الخريف يغفو بقلم:محمود حسونة
تاريخ النشر : 2018-11-08
الخريف يغفو بقلم:محمود حسونة


1- بلل!!!
تثاءب الخريف ثم غفا على غيمة عابرة، وضاق المكان الفسيح وساد الصمت!!!
قالت لي: ألا تسمع صوت الريح يخطو نحونا متوترا؟؟!! هيا ننتظر زخة المطر عند ذلك المساء الهادئ؛ لعلها تأتي بالبشارة والفرح...
فنبحر معها كالسمك ونمضي ذاهبين مع حرية الريح!!! نطارد الغمام ونلتقط الصور، آلاف الصور!!!
فأنا أعشق البلل والمطر!!!
2- زفة في السماء!!!
تزغرد الأم!!! وترقص رقصات الفجيعة والحصاد؛ فيبرق شّالها بالصبح والورد والأُغنيات!!!
تمدّ الأم ذراعيها بين سواحل الشام!!! وترفع الدعوات لخالقها بعد الصلوات...
تبغم الأم وتجمع أبناءها، تحت أدمعها كي يذكروا أنهم وحدهم!!!
يصرخون وينادون!!! والصوت يملأ الكون!!! لم يبلغ قلب القضاةالظالمين!!!
إنه وقت الانحناء في مهجع الحريم و القيان!!! فلا يرون زفة السماء من فوقهم !!!
3- لا وعد ولا موعد!!!
التقيا بلا موعد!!! لم ينتظرها وهي كذلك!!! لم يعاتبها لم يغازلها!!! ما زال لا يؤمن بحضورها!!!
لقد كان دائما ينتظرها بلهفة فلا تأتي!!! يوعدها بباقة ورد، بزجاجة عطر باذخة، برسالة خطها بأصابعه المرتجفة ونبض قلبه…
هي الأن تجلس أمامه!!! يراها طيفا في قصة خيالية!!!
يقرأها بتأنٍ كأسطورة قديمة، تتراءى في كل ورقة يقرأها!!!
حين نظر لوجهها المشرع أمامه كانت الضجة: زجاج يتكسر، أبواب تصفق، مبان تتساقط، ورصاص يئز بصخب!!!
تركها ومضى مسرعا مرتبكا بلا موعد وبلا وعد!!!
4- سر ...
للزمن أسنانه الماكرة!!! ولكنه لم ينتقص شيئا من سحرها الغامض الأبدي!!! لم يستطع أن يسقط التناغم العجيب لمشيتها ورشاقتها!!! ولم يغيرعذوبة وجهها الطفلي!!! ولم ينزع شيئا من توهجها الغزير الذي ينبعث كالعطور المجنونة، إنها تذكرك بالقمرالوادع العتيق المعلق في عمق ليلة عاصفة، و الذي يرغمك على الرقص فوق عشب مبلل يرتجف!!! ويمنحك أن تحلم بمعجزة!!!
5- انتظار الصباح...
خرج الأطفال الليلة في الأزقة الرطبة الحزينة...
كان الطقس باردا فقيرا، والظلام مساحة بعيدة يتزنّر بالتعاويذ و بالسلاح!!!
أشعلوا نارا كبيرة واعتصموا خلفها يرقبون وهجها المتلألئ، وفراشاتها الحمراء تتطاير في الأعالي، كنجمة لا تطال بلون كالجراح!!!
تشرئب أعناقهم نحوها وهي تغزو الأفق البعيد… تنتظر زمنا آخر غير هذا الرديء المستباح!!!
اتسعت مساحة النار فصارت الريح تجرفها نحو البراح … صار الظلام ينبح ويستغيث لقد اقتحمت النار مفارز الرماح!!!
اقترب الفجر قريبا، فأنصت الزمان كله لصوت التسابيح…
وجناح الأطفال واسع يخطئه السلاح!!!
جرجر أذياله وخطواته وانداح، والنار فوقه تحتدم جهنم!!!
القرار يختبئ تحت جناح الأطفال إنه ينتظر الصباح أو فالرياح!!!
6- من يدلني على قمري؟؟!!
هاجع في فراشي... السماء ترسل رذاذا على مهل، أحاول النوم فأفشل!!!
وقفت لصق النافذة أراقب المشهد الشتوي: مطر وبرق ورعد وقمر وسهد... قمري يجيء ويروح...
أشفقت على قمري من البرد والريح، ناديته... لم يستجب لي!!! غرت عليه من غيمات الشتاء وهي تداعبه...
قمري يزداد ألقا، تعال و تدفأ تحت معطفي، تعال لنمشي سويا على أرصفة المدينة تحت رذاذ المطر، لا تخش أحدا...
