انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي .. تسونامي الذي لم يحدث بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو
تاريخ النشر : 2018-11-08
انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي .. تسونامي الذي لم يحدث بقلم: المحامي د. إيهاب عمرو


انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي .. تسونامي الذي لم يحدث
تابعت بشغف كعادتي على الهواء مباشرة عبر بعض وسائل الإعلام الأميركية نتائج إنتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب والشيوخ)، وتابعت قبل ذلك توقعات حول النتائج من قبل المحللين السياسيين وبعض السياسيين أنفسهم، وأكثر ما استوقفني هو ما صرحت به زعيمة الحزب الديمقراطي في مجلس النواب "نانسي بيلوسي" التي توقعت، من ضمن أشياء أخرى، حدوث تسونامي في هذه الإنتخابات المفصلية التي كان متوقعاً أن تغير الخريطة السياسية في الولايات المتحدة، والأولويات حول العالم، كون تلك الإنتخابات عدت استفتاءً على حكم الرئيس الأميركي ترمب.              
ومع بدء ظهور النتائج بعد منتصف ليلة الأربعاء حسب توقيت أوروبا والشرق الأوسط، ظهرت بوادر تفوق الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، وهو الذي احتاج إلى 23 مقعداً إضافياً لضمان استعادة الأغلبية، وهو ما حدث فعلاً، ومن المتوقع أن تزداد مساحة سيطرة الديمقراطيين في مجلس النواب كون أن نتائج بعض الولايات لم تظهر بعد والأصوات يتم عدها في تلك الولايات أثناء كتابة هذا المقال. وأياً كان الأمر، فإن الديمقراطيين ضمنوا الأغلبية في مجلس النواب بواقع 222 مقعداً.                               
ويختلف الأمر في مجلس الشيوخ، حيث حافظ الجمهوريين على مقاعدهم وعززوا من قوتهم، رغم أن الديمقراطيين احتاجوا للفوز بمقعدين إضافيين فقط. ويرجح البعض ذلك إلى ما قام به الرئيس الأميركي ترمب نفسه في هذا الصدد والجولايات المكوكية التي قام بها أثناء خلال الفترة التي سبقت يوم الإنتخابات وهو ما آتى أكله من خلال محافظة الجمهوريين على مقاعدهم لا بل وزيادتها في مجلس الشيوخ.      
ومن خلال تحليل منطقي لنتائج تلك الإنتخابات، يمكن القول أنها لم تكن مفاجئة بشكل عام، فسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب كان أمراً متوقعاً إلى حد ما، ومحافظة الجمهوريين على مقاعدهم في مجلس الشيوخ كان أمراً متوقعاً وسعى له الجمهوريين بقوة أثناء الحملات الإنتخابية.                           
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي حد يستطيع الديمقراطيين في مجلس النواب متابعة أو عرقلة مواضيع ذات علاقة بالتشريعات التي ينوي الرئيس ترمب طرحها كالتشريع الخاص بالضرائب وتلك التي ينوي المضي قدماً في إلغاءها كالتشريع المثير للجدل حول الرعاية الصحية الذي أصدره الكونغرس في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أو المتعلقة بتعيين قضاة المحكمة العليا، أو تلك الخاصة بالتحقيقات ضد الرئيس ترمب سواء المتعلقة بالتدخل الروسي المحتمل في إنتخابات الرئاسة الأميركية، أو في أية مسائل أخرى تخص ترمب نفسه وسلوكياته المهنية والشخصية التي كان من الممكن أن تمهد لعزله لولا سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ما يمنع أية إمكانية مستقبلية بهذا الخصوص. ناهيك عن موضوع الهجرة الذي يتخذ ترمب منه موقفاً متشدداً.                                                                 
وللإجابة عن التساؤل بخصوص التشريعات، يمكن القول يقيناً أن آلية إصدار التشريعات حددها الدستور الأميركي الذي ينص على أن التشريعات يتم إصدارها بعد موافقة الكونغرس بمجلسيه عليها، ما يشمل تلك المتعلقة بتحصيل الدخل، على أن يتم رفعها بعد ذلك إلى الرئيس الأميركي للتوقيع عليها مع حقه في إعادة التشريع  ذات العلاقة مقروناً بإعتراضاته إلى المجلس الذي طرح التشريع فيه. وكل هذا يتم وفقاً لمبدأ "الضوابط والتوازنات" الدستوري الذي يحكم عمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل الولايات المتحدة الأميركية.        
 لذلك، فإن مهمة كل من الديمقراطيين والجمهوريين لن تكون سهلة في مواجهة بعضهما البعض داخل ساحات الكونغرس خلال المدة المتبقية من حكم الرئيس ترمب، ما يمهد لتسويات داخل المجلس من أجل تجاوز المواضيع الداخلية الخلافية.    
وختاماً، يمكن الإشارة إلى أن أهم الدروس المستفادة من تلك الإنتخابات أن أكثر ما يهم المواطن/ة الأميركي/ة هو المواضيع الداخلية كالإقتصاد والرعاية الصحية وليست مواضيع السياسة الخارجية. وثمة درس آخر يتعلق بتمثيل النساء لأول مرة في التاريخ بمئة عضو في مجلس النواب، إضافة إلى حصول سيدة من أصول إفريقية على عضوية مجلس الشيوخ عن الحزب الديقراطي لأول مرة في التاريخ. والأكثر أهمية هو حالة الإستقطاب والإنقسام داخل المجتمع الأميركي التي عكستها نتائج تلك الإنتخابات وانتهت بإعلان كلا المعسكرين الانتخابيين المتناحرين فوزهما في الانتخابات.