زيغود يوسف أسطورة الثورة الجزائرية بقلم:د.محمد سيف الإسلام بوفلاقة
تاريخ النشر : 2018-10-17
زيغود يوسف أسطورة الثورة الجزائرية بقلم:د.محمد سيف الإسلام بوفلاقة


الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفــلاقـــة
زيــغــــود يوسف:أسطورة الثورة الجزائرية
 
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بــوفلاقــــة
قسم اللغة العربية-جامعة عنابة-الجزائر

        البطل الشهيد زيغود يوسف هو أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي،تميز بذكائه الخارق، وقد كانت سيرته،وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال لتؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية المظفرة بتصميمه لخطة هجومات 20أوت1955م التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحرري الجزائري،ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية  المباركة طابعها الشعبي،وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري،كما منحت  هجومات20أوت1955م  بعداً دولياً للثورة الجزائرية، وعجلت بدخولها إلى الأمم المتحدة،وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا.
         يقول الباحث صالح جراب في كتاب موسوم ب: ( زيغود يوسف:قيم ومواقف) الذي صدر حديثاً عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات: «فإذا كان الأمير عبد القادر رجل دين ودولة (مشروع مجتمع ودولة)  فإن "زيغود يوسف" بعبقريته وحنكته أنقذ الثورة من الضياع ، وغير مجرى التاريخ ، وخطة 20 أوت 1955 شاهدة على ذلك فيها هـزم عشرات الجنرالات والمارشالات الفرنسيـين المشهود لهم بالنظام والتنظيم ، ومن ورائهم الحلف الأطلسي  بأرمادته الجهنمية التي رست بميناء سكيكدة ، ومن نتائج هذه الخطة فك الحصار المضـروب على الأوراس قلعة الثورة العتيـدة التي ظلت تقاوم ، إلى أن وجدت من يساندها ويقف إلى جانبها،لقد جاء في وقت قصير ، ثم مضى سريعا ، ليترك الثورة تمضي آمنة  بعد أن صحح مسارها!  
    كان الوطن في أمس الحاجة إلى من يحميه ، ويعيد له مجده السليب حتى يخلصه من نير الاحتلال الغاشم ، الذي ظل يرزح تحت وطأته عشرات السنين ، إلا أن قيض الله  له رجالا مخلصين كانوا كالسد المنيع ، في وجه الغزاة ، أمثال هذا البطل الفذ زيغود يوسف ، الذي لولاه لكان للوطن شأن آخر ،وظل رفاقه من بعده يواجهون العدو بكل ما لديهم من سلاح الإيمان وصدق العزيمة ، فمنهم من قضى نحبـه ، ومنهم من ما يزال يناضل ، وما بدلوا تبديلا ،والتاريخ الجزائري حافل بالبطولات والأمجاد ، وما زالت مآثره تضيء درب الحرية لكثير من الشعوب المقهورة ، في شتى بقاع العالم  ويكفي الثورة الجزائرية فخرا ، أنها توصف بثورة الشهداء .
    يحسن بنا أن نلتفت إلى هذا البطل الشهيد ، ونتحرى في حياته الدؤوبة ، والظروف التي بوأته هذه المكانة المرموقة  وساهمت في إعداده ليكون قدوة لجيلنا وللأجيال القادمة» .
         ومن جهة أخرى يقول المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط ووزير المجاهدين الأسبق في كتابه: «زيغود يوسف الذي عرفته» والذي يعد مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف،بعد أن تساءل:   من هو زيغود يوسف؟
        «ما أن يذكر هذا الاسم إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان عضو( 22)،اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني،اسم الذي نظم الأيام الثلاثة20-21-22أوت1955.هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في المقاومة التحريرية ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة.
     زيغود يوسف كرّس شبابه للجزائر،توفي في سن الخامسة والثلاثين( 35)لم يخصص لعائلته سوى ست سنوات( 06)من عمره.انخرط منذ الثامنة عشرة في حزب الشعب الجزائري،وقد تمكن من أن ينتخب مستشاراً بلدياً.
      ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو( حالياً بلدية زيغود يوسف)عاش طفولته قرب والدته وجده( والد أمه).غرابي محمد الطاهر بكندي سمندو.لقد كان يتيم الأب.من مواليد كندي سمندو حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي.اجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز.بكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كندي سمندو كتب زيغود يوسف صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها...» ( ص:9 وما بعدها).
             واعتماداً على منظور الباحث صالح جراب في كتابه( زيغود يوسف:قيم ومواقف)،فالبطل الشهيد زيغود يوسف يمتد نضاله من انتقاله من الكشافة الإسلامية إلى الانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري   وعمره لا يتجاوز الثامنة عشرة ، وقد أصبح المسؤول الأول لهذا الحزب ، ناحية السمندو ، رغم صغر سنه ، واستمر في النشاط السياسي ، يناضل متحديا غطرسة الاستعمار ، هازئا بوعيده ، وكان خلال هذه الفترة نموذجا للسلوك الحميــد ، والخصــال السامية ، أخلاقيا ودينيا ، متشبثا بالقيم الإسلامية ، والوطنية النبيلة ، وهو الشيء الذي أكسبه تقدير رفاقه، ليتحمل المسؤوليات الكبرى ، وكانت له مسؤوليات تنظيمية ، اضطـلع بها على أحسن ما يرام ، فكون رجالا مناضلين ، شحنهم بالعزيمة والروح النضالية العالية ،ولا غرابة أن تسند له مهمة الإشراف على مظاهرات  8 ماي 1945 السلمية بناحية - سمندو - مما جعله ينجح في تنظيمها حيث قام أثناءها بإخفاء (24) بندقية بمنزله .ويشير في هذا الصدد المجاهد (بولعراس) أن "زيغود يوسف" هو الذي أشرف على عملية الإعداد للمسيرة  بالجهة ، وعقد في هذا الشأن اجتماعا بمسجد القرية ، تحددت فيـه خطة المسيرة   واللافتات المحمولة ، وكذلك العلم الوطني .
       ويُنبه الباحث صالح جراب إلى أن زوجته (عائشة) هي أول من صنع راية جزائرية في المنطقة  صنعتها بمساعدة إحدى جاراتها التي تدعى (نيني حلاّسة)  وكذلك اللافتات التي كتبت عليها شعارات وطنية ورفرف هذا العلم الجزائري في سماء - سمندو- لأول مرة ، مما جعل عدداً كبيراً من الناس يعتقدون أن الثورة اندلعت في ذلك الوقت بالذات ،وفي سنة 1947 برز "زيغود يوسف" كنموذج لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، في القوائم الانتخابية لبلدية –سمندو- إذ فاز في هذه المعركة الانتخابية فوزا ساحقا ، رغم مكائد الإدارة الاستعمارية ، وألاعيبها التزويرية ، هذا الذي جعله يتأكد أكثر بأن القوة الحقيقية تكمن في قلوب الجماهير ، لا في غطرسة الاستعمار الفرنسي .وأصبح نائبا لرئيس بلدية – سمندو- من عام 1947 م حتى عام 1949 م.
 وفي غمرة نشاطه النضالي ، وتطلعاته واتصالاته بالمسؤولين الكبار في المنظمة السرية   لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، أشرف “زيغود يوسف “ على تنظيم هذا الجهاز السري في بلدته ، وتطور نشاط هذا الجناح  السري الشبه عسكري ووسع مجاله في الناحية ،ورغم سرية هذا التنظيم فقد تمكن بوليس العدو من اكتشافه سنة 1950م على إثر ما يعرف بحادثة تبسة ، ومؤامرة 1950م ، وتم على إثر ذلك اعتقال مئات المناضلين ، من التنظيم السري للحزب ، في عدة مدن وقرى من التراب الوطني ، ومن بينهم "زيغود يوسف" حيث ألقي القبض عليه بتاريخ 22/03/1950م ، ونقل إلى سجن عنابة ، وحكم عليه بـ (20) سنة حبسا ، إذ حوكم بتهمة (المس بالأمن الخارجي للدولة) ، ومن ضمن رفاقه الذين ألقي عليهم القبض في المناسبة نفسها ، ابن زعيم محمد المستـــشار لدى بلدية (بونة) عنابة ، وعجـــومي إبراهيــــم بن مصطفى ،و مصطفى بن عودة ، وبكوش عبد الباقي ، الذين كانوا على متن عـــربة واحـــدة ، ومن الذين ألقي القبـــض عليــهم ابن عمــه الطاهر بـ – كندي سمندو- وهنا تروي (الحاجة زبيدة) ، وهي تتذكر يوم إلقاء القبض على أخيها ، سنة 1950م ، وكيف كان سريع البديهة ، لا تزعزعه الأحداث ، مهما كبرت ، حتى لو تعلق الأمر بحياته ، فتشير أنه عندما شاهد عربة البوليس ، وكان وقتها يصلح سقف بيته ، أمر على الفور زوجته بإخفاء كل الوثائق السرية في صدر ابنته (شامة) ، البنت الوحيدة التي ظلت على قيد الحياة حتى استقلال الجزائر ، وهي من أبنائه الستة ، وهكذا ظهرت براعة هذا القائد الفذ في أصعب اللحظات ، ولم تتمكن السلطات الاستعمارية من العثور على الوثائق ، باستثناء الكتب التي كان يطالعها،وبعد بضعة أشهر ، ألقي القبض على (بوشريحة بولعراس) وتمكن هذا الأخير أن يحضر عملية الفرار من السجن ، التي نظمها البطل الشهيد "زيغود يوسف".
    وقد لخص الباحث صالح جراب عدة محطات متميزة من مسيرة الشهيد البطل زيغود يوسف،حيث جاءت في كتاب: ( زيغود يوسف:قيم ومواقف)،رواية  مفصلة عن هروبه من السجن،حيث يقول: «في انتظار المحاكمة ، كان المناضل القائد يفكر في طريقة التخلص من هذا الكابوس ، إذ دبر عملية للهروب من السجن وخطط لها ، وبعد محاولة الفرار الأولى التي فشلت اهتدى "زيغود" إلى ضـــرورة صنع مفتـــاح لبــاب السجن ، صنعـــه بنفسـه  وهو الحداد الماهر- وبعد تجاوز صعوبات الحصول على قطعة حديد أدخلها تحت قشابيته من مرحاض السجن ، وصقلها في سرية تامة،وصنع منها مفتاحا ، فتح به باب غرفة السجن ، ثم ثغرة في السقف فكانت خطته لتدبير الفرار من السجن ، وقد رواها لنا أحد رفاقه الذين كانوا معه في السجن ،وهو الشيخ (بوشريحة بولعراس) ، وقد كانت خطة ذكية وجريئة لم ينتبه إليها العدو ، رغم مخابراته الذائمة الحركة ، وتجربته الواسعة ، فإنه لم يتوصل إلى الكيفية التي تمت بها خطة الفرار المحكمة ، وقد فشل العدو فشلا ذريعا ، في الحصول على أية معلومات عن ذلك ، ولم تستطــع مخابراته تحــديد المكان الذي توجــه إليه "زيغود يوسف" ورفاقه ، وقد قرر أن يكون الفرار  في  ليلة 21 أفريل 1954 م لتنفيذ خطة الهروب ، وكان معه ثلاثة من المناضلين الذين اقتنعوا بنجاح خطته ، فقطعوا الجبال والوديان والوهاد ، حتى وصلوا إلى ضواحي – سمندو- عند الشيخ (بوشريحة بولعراس) بدوار صوادق ، حيث وجدوا هناك مأواهم ونصرتهم ،وبعد عملية الفرار ظل الشهيد يتنقل في سرية تامة ، من موقع إلى آخر (الصوادق- الداموس) ، وهي أماكن جبلية حصينة ، وواصل
نضاله فيها إلا أن أصبح مسؤولا على منطقة - السمندو- كلها ،إذ عالج فيها الجرح الذي أصابه أثناء عملية الفرار ، كما كان  يتنقل ما بين الحروش  وسمندو عند أصهاره ، فينتقل إلى "لقرارم" عند (عمار قوقة) فالأوراس ، مع مجموعة من القادة الذين اعتصموا بالجبال أمثال : مصطفى بن بولعيد ،وعلى إثر ذلك عمل "زيغود يوسف" على ربط الاتصال بالأوراس ، هذه المنطقة التي نجت من مؤامرة 1950 ، ولم يكتشف الاستعمار تنظيمها السري،
وفي شهر جوان 1951 م كان "زيغود يوسف" يقيم في منطقة الأوراس في سرية تامة ، حيت كان مطاردا من طرف بوليس العدو،وبعد فترة قصيرة قضاها في المنطقة ، عاد إلى ناحية قسنطينة ليواصل نشاطه السري ...
وفي أواخر أكتوبر قام الشهيد "زيغود يوسف" بتهريب عدد من الأسلحة الحربية ، وكمية من الذخيرة أتى بها من مدينة قسنطيــــــنة استعدادا ليوم الفصل . فتولى مع رفاقــــــه عمليــة التنظيم بالشمــــال القسنطيني». 
     وبالنسبة إلى مشاركة الشهيد البطل زيغود يوسف في مؤتمر الصومام سنة:1956م،يؤكد الباحث صالح جراب على أن زيغود يوسف شارك بفعالية في مؤتمر الصومام التاريخي (20 أوت 1956) الذي أرسى قواعد تنظيم الثورة التحريرية ، وانبثقت عنه لجنة التنسيق والتنفيذ ، وكذا المجلس الوطني للثورة الجزائرية ، الذي كان الشهيد أحد أعضائه المؤسسين ، لقد كان على دراية كبيرة بالأمور العسكرية ، للولاية الثانية ، التي أقرها له مؤتمر الصومام ، ورقّاه بموجبها إلى رتبة عقيد ، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من ضباط جيش التحرير الوطني ، وكلف رسميا بقيادة الولاية الثانية ،و يذكر الأستاذ صالح جراب أن زيغود يوسف لم يكن يلهيه التنظيم العسكري عن التخطيط السياسي ، فقد لعب دورا بارزا في مؤتمر الصومام   الذي انعقد بقرية إيفري (وادي الصومام) بالمنطقة الثالثة ، هذا اليوم الذي يمثل الذكرى الأولى لهجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني ، لقد شارك كعضو بارز ونشيط في أشغال المؤتمر ،فقد حضر عدد كبير من ممثلي الولايات ، باستثناء الولاية الأولى ، ويرجع السبب في ذلك إلى استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد في القتال   في مارس 1956م ، وكان استخلافه صعبا ،لذا أوفدت الولاية الأولى بعض المندوبين عنها ، وفي وقت متأخر  وعندما وصلوا ، كان المؤتمر قد انتهى ،ونتيجة لمقررات مؤتمر الصومام الحاسمة في مختلف الميادين المتعلقة بتنظيم الثورة على المستويين ، السياسي والعسكري ، وفور عودته من المؤتمر شرع "زيغود يوسف" مباشرة في إجراء اللقاءات لإعداد الرجال وضبط الأهداف،وتم تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر الصومام ، وبعد سلسلة من الاجتماعات والأعمال ، التي استغرقت شهرا كاملا ، في نواحي الولاية الثانية ، قصد"زيغود يوسف" مقر الولاية الثانية الذي كان موجودا بنواحي وادي زهور قرب الميلية ، وقد كلف المؤتمر "زيغود يوسف" بمهمة  إعلام  الولاية الأولى بقرارات المؤتمرين ، فقد اختير لأنه كان يعرف عدداً كبيراً من مجاهدي الولاية وقضى معهم فترة من الزمن عايشهم فيها ، لكن ، بينما كان التحضــير للاجتماع التنسيقي المتعلق بإذاعة الأخبار المتعلقة بمؤتمر الصــومام الذي اختتمت أشغاله مند فترة وجيزة ، فإذا بـ "زيغود يوسف" يسقط شهيدا في مواجهة مع العدو غير متكافئة  ، حينما كان في طريقه إلى الأوراس (النمامشة) .
 وقد قدم الباحث صالح جراب في كتابه:( زيغود يوسف :قيم ومواقف) مجموعة من التفاصيل الدقيقة عن ظروف استشهاده،حيث يقول في هذا الصدد: «بعد عودته من المؤتمر يوم 08/09/1956م عاد يواصل ما تم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر ، وكانت المهام كثيرة وذات شأن عظيم،فزيادة على مواجهــة ضرورات الكفـــاح المسلح اليومية للثورة فقد توسع مجالها وحجمها ، لذا كان عليه أن ينصب الهياكل الجديدة ، على أساس ما تقرر في المؤتمر ، وشرح تلك القرارات للقاعدة النضالية للثورة ، زيادة على ذلك تقرر أن يتوجه إلى الولاية الأولى (الأوراس) ، في مهمة  كلف بها من طرف المؤتمر ،وعقد عدة اجتماعات مع أقرب مساعديه ، ليُوصل إليهم ما تم الاتفاق عليه ،وعند عودته زار عائلته ومكث معها ثلاثة أيام ، وبعد انقضاء إجازته ، غادر دوار (الصوادق) واتجه إلى مشتة (شرشال) بنفس الدوار ثم انتقل إلى (سطيحة) قرب سيدي مزغيش .
    ويروي المجاهدان (موسى بوخميس) و(رحايل بوشريط)  وهما من ضمن من كان حاضرا في الاشتباك الذي استشهد فيه "زيغود يوسف" فيذكران أنه  بعد عودته من مؤتمر الصومام عقد اجتماعا بمشتة (الخربة) بدوار الحمري بالقرب من سيدي مزغيش في منزل المناضل (زيدان بوزرد) ، بعــد أن ســرح الفيــلق الذي كان يقوده ومنح جنوده  إجازة قصيرة ، وكان يضم (400) مجاهد ، ولم يبق  معه إلا نفر قليل من جنده البواسل حوالي (08) مجاهدين من بينهم (صالح بوجمعة) و(بوجمعة لمباردي)   و(جامع بوصبع)   وهذا للاطمئنان على القائد في المنطقة وعلى  سكانها ،وهذا بعد أربعة عشر يوماً فقط من مؤتمر الصومام 08/09/1956 م  الذين أضناهم التعب في التحضير والسهر على أن تجرى  أشغال المؤتمر في ظروف حسنة ، وهذه الوقائع  يؤكدها رفاقه : بوشريحة بولعراس ، وريكوح ، وزوجته عائشة ، وفي نيته  أن يقضي ليلته عند المناضل المذكور ، ويستريح ، على أن يواصل سيره في اليوم التالي إلى الأوراس ، وكان هذا في:  22-23/09/1956 ،وضم الاجتماع عدداً من مسؤولي مشاتي (سطيحة) ، ونوقشت عدة مسائل تتعلق بتنظيم عملية العبور إلى الحدود الشرقية ، بإنشاء مخابئ للأدوية ، والمؤن الخاصة بالقوافل المارة بالجهة ، وكذلك مسألة تحديد المسؤوليات المحلية بالمشتيين : بوساطور والعشرقة ،ومع الصباح عرف العقيد زيغود يوسف أن قوات العدو تتمركز في إحدى المناطق المجاورة بناحية الغرب ، فظن أنها عملية مسح للجبل القريب من مكان تواجده ، فاختار التسرب مع من كان معه إلى أحد الوديان ، وكانت خطته تهدف إلى عدم الاشتباك مع قوات العدو ، حفاظا على السكان ، لأن مبدأه كما روى لنا (يوسف رمضان) كان دائما "من كسب الشعب كسب الثورة   ومن خسره خسر الثورة"،لذا فهو يحافظ على الشعب أكثر من المحافظة على نفسه وكانت الخطة حكيمة ، غير أن الوقائع لها مسببات ، وما يخفيه القدر لا يطلع عليه أحد ،ذلك أن قوات العدو (فرقة كومندوس من الفيلق الأول للفرقة الرابعة) حسب أقوال  (موسى بوخميس ورحايل بوشريط) قد أخذت أربعة مناضلين من المناطق المجاورة ، على إثر وشاية بلغت عنهم ، ففاجأتهم  في بيوتهم ، وألقت القبض عليهم وقيدتهم وعند طلوع الفجر ، قفلت راجعة إلى (سيدي مزغيش) ، وفي طريقها فوجئت بشخص يجري في الاتجاه الذي كان يوجد فيه "زيغود يوسف" ورفاقه ،وكان في حقيقة أمـره حارس البيت الذي يقيم فيه زيغود يوسف" ويدعى(جامع بوصبع) ، ولا يعد ضمن المجاهدين التسعة المرافقين لـ"زيغود يوسف" ، فأطلقوا عليه الرصاص فقتلوه ، كما التقت بمناضلين آخرين وسط الأحراش ، وعندما لاذوا بالفرار تبعتهم دون إطلاق النار عليهم ، واتجهت قوات العدو إلى المنخفض الذي كان يسير فيه "زيغود يوسف " ورفاقه ، ووقع ما لم يكن في الحسبان  وما هي إلا لحظات ، حتى التقى الطرفان وجها لوجه وكان "زيغود يوسف" في المقدمة لذا كان أول من أصيب بجروح ورغم هــذا فقد استبســل وقاوم  ، فأصيب حيث أصبح يستحيل عليه الســير لذا أتلف ما استطاع إتلافه من الوثائق ،وحسب المعلومات التي رواها أحد المشاركين في المعركة   فإن "زيغود يوسف" لما تيقن من محاصرة العدو له ، قام بإحراق جميع الأوراق التي كانت تحوي قرارات المؤتمر ونتائجه ،حتى لا تقع يد العدو ، الذي كانت غايته الوحيدة  إلقاء القبض على "زيغود يوسف" حيا وليس شهيدا،ووسط النيران الكثيفة تفرق المجاهدون ، ولم يبق معه في المكان إلا ثلاثة هم : بوجمعة لباردي (رامي شهير) ، كاتبه وقد قتل معه وكذلك عبد الله لعليوي (مسؤول بوساطور) وشاوش عبد الله مسؤول (الصفصافة) ، فاشتبكوا مع قوات العدو وقاتلوهم  قتال الأبطال ، وسط جحافل العدو ، التي أحاطت بهم من كل مكان ، ورغم قلة عددهم وعدتهم فقد أحدثوا  في صفوفهم خسائر فادحة ، مما أثار الهلع والخوف في صفوفهم ، كيف لا وهم يعتبرون من أشهر الرماة ، قبل أن تلحق أرواحهم الطاهرة بالرفيق الأعلى .
انتهت المعركة ، واستشهد في ميدان الشرف تسعة شهداء هم (زيغود يوسف ،و بوجمعة لمباردي ،و عبد الله شاوش ،و عبد الله لعليوي  - الساسي حداد - بوجمعة حسين - أحمد رامول  بورحالة الحواس .
    استشهد القائد البطل "زيغود يوسف" بعد أن قام  بواجبه المقدس   حتى آخر لحظة من حياته،وقد لقي استشهاده صدى عميقا في أوساط جيش التحرير وأفراد الشعب. 
 أما كتاب«زيغود يوسف الذي عرفته» للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق إبراهيم سلطان شيبوط، فهو يعتبر مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف،حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي.
      وكانت سيرته،وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال ليؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية بتصميمه لخطة هجومات 20أوت1955م التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحريري الجزائري،ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية  المباركة طابعها الشعبي،وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري،كما منحت( هجومات20أوت1955م) بعداً دولياً للثورة الجزائرية وعجلت بدخولها إلى الأمم المتحدة،وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا.
      يوحي عنوان الكتاب بأن المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط يريد أن يقدم رؤيته عن الشهيد البطل زيغود يوسف كما عرفه،حيث يلقي الضوء على شخصيته الفذة،فالغرض العام من الكتاب هو التعريف بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف وإبراز أعماله وتضحياته،وتحليل شخصيته وتتبع مسيرته ،ولا يملك المطلع على هذا الكتاب الهام الذي صدر عن وزارة المجاهدين في طبعة خاصة في إطار منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954م، وتولت  ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذة قندوز عباد فوزية إلا أن يصفه بأنه مصدر تاريخي هام لا يمكن أن يستغني عنه كل دارس ومهتم بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف كونه شهادة موثقة ودقيقة قدمها أحد المجاهدين الأفذاذ الذين خاضوا المعارك إلى جانبه،ورافقوه في كفاحه ونضاله البطولي ضد المستدمر الفرنسي حيث عينه زيغود يوسف شخصياً في مارس سنة:1956م ملازماً ثانياً،وفضلاً عن  القيمة التاريخية للكتاب من جانب رصد نضال وكفاح زيغود يوسف وجهوده الجبارة، فالكتاب له أهمية بالغة فيما يتصل بالمعلومات التي يُقدمها عن تفاصيل حياته وانتقاله من مرحلة إلى أخرى كون المجاهد إبراهيم شيبوط قد استقى معلوماته من عائلة الشهيد زيغود يوسف ،حيث نجد في الصفحة الأولى من الكتاب كلمة شكر يقدمها المؤلف لعائلة الشهيد إذ يقول( أقدم ولائي وشكري لعائلة زيغود يوسف التي ساعدتني على جمع المعلومات المتعلقة بالشهيد)،كما نجد في ختام الكتاب شهادة زوجة الشهيد البطل زيغود يوسف وابنته،وجدولاً مفصلاً عن العمليات التي حدثت بالشمال القسنطيني منذ الفاتح من نوفمبر 1954م إلى غاية سبتمبر1956م.
     يشير المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط في مقدمة الكتاب إلى أن الهدف المرجو من هذا الكتاب هو محاولة إفشاء بعض المعلومات الدقيقة عن شخصية الشهيد زيغود يوسف وعائلته المقربة،يصف المؤلف الشهيد زيغود يوسف في تقديمه بالقول«زيغود يوسف مناضل بحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية،عضو بالجمعية السرية عضو الاثنين والعشرين( 22)ثم قائد الولاية الثانية.كان أولاً طفلاً ثم تلميذاً ليصير بعد ذلك صانعاً،ليس ليقوم بمجرد صنعة وإنما ليصير خاصة واحداً من أهم صانعي الاستقلال الوطني.
    عضو بالمنظمة السرية هذه المنظمة الشبه عسكرية لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي علّمته قواعد حرب العصابات التي طبّقها بدقة.
     توفيت والدته عام1946 التي تمكّنت قبل وفاتها من أن تحصل على عفو لابنها من التجنيد الإجباري  باعتباره عائل الأسرة،لذا فإن زيغود يوسف لم يدمج وسط الجيش الفرنسي.
    حرص زيغود يوسف من أول نوفمبر1954إلى23 سبتمبر1956على احترام المثل( الحياة وسط الشعب كحياة الحوت وسط الماء)وهو ما طبقه حزب جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني إلى غاية19 مارس1962،وهذا رغم الضباط الفرنسيين المختصين في الحرب الثورية الذين حاولوا دون جدوى تجفيف الماء بإنشاء تجمعات عسكرية...
    تحت أوامر زيغود يوسف فإن جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني كلّفوا بتوقير وتقدير سكان الشمال القسنطيني.كل من جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني احتراماً لهؤلاء السكان كانوا ينصاعون لآرائهم عندما يريدون القيام بعمليات عسكرية أو فدائية مما جعل السكان   ينضمون إلى الثورة المسلحة.بتطبيق أوامر زيغود يوسف تمكنت عمليات الفدى والكمائن من إقامة جو انعدام الأمن الذي ضايق ظاهرة( إعادة السلم)الشهيرة.