المساجد للوحدة لا للفرقة بقلم:معمر حبار
تاريخ النشر : 2018-10-17
المساجد للوحدة لا للفرقة بقلم:معمر حبار


الأربعاء 7 صفر 1440 هـ الموافق لـ 17 أكتوبر
2018
المساجد للوحدة لا للفرقة – معمر حبار
قبل البدء في قراءة كتابة المقال، وجب التنبيه لبعض النقاط منها: يعتبر المسجد من المؤسسات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع في بناء الأفراد والقيم الفاعلة، وعمارة المساجد تظلّ قائمة ومفهومها يتّسع حسب الحاجة والزّمن والظرف والمكان بما يخدم المجتمع ويرفعه، ويظلّ بناء المساجد قائما كلّما دعت الضرورة الملحة إلى ذلك واحتاج إليها المجتمع بالقدر الذي يفي بالغرض ويسمح للمسجد بأداء رسالته بشكل فاعل. ويتطرّق المقال للأسباب غير التي بنيت عليها المساجد لأجل بناء المساجد، وللتدليل على ذلك يكفي القول أنّ:
هناك في حيّ بسيط أعرفه جيّدا 3 مساجد كبرى بينها 1 كلم أو أقلّ بقليل، أي بمعدل 3300 متر بين كلّ مسجد، كلّها مساجد مهيّأة لإقامة صلاة الجمعة، بما فيها المسجد العتيق الذي تقام فيه صلاة الجمعة.
المعروف في الفقه الإسلامي أنّ الصلاة تقام في المسجد العتيق، ولا تقام في مسجد إلاّ إذا اكتظّ أو لم يستطع السكان توسعته لسبب من الأسباب، كعائق نحو البحر أو الوادي أو الطريق العمومي، أو مساكن الجيران، ومؤسسات أخرى وهكذا. وسبق أن قرأت مؤخرا كتاب عن الصلاة في المصلى لا يحضرني الآن اسمه وهو من كتب التراث، حيث قال الكاتب: تقام صلاة العيد في المسجد العتيق حتّى ولو لم يحضر السلطان وصلى في مسجد آخر غير العتيق، ما يدل على أهمية المسجد العتيق الجامع.
كانت المساجد تبنى لأسباب ملحة ضرورية كضيق المساحة وبعد المسافة، وأصبحت تقام المساجد لأسباب لا علاقة لها بالغاية الأسمى التي بنيت لأجلها المساجد كمعارضة الإمام لأنّه لا يحمل نفس فكر معارضيه، والادّعاء أن المسجد الفلاني ليس على "السّنة والسّلف !"،  فوجب إذن إقامة مسجد بجواره ودون الحاجة إلى مسجد باسم "السّنة والسّلف !"، والكسل الذي أصاب عددا كبيرا من المصلين باعتبار كلّ واحد يريد أن يصلي إلى مسجد ملاصقا لبيته، ونزاعات شخصية وأحقاد شخصية حوّلها البعض إلى أسباب لبناء مسجد خاص بكلّ فئة لها خصومة شخصية مع الآخر ولو كان المسجد الأوّل فارغا وكبيرا وقريبا، وعوامل أخرى يمكن للقارىء أن يضيفها من خلال ما يراه يوميا ويلمسه باستمرار.
بما أنّ مساجد كثيرة بنيت على أحقاد شخصية، ونزاعات فردية، وعقلية تفريقية، وثقافة طائفية تعتمد على التفسيق والتبديع والهجر، فكانت النتيجة أن ازدادت الفرقة، وعمّ الخلاف، وانتشرت الشتائم والسباب، وأصبح الكره والبغض والحقد سائدا بين عدد كبير ممن يحمل هذه الأمراض في صدره.
حين تبنى المساجد على غير الغاية التي بنيت لها المساجد، يكون من الصّعب حينئذ ترميم ماهدمه الإنسان بيديه، لأنّ فرصة التقاء المصلين انعدمت، وأصبح لكلّ مسجد خاص به لايلتقي بأخيه فيزداد الحقد ويرتفع البغض وتبتعد المحبّة واللّقاء، لأنّ عوامل اللقاء انعدمت وحلّت محلّها عوامل البعد بسبب تعدّد المساجد. بينما حين  يكون هناك المسجد الجامع يجمع بين المتخالفين والمتنازعين والمبتعدين فيما بينهم لأسباب ذكرناها والتي يمكن للقارىء أن يضيفها، لا محالة سيلتقون ويتركون الأحقاد فيما بينهم ويتصالحون بعد مدّة قصيرة أو طويلة.
الذي بنى مسجدا لحقد وبغض وحسد وتفسيق وتبديع وهجر، سيزداد حقدا وبغضا وتفسيقا وتبديعا لأنّ امكانية اللّقاء عبر المسجد الجامع انعدمت وزالت وفي أحسن الأحوال خفّت وقلّت.
أقول لإمام فقيه هذا الأسبوع، لتكن المساجد في أنحاء عدّة لكن كمصليات خاصّة بالصلوات الخمس يحتاجها من جاء لقضاء حاجة، وزيارة عائلة وأحباب، وعجوز وعاجز، وتلميذ، وعامل، وغير ذلك من العوامل التي جعل لأجلها المصلي، لكن يبقى مسجد واحد جامع يجمع الجميع في صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف، والخسوف حتّى يتمكّن الجميع من اللّقاء وتوثيق المحبّة ومعرفة شؤون إخوانهم والتّخفيف من حدّة الكره والبغض والحقد في انتظار أن يرتفع الجميع بمستواهم العالي لبناء المجتمع والتّخفيف من حدّة أمراض الصدور والقلوب التي أصابته وانتشرت بين أفراده.