غزة والانفراجة المتدحرجة في الميزان بقلم: علاء الريماوي
تاريخ النشر : 2018-11-08
غزة والانفراجة المتدحرجة في الميزان
كتب: علاء  الريماوي

لا يستطيع المراقب لإدارة الأزمة في قطاع غزة، إلا الاعتراف، بأن حماس صنعت من الأوراق القليلة قوة مكنتها من المراكمة لتحقيق انجازات مرحلية في عدة اتجاهات.

أما الأوراق فكانت عبارة عن جملة أفعال وعوامل على الأرض أهمها:

أولا: مسيرات العودة، التي وقف الاحتلال أمامها عاجزا، خاصة بعد استخدام بعض الوسائل التي أثرت على أمن المستوطنين ومكنة الجيش، كالبالونات والزحف الى الحدود بالاضافة إلى الاخلال في قواعد الاشتباك التي فرضت في السنوات الماضية في المناطق الحدودية.

ثانيا: تقديم المقاومة بصورة الجيش الشعبي وفق هيكل وطني فيه حماس والجهاد كعمود فقري، وبرضى وشراكة فصائلية بنسخة غزة، مما جعل الاحتلال يدرك بان الإيغال في الدم، ينذر بحرب واسعة.

ثالثا: استخدام السلاح في أكثر من واقعة، مما جعل الاقليم والاحتلال والادارة الامريكية يدركون بان الانفجار قادم وحود المواجهة قابلة للاتساع.

رابعاً: مصر واللاعبون فيها وجدوا بأن الانفجار في غزة خطرا على الأمن الداخلي خاصة في سيناء الأمر الذي دفع باتجاه حرص الأخيرة على تسكين الحالة الأمنية على المدى القريب، وإن كان على عكس المخطط الكبير في المنطقة.

خامساً: أدركت حماس متغيرات السياسة وفهمت رؤية الولايات المتحدة وانشغالاتها في ملفات إيران والخليج وسوريا، مما ساعد في تحسين ظروف التحرك وضبط ايقاع التصعيد العام في الأرض الفلسطينية.

السعي للتهدئة في ملف غزة جاء مرتبطا أيضا بالرؤية الاسرائيلية التي اعتبرت غزة معضلة الأمن الحقيقي والباعث للتفجيرفي أي لحظة، مما دفعها للتغيير في شكل التعاطي مع غزة، والتنازل مؤقتا عن فكرة التغيير في البيئة السياسية بعد فشل النظرية التي حملت من بعد أركان الحكومة الصهيونية ولو مؤقتا.

النقاش المجتمعي الأهم لديه هو حقيقة ما أنجز أو ما ينتظر تحقيقه خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل الضبابية التي تكتنف الحديث عن تفاهمات بين المقاومة والإحتلال والتي يمكن تلخيصها بالاتي:

أولا: تأصيل الاعتراف بغزة كلاعب محوري في المنطقة وشرعي يعقد اتفاقات التهدئة بعد التصعيد واستخدام القوة الفيزيائية، باشراف دولي.

ثانيا: كسر الخطوط الحمر في التعامل مع غزة في الجانب المالي، وتمكين البنى السياسية من فتح علاقات يمكنها النمو في حال تطور الاتفاق للمرحلة الثانية والثالثة.

ثالثا: التأكيد على جدوى المنهجية المعتمدة في غزة ، و القائمة على تحقيق المطالب من خلال القوة على حساب التفاوضالقائم في الضفة الغربية.

رابعا: غزة الآن تعتبر الانجاز إنجازها وما حقق بصيغته اليوم هو خلاف لما تريده السلطة ، الأمر الذي سيضاعف قوة دخلية لمحور على حساب محور.

خامسا: في حال ثبات التفاهمات، لا يمكن لفتح القدوم إلى غزة الا عبر بوابة الشراكة رأسا برأس الأمر الذي يصعب على فتح قبوله.

القواعد التي أشرنا اليها نسبية ، تعظم في حال التزم الاحتلال، وقدرة المقاومة الحفاظ على أوراقها.

لكن في السياق ذاته لا بد من الاشارة إلى أن دولا في الاقليم والسلطة تسعى لتعطيل خروج التفاهمات حيز التنفيذ، لأسباب مختلفة أهمها الصراع القائم في الشرق بين المحاور، والقوى في المنطقة.

في خلاصة الفهم الاستراتيجي لما يجري سياسيا في غزة، لابد من التأكيد على أن سعي الاحتلال ومصر يقوم على مبدأ وضع غزة في حضن المقاومة، لاثقالها عبر الملف الانساني من ماء وكهرباء، ومأكل الناس ومعاشهم، مما سيجعل برأيهم المقاومة مثقلة بهذا الحمل الذي سيضطرها للقبول بتهدئة طويلة بالبعد الزمني.

في المقابل ترى المقاومة بأن ما تم في مسيرات العودة حرب حقيقية، مستمرة، يجب استغلال نتائجها في تحسين الظروف في بيئة غزة ، التي خاضت في السنوات العشر حروبا ومواجهات مفتوحة،تحتاج معها تهدئة تمكنها من الصمود والبناء في المشروع الكبير.

ما لدي من معلومات حول الخطوات العملية وإطار التفاهمات، فإنها تقوم على عدة مراحل، بدأت بضبط ايقاع وسائل التظاهر، قابلها دخول المال(المنحة القطرية)، تحسين الكهرباء، سيتلوها التنمية من خلال مشاريع ضخمة عبر الأمم المتحدة، وصولا الى تبادل للأسرى ووضع اطار لشكل انفتاح غزة خارج القبضة الصهيونية.

تنفيذ الاطار ليس سهلا، ومعيقاته كما أشرنا كبيره، لكن بعضا منه، سيتحقق، خاصة مع قرب الانتخابات الداخلية الاسرائيلية.

الخلاصة غزة لعبت في التكتيك على بوابة الاستراتيجا ، اليوم يخاطبها العالم ككيان يفرض حاجاته على الطاولة العالمية، لكن للأسف الواقع الفلسطيني من اقسام وتشظي سيجعل كل انجاز تحت سقف منخفض مهما عظمت النتائج.