قلبي يئن تحت وطأة غيمات الشتاء، كفي أيها الغيمات وابتعدي عن قمري...
تسللت عبر مسارب الريح والغيمات و انتزعت قمري وهربت به!!! دخلت غرفتي وأغلقت بابها بإحكام، علقت قمري أمامي على الجدار، وسبحت في بحر عينيه، وغصت في نوم لذيذ وعميق...
في منامي شاهدت القمر ليس كعادته!!! كان عابس الوجه!!! حاولت أن أستفسره، فلم يجبني!!!
استيقظت من نومي منهك القلب، نظرت إلى الجدار فلم أجده!!! فتشت عنه في معطفي، فلم أعثر عليه!!! سألت عنه قلبي وجيراني وكل من يعرفه دون جدوى!!!
من يومها أضناني الهجر يا قمري، من يرى قمري، فليدلني عليه.
7- بلسم ...
يفر النهار كعادته!!! ويأتي المساء الناعس ويلون الأفكار بلون الشفق الرقيق!!! تغمر السكينة أرواحنا المتعبة من الكد ومن الزمن...
تتأمل رحابة وعمق السماء!!! سكينة وصمت ونقاء ونجوم بعيدة كأحلامنا، يتسلل إليك ضوء القمر الفسفوري، إنه شراب مضيء عبر الغمام الشفيف، يبللك برقة؛ فتسمع أزيز عظيم من حشد الآلام و الصرخات و التنهيدات المتنافرة كعاصفة تنسل من جسدك!!! يحولها الفضاء الرحب لنغم صاخب كالهزيم!!!
8- عجز...
يجتاحك شعور بالعجز و السخط و أنت تراقب من تحب وهو يتألم...
قد تبكي معه، وقد تكفكف دمعه، وتمسح بكفك على رأسه ووجنتيه...
ولكن للأسف لا تقدر على ترميم قلبه الذي هشمه الألم بقسوة
ولا أن تمنحه نوما عميقا...
9- أفسحوا الطريق...
تبهت ألوان حلمك، ويخفت بريق عينيك… يقلُّ الفرح إلى حده الأدنى!!!
هناك ما يغتال أنفاسك، ويمزق خطواتك في الطريق الممتد بين حلمك والأفق المدجج بالظلم وغياب العدالة!!!
هل أنت من فشلت في تلوين أيامك؟؟!!
هل أنت من عجزت عن نسج ثوب حياتك بأزهى الألوان؟؟!!
إنهم ينشدون بترف وقح مراثي ألمك بأحلى الكلمات والقصائد؟؟!!
وكأن هذا الركام من حروفهم وكلماتهم سيسد رمقك!!!
أو أن إشفاقهم يغنيك عن حلمك الذي يترقرق في عينيك الذابلتين…
لست بحاجة لكلماتهم الجوفاء، ولا لإشفاقهم المبتذل...
كلمات وحروف لن تفلح في إنعاش روحك العارية...
مازال الحلم يلتمع في عينيك رغم البؤس…
أفسحوا الطريق ليكتمل حلمي… لست بحاجة لشفقتكم، أفسحوا الطريق لأحتضن حلمي...
(أعترف بأني تعبت من طول الحلم الذي يعيدني إلى أوّله وإلى آخري، دون أن نلتقى في أيّ صباح… سأصنع أحلامي من كفاف يومي لأتجنّب الخيبة) درويش.
10- فراق...
نظرت إليه... كانت تقف أمامه مباشرة…
ترقرق الدمع في عينيهما وانحدر كحبات مطر غزيرة على زجاج…
حدث ذات مساء جميل أن تهشم الكون كقارورة فخار على صخرة… هكذا شعر الاثنان!!!
نظر في عينيها… وأقسم أنه رأى قلبه فيهما يئن ويهتز بين كفين أو كفن!!!
وضعوه في مركب يسافر، والثقب في المركب يتسع ويتسع...
إلهي، إلهي لماذا يحدث هذا؟؟!!
مرت حزينة لحظات هذا المساء…
مدت كفها، كف الوداع، وكفه امتدت بذهول كأنها استلت من الأحشاء!!!
تلامست الكفين وارتجفت، تشابكت الأصابع والأنفاس والعينان...
امتلأ المساء بالآهات!!!
كل ما يتذكره أنها سلت كفها، فنظر في كفه فرأى أثر العناق
لقد غادرت وتركته في لهيب الاحتراق!!!
حدث ذات مساء جميل أن تهشم الكون كقارورة فخار على صخرة… هكذا كان الفراق!!!
بقلم:محمود حسونة(أبو فيصل)