتصادي والتيكنولوجي وهذا ما لاحظه جيل دولوز بأن هذا لشكل التقعيدي الرمزي تكشف عن عدم جبروت الإنسان العربي أمام الإنسان السوبرماني الأري حيث يغدو مؤسسات لصناعة الأصنام والتكناة الجسدية دون الفكرية ولا النقدية، فالعصي بدورها هي رمز البداوة، والتخلف أمام الصناعة الجديدة كالطائرات والرشاشات والتقدم العلمي، فالعرب يتطاحنون بالعصي بدل الوعي الخلاق بالعلم، مما شكل لنا نوعا من القناع لهذا النظام الذي عمل وجهان لعملة واحدة، حيث أنه خاضع للقرارات العليا، وحتى الأيادي التي تطالب الابتعاد والمسافة عنها هي ممزوجة بجواسيس التي ليسوا سوى أقنعة من غيرهم.
فالصيرورة التي تطرأ على المجتمعات العربية هي برهنة نقدية وتجريبية تلغي السائد بلغة عبثية، وتشرع في فض أقنعة الحس المشترك الذي لا يرى أي مشكلة في كون الموجودات في حالة تغير، بمعنى أن الحركة والتطور هو حدث محتوم، حيث يقول الفنان الخمار المريني في هذا المقام:
يا سارق النار النبيلة، تسرقك القصائد تصطفيك تدعي وجها وتغفو، تصطفيك الدقائق للهوى والجنون تسير في اتجاه البحر، تدور – وتدور – وتدور أصفك بين الرضا والتجني، بين يقيني وطني بين الانتظار والتمني.
أسافر نحو الشمال، نحو الغيوم، أسافر نحو الغروب، شمس الجنوب تسافر نحو السواد.
هي الآن تمسح وجه المدينة بالحزن قالت لها ساعة البيت، صومي إذا اتسخ الخبز، لا تأكلي من طعام اللئام إذا دق عبد على الدف لا ترقصي، أجذبي حول وجهك طرف اللثام، أتى زمن البيع زمن اللئام.
وانطلاقا من هذه الأبيات الشوية نحس بشجور إيقاع خفي يدفعنا إلى الخلق المضاعف، مستقل عن العالم، المحسوس، ويقربنا من عالم يعيد لهذه المسرحية شعرية درامية تنضاف إلى الشعريات العالمية، فالحياة العربية وخاصة الفلسطينية، واليمنية والعراقية والسورية عملت على قتل الأب دون الانتماء، وتجاوز قواعد النظام للولوج إلى عالم الحماسة لنقد التاريخ المؤسس والمؤدلج كما يقول جان فرانسوا ليوتار في كتابه الحماسة "النقد الكانطي للتاريخ ص 21 فهذه الحقيقة تتكلم لتولد لنا الحرية القادرة على إبداع إنسان يعيد ذاكرته، إذن فحقيقة الذاكرة المجروحة هي غزو لكل الصفات العربية الغير العاقل بالمفهوم الاستعاري، فالإنسان العربي يقع دوما خارج ذاته، لأن حصته الإبداعية لا تعتمد إلا على الذاكرة المفقودة، ويرى فوكو ياما أن التاريخ ليس إلا وهم وهذا الوهم هو الدولة الديمقراطية التي تعتبر نهاية التاريخ، منشدا إلى تفسير هيجل الروح الموضوعي وتحولاته التي تنتهي بالدولة الدستورية فهذه الطروحات جعلت الفعل الدرامي هدفا أساسيا للمعرفة من حيث هو تبرير للدولة السياسية وكذا للفكر التبرير، فالشخصيات الأخضر، والخمار المريني، وادريس تجعل الخطاب السلطاني غير حاضرة في خطاب ماكيفلي، لأن الجانب المفكر فيه هو جانب ضروري تاريخي، كاشفا عن الأسباب الضرورية للوجود العربي أمام التاريخ الدولي، من هنا نطرح السؤال التالي: ما مدى تطابق السلطة مع واقع الحال العربي أي مع التاريخ؟
ينطوي البعد الموضوعي عند الموساوي الذي هو رؤية من ضمن الرؤى التي جعلته ينقل لنا وطنه الصغير لكي يوصلنا إلى أوطان أو جماعات من أجل إقامة علاقات مع الأكوان الأخرى على أسس ديمقراطية، فالفاعلية الانجذابية أمنت الفاعلية الفردانية على المستوى الخيالي دون وعي تجريبي وبالتالي تعين الشخصيات بأشكال تاريخية هو في الآن ذاته تعين للحرية، والديمقراطية، والوجود والمعرفة، والقيم.
إن العنوان في جوهره ما هو إلا إرهاصا فكري وجمالي يحدد أبعاد مفاهيمية واتجاهات فردانية تخضع للرؤية النقدية، إلا أن الشخصيات (الخمار – ادريس الخضر) وبوزكو– 1 و2 الأب / والبنت أقامت لنا قيما إنسانية راقية لا تكتفي بالخضوع لمركزية المخرج، بل تتحول، وتتبدل لتخلق مسافة بينها وبين الأجساد المضاعفة كإيقاعات قادمة من أصوات اللغة، لتتفوق على منطق الترويج، ولتخلق تصدعا لكل نزعة إنسانية كما يقول ميشل فوكو.
وجماع القول فالقراءة وفق هذه المعطيات هي إعادة محاكمة لهذا الإنسان العربي الذي يملأ الكون بالقواعات، وبالاكتشافات الماضية دون ربطه بالحاضر، بحيث يمنحنا قدرة إبداعية، وتعبيرا عن تجليات الحياة البعيدة. فعملية البوح هو التعبير الممكن في موقف الإنسان من العالم، والحياة، والوجود ويقول محمد صابر عبيد في كتابه "اللغة الثانية" كانت الحاجة إلى التمرد ملحة للغاية من أجل اكتشاف أساليب وطرق تعبير جديدة تناسب الذي حدة في العالم الخارجي في أنماط وأشكال الكتابة أو الموقف العام من الإنسان ومتكاملة – ص 137، وقد شارك في هذا  التمسرح الجواني الذي يربط بين الفكر والواقع مجموعة من الأعضاء (كالموساوي، وادريس، والخمار المريني، وبوشنفة، والحاكمي، وعزيز بوزكو وابنته هاجر بوزكو، وعيادة الموساوي وميلود جداوة).
إنجاز الدكتور الغزيوي بوعلي
مختبر اللغة والفكر