الصورة الفوتوغرافية والرؤى التشكيلية تأثير مفاهيمها في اللوحة من عنصر الحداثة إلى اكتمال ما بعد الحداثة
تاريخ النشر : 2018-11-06
الصورة الفوتوغرافية والرؤى التشكيلية تأثير مفاهيمها في اللوحة من عنصر الحداثة إلى اكتمال ما بعد الحداثة


بشرى بن فاطمة
 

الصورة الفوتوغرافية والرؤى التشكيلية
تأثير مفاهيمها في اللوحة من عنصر الحداثة إلى اكتمال ما بعد الحداثة

تفرض التطورات الفنية مواكبة ضرورات الحداثة التشكيلية باختلاف رؤاها البحثية والجمالية التي تطرح تعدّد الأساليب وابتكار المفاهيم وتوظيف العناصر والخامات لخدمة المنجز والانطلاق به لترسيخ الوظيفة التعبيرية وتأثيرها في المتلقي حسا جمالا وذوقا.
والمرحلة الحديثة والمعاصرة مكّنت من تطوير فرص التجريب وتداخل الخامات وعناصرها في الوظيفة الجمالية وتدعيمها بقابلية طرح المفهوم والمفاهيمية لتصبح أسلوب عرض فني كما هو التوافق التمثيلي والتعبيري في العلاقة التي تخلقها الصورة الفتوغرافية وتداخلها مع الرؤية التشكيلية التي حوّلتها من عنصر إلى لوحة في حد ذاتها مكتملة الحضور الماورائي لفكرة طرحها فنيا.
 
*سمر غطاس


 فمنذ ظهور الصورة الفوتوغرافية تعوّد المتلقي على البحث في تفاصيلها والتقاطها بحواسه، سواء تلك الغارقة في الماضي أو الحديثة المواكبة للحدث والمشاهد والطبيعة والإنسان وهو ما ساعد على تحولها من تثبيت وترسيخ الحدث والوقائع إلى التعبير الفني بها باكتمال قيمها تعدّد الأسلوب وتكاثف المعنى والتلقي والتذوق وأصبحت الأساليب التشكيلية بدورها خاضعة لمنطق الفوتوغرافيا وأثرها وتأثيرها فمن التجريد إلى الدمج والتركيب والسريالية والواقعية المفرطة والكولاج تماهى الجانب الإبداعي واختلف بما يليق ومجاز المعنى والفهم والأسلوب.
 
*نديم كوفي


وتعدّدت التجارب التي خاضت في التعبير بالصورة أو التعبير من خلالها فحمل كل وجهته ومساره التشكيلي لتحويلها إلى لغة فنية مستقلة بمفاهيمها وقيم عناصرها الجمالية في اللوحة سواء كاملة الحضور أو خامة ثابتة في الفكرة المتحوّلة بالرؤى.
 
*أشرف فواخري


فللتصوير الفوتوغرافي قيمته الفنية التي بدورها تكون مستمدة من الحقيقة وواقعية اللقطة فهو يجمع بين الفن والتكامل الجمالي البصري والتقني بتطوراته المرحلية إذ يرتقي لمبدأ علمي ومبدأ فني تشكيلي أسلوبي وتقني.
 
*جورج سامرجيان


إن التصوير في فنياته الواضحة يعتمد الشكل والتكوين في توليفة الخصائص والمساحة والعناصر لون وضوء وظلال ومكملات التنسيق بينها خلق التوازن بما يصل التوافقات بالمفهوم ليحقق البعد الماورائي للصورة ويمنح تفسيراتها دلالات رمزية ذات تعبير وجودي جمالي عن الواقع بتأثيراته المادية والمعنوية وسردياته البصرية المعتمدة على الحس والحساسية.
فالمصور ليس محترفا فحسب بل ينفعل مع كل الأحداث ويخترق من خلالها حواجز الصورة السطحية نحو عمقها الناضج جماليا، والمصور يتحمل مسؤولية توجيه الفكرة والرؤية في مفهوم الصورة، وهو ما يبدو في صور الفوتوغرافيين الصحفيين من قلب الأحداث وتفاصيلها التي تعالج بصريا بقراءة قد تبدو لمتلقيها العادي مجرد وصف لحدث ولكنها في بعدها الفني والماورائي لقطة فنية معاصرة بقيمها الأكثر اقتناصا لمواقيت الصدفة الجمالية والابعاد التشكيلية الجذابة والتي تثري الحركة والمضمون المرئي والمخزون القيمي للبعد الفني في قراءاته نذكر تجربة المصورين الصحفيين جورج سامرجيان ومحمود الزيات وبلال قبلان.
تفرض التجربة الفتوغرافية التوغل في العمق التشكيلي من خلال الدمج الأسلوبي مع فكرة الابتكار بوصفها لا تنفصل عن عناصر التعبير في البحث الفني المواكب لعوالم الصورة العميقة وتأثيراتها لأن الصورة الفوتوغرافية مستمدة من مشاهد حقيقية وحتى يبتعد بنا المصور من الحقيقة إلى الفن فإنه يحتاج إلى التمرس الخيالي في مساراته الإبداعية الخلاقة ما يفرض عليه أن يكون حاملا لفكرة جمالية بداخله تركز على العنصر القيمي الذي يبقى رغم مرور مراحل الإنجاز.
هذا إذا كان التوظيف التصويري يكتفي في حد ذاته بالصورة أما إذا ما كان يتعداه نحو الصناعة الفنية من خلال المفاهيم ودمجها مع الفكرة التي تتوغل في المحتوى بتناغمها داخل اللوحة نفسها لتتحمل قماشها وخاماتها وألوانها وعناصرها المكملة وهو ما يتفاعل في تقديمه عدة تشكيليين وفوتوغرافيين من خلال تقنيات رقمية تتصرف في الصورة أو خامات طبيعية توظفها لتقاسم اللوحة والإنجاز التشكيلي عمله التعبيري.
 
*نويل جبور


 يحاول بعض التشكيليين اعتماد الصورة سردا لموقف أو لحكاية بفنيات مختلفة كل حسب رمزيات القصة كسرد بصري مثل التجربة الفلسطينية مع نويل جبور التي تحكي قصص الوطن من الماضي في ذاكرة حقيقية للواقع كحق بدا في صور تثبّت عناصرها أمام بيوتهم بملامح صامدة وجدران باقية رغم كل عتاقة الزمن.
وفي تجربة سمر غطاس التي تحملت موقفا آخر أكثر قربا من الإنسان بفردانية حواسه وتأقلمه في بيئته بتوظيف العناصر في الصورة من أجل السرد البصري للقصص الشخصية ومداها المفرط في واقعيته سواء بفردانيتها أو بانفعال الذات أو بواقع الاحتلال،
أما رولا حلواني فرغم اختلاف الرؤية البصرية في التعاطي مع الصورة جرّدتها لتقتلعها من كلاسيكية واجهتها الواضحة الواقعية والملونة بتجريد تقني في تلاعبها بالنيجاتيف وانتشال الواقع من رماده كأنه يمرّغه في العتمة ويحاول تفاديه. 
 
*رولا حلواني


 وفي التجربة المعاصرة نذكر تجربة السورية علا عباس التي تبالغ في ترويض المعاني البصرية ورمزياته بالتركيب الحديث مع الميديا في تشابكها مع الاداء لخلق خياليات تتجاوز فكرة التصوير السطحية لتلامس فكرة العمق المعاصر في الأداء الفني للصورة وهي بذلك الأداء توظّف الصورة الفتوغرافية في خدمة مواقف وآراء باحثة عن أمل وخيال فني.
 
*علا عباس


وفي توظيف العراقي نديم كوفي نلاحظ فكرة فنية مفاهيمية التبعات التشكيلية التي تبدأ من الاسترجاع في الحضور والغياب بين صورة الحاضر وملامح مفقودة من الماضي تلاشت لكنها لا تغادر الذاكرة والاسترجاع والحنين.
 
*خالد ترقلي أبو الهول


أما تجربة خالد ترقلي أبو الهول فتتميز بعمق التماهي بين الفوتوغرافيا المدمجة مع الفكرة التشكيلية الموظفة كعناصر متداخلة بين الرمز والخط الشخوص والفكرة التي يوظفها في مفهومها وقضيتها، موقفا من واقع المرأة الشرقية.
إن الاختلاف في الأساليب التي توظف الصورة الفتوغرافية تشكيليا لا تعني بالضرورة قطعة جاهزة العناصر الزمانية والمكانية واللقطة بل تخضع للتجريب وللأسئلة الفنية التي تحوّل تلك الصورة إلى لوحات معاصرة في تكويناتها وبالتالي الأساليب التشكيلية طوّرت الصورة وانتقلت بها من أطرها المألوفة إلى الفنون والتلقي المختلف في قراءاته للفكرة أبعد من حدود الواقع المصوَّر.

   
*الأعمال المرفقة
مجموعة متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections