الفنان التشكيلي اللبناني حسين حسين حكايات بصرية تراوغ واقع العتم
تاريخ النشر : 2018-10-25
الفنان التشكيلي اللبناني حسين حسين حكايات بصرية تراوغ واقع العتم


بشرى بن فاطمة

الفنان التشكيلي اللبناني حسين حسين 
حكايات بصرية تراوغ واقع العتمة وأسلوب يدمج المفهوم مع الإحساس بحثا عن الأمل

حكايات الأرض وذاكرة الإحساس وعمق التفكير وتوغل المفهوم في تفاصيل تتوافق مع التطوير الذاتي للون هي تفاعلات وصدامات وصراع داخلي وجودي خاضه وحدّد خطوطه الزمنية واختار مساراته المتشعبة بكثافة تعبيرية صاخبة في رحم صمت يزفر تعبا،  الفنان التشكيلي اللبناني "حسين حسين" في تجربته حيث قاده الشعور إلى الطبيعة من أجل نبش المفاهيم الغامضة للوجود، وحمله الشغف الإنساني إلى تطويق الصور في الذاكرة من مشاهد مألوفة التصور والخيال إلى مشاهد مملوءة بالمرارة بالصراع الداخلي الخاص والعام في محيطه المشبع بالتناحر، واقع  آخر ينحرف من رومنسية التصوير إلى احتمالات أخرى في المشاهدة.
 
وهنا يتداخل المفهوم الكلاسيكي لفكرة التعبير مع المفهوم الحديث المبتكر لونيا فكأننا أمام جدليات "فان جوغ" وهو يطوّع الطبيعة مرة بانفعال متوتر ومرة غارقا في أزرقه المنفعل الغامض خدمة لمشاعره المبعثرة الباحثة عن منفذ أمل في غوغاء التصورات النفسية والتجاذبات الواقعية التي جمعت طبيعة الأزرق في أفق السماء وعمق المحيط.
 
حسين حسين فنان تشكيلي وباحث في مجال الفنون ساعدته دراساته الاكاديمية على الغوص في هذا المجال ليقدم رؤاه الحداثية والمميزة في المجال رسما وتشكيلا ونقدا من مواليد لبنان سنة 1970 سافر في سن مبكرة مع عائلته إلى السينغال ليعود في سنة 1984 متنقلا بين لبنان وروسيا لإكمال دراسته في مجال التقنيات الإلكترونية وبعودته سنة 2003 قرر دراسة الفنون فتحصل على ديبلوم الفنون بدرجة امتياز وحصل على منحة دراسة فنون بفرنسا لكن الظروف حالت دون تحقق ذلك فاستكمل دراسته العليا في الجامعة اللبنانية ومنها حصل على الدكتوراه ببحثه الذي أثار ونبش المرحلة المنسية في تاريخ الفن التشكيلي الحديث مرحلة المتفككين عن بحث بعنوان "المتفككون-les incohérents" . 
 
 يبدو حسين في سرده البصري متمكنا من مشاعره من خلال ألوانها التي تتسرب له في فكرة بتدرجات حارة وباردة في سيطرة ذلك الأزرق المتمكن من اللوحة هيمنة تحيل على الإرهاق والقلق فهو يقتلع مشاعره من عتمتها الداكنة ومن ظلالها المتحكمة في نورها الذي يحاول أن يكون دفيقا لينتاب الحالة الضبابية في محاولات البحث عن الذات وعن السكينة.
 
إن العلامات الرمزية التي ابتكرها حسين في المفهوم المقدم في أعماله وتجربته لم تكن من فراغ لقد كانت نتاج مرحلة صعبة وهواجس مرض وصل به إلى إعادة نبش فكرة الحياة والوجود إلى تفتيت فكرة الأرض والبقاء وتعميم الرمز على الواقع فقد حملته إلى توقيع الحقيقة "المرض" إلى فن وتطويعها رمزيا وتعبيريا كلغة تلامس الحياة بصريا يسردها يصور تعاريجها وثناياها في مسار يبدأ منه إلى اللوحة والمتلقي ثم الواقع من خلال عناصرها شخوصها العابرة إلى التراب والفناء والجسد القابع في هواجس الوجود وفوضى المكان خربشات خطية وعناصر تستفز اللغة التشكيلية في بؤر باردة أشبه بغرف الموت ترهق بانفعالاتها المتلقي وتشعره في درجاته الواقعة على حواف الانكسار أو التماسك كخيارات مطروحة للاستمرار الأبدي.
 
يروض حسين اللون الأزرق ويثيره لخدمة المعنى النابع من الشعور ليكوّن من درجاته غموضا تجريدي التفاصيل انطباعي الصورة ما يفسح مساحات بصرية ملونة التشكيلات والتلطيخات بانفعالات موقّتة تضطرب مرة وتستسلم مرات مثيرة لرغبة الاكتشاف لعمق الداكن اللامعلن أو القلق في ثنايا المشهد بحثا عن نور يفيض من تلك التدرجات والتداخلات فيزياء مؤطرة باللون وزوايا ترسم ملاحم وصراعات تتجدد كلما خمدت بين الأحمر والأزرق بمقاييسها ومدى الاستعداد النفسي لتلقيها ودمجها مع تفاوتات الصراع ومراحله الموقّتة في طبقاتها وألوانها لإظهار العنف الخارجي لواقع الحروب والدمار والصراعات على الأرض التي تشبه في حد ذاتها الصراع مع المرض بهواجسه بسراب يتراكم كأشباح عابرة في مسار الحياة.
من خلال ذروة اللون وتأجج عنفوان الطاقة الكامنة في الدمج الفكري والحسي، يشعر حسين المتلقي بالمشاركة والانفعال، فبين ذلك التصعيد والاخماد تتراكم فترات التعبير التي تتشابه وتختلف وتتشابك ولكنها تعبر عن مفهومها المشترك في عمق الحالة التي ترافقها.
فالتفاعل موضوعي العلامات التي يحوّلها إلى ردة فعل تستقطب الأبعاد المعتمة لتبرز النور في جمالياته التي تنعكس على تفاصيل العمل ترتيب موقّع متناغم الجماليات غني التقييم يحاكي الألوان الباحثة عن السكينة الداخلية والسلام العام.
تطغى التداخلات الحسية على الظاهر كمنطق بحث مستفز عن الجمال الداخلي يعالج جراح الأمكنة التي تتلخص في أمثولة الجسد في القلق والحيرة في الشك في مواجهة الصخب بالحركة اللونية التي تبدو متوترة، فالتقنية وجدانية بعناصرها تئن من الجدل الذي تخلقه الحروب من صراعات الفكر والايديولوجيا من التفكك في الانتماء والهوية.
رغم أن هذه الجدارية الفنية التي صاغ تشكيلاتها حسين حسين تعبر عن مرحلة زمنية فردانية التصورات والهواجس التي مرّ بها شخصيا وعبرها متجاوزا واقعها المرضي فإن تعبيرها الصادق الذي تجاوز اللغة الفردية إلى القراءة الجامعة لواقع مرضي بدوره فوضوي التصعيد جعل عناصرها بالغة النضج وعلاماتها دقيقة القراءة والتفسير الفني والتفكيك الجمالي لتراكماتها الملونة في بؤر من قلق انعكس مع الضوء والعناصر المكملة وزوايا التوغل في عمق اللون.

*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum