ذكرياتي مع الخال شفيق الحوت
تاريخ النشر : 2018-10-22
ذكرياتي مع الخال شفيق الحوت


ذكرياتي مع الخال شفيق الحوت
د.إبراهيم فؤاد عباس
كنت في الخامسة عشرة من عمري عندما سمعت والدي يناديني بصوت إيقاعه الحماس: إبراهيم!.. تعال سلم على ضيفنا العزيز.. كان ذلك في شقتنا في الزيتون في شارع طومانباي ربما عام 1963 على ما أذكر.. ونظرت وأنا أسارع الخطى نحو المجلس للسلام على الضيف الذي بدا وهو يقف - وقد أضاء التوهج وجهه نورًا وهيبة- كالمارد .. قال لي والدي بفخر: هذا هو ابن خالي شفيق الحوت قائد جا. تا. فا (جبهة تحرير فلسطين)، وشقيق المناضل ا لشهيد جمال الحوت قائد فرقة التدمير في يافا خلال ثورة 1936 .. بالطبع كنت قد سمعت من قبل عن الخال شفيق، فقد كانت تربطه صداقة قديمة بوالدي إثر التحاقه بالعامرية الثانوية في يافا بناء على رغبة جدتي السيدة أسماء سليم الحوت التي فضلت أن يلتحق بتلك المدرسة برعاية أهلها (بيت الحوت) وحيث مكث في كنف بيت الحوت عامين التحق بعدهما  بالكلية العربية بالقدس وتخرج فيها عام 1943. وكان الشيخ عباس (جد والدي) وسليم الحوت (مختار محلة المنشية من عام 1918 إلى عام 1948)
تربطهما مودة بالمرحوم السيد عمر البيطار رئيس بلدية يافا حينذاك، وعلى يديه تزوج جدي إبراهيم عباس من جدتي أسماء سليم الحوت. ، رحمهم الله جميعًا. وكثيرًا ما كان والدي يحكي لنا عن ذكرياته مع ابن خاله شفيق خلال إقامته في بيتهم العامر في عامرية يافا..
كان الخال شفيق يزورنا في القاهرة كلما سنحت له فرصة السفر إلى أرض الكنانة، وكانت تربطه صداقة بالكثيرين من الكتاب والأدباء والصحفيين الكبار، وخاصة الأستاذ  أحمد بهاء الدين، وكنت في كل مرة أحضر مجلسه يزداد إعجابي وتأثري به، وكان (يافاويًا) بامتياز، وفلسطينيًا بجدارة، ومناضلاً أصيلاً، لم تمنعه أصوله اللبنانية من أن يكرس حياته وجهده وقلمه لخدمة القضية الفلسطينية، وكان يشاركه في هذه السمة والد زوجته المناضل الكبير السيد عجاج نويهض، وأيضًا رفيقة دربه المناضلة العتيدة  المؤرخة والباحثة في الشؤون الفلسطينية  السيدة بيان عجاج نويهض. وعندما استرد الخال شفيق جنسيته اللبنانية في عهد رئيس الوزراء شفيق الوزان ظل فلسطينيًا وأكثر من أي وقت مضىي .
في عام 1970 زرت الخال شفيق الحوت في مكتب م.ت.ف ف في كورنيش المزرعة في بيروت، عندما كان رئيسًا للمكتب، وكان مكتبه يعج بالصحفيين والمراسلين الأجانب من مختلف أنحاء العالم. واصطحبتني سكرتيرته (هي أيضًا شقيقته)، السيدة سلوى الحوت إلى الشرفة  حيث كان يوجد ثقبين كبيرين في الجدار من جراء إطلاق صاروخين من الجهة المقابلة في الشارع في محاولة فاشلة لاغتياله.
في شتاء عام 1987 التقيت الخال شفيق الحوت في الجزائر خلال انعقاد مؤتمر الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وكان كعادته، شامخًا متوهجًا مفعمًا بوطنيته، معتزًا بفلسطينيته .. أختير الخال شفيق رئيسًا للمؤتمر.. أمسك بالمايك وخاطب الحضور الذين  اجتمعوا في قصر الصنوبر في عاصمة الشهداء،  وقال قولته التي ما زلت أعتبرها أكبر تحد من نوعه في ميزان القيادة وجدارة القائد: "أنا رئيس المؤتمر.. أي واحد يرفع يده معترضًا سأغادر هذا المنبر فورًا ".. فكان الرد تصفيق هادر.. رحم الله أبي هادر ومناضلينا الشرفاء الذين كانت علاقتهم بوطنهم علاقة عشق وفداء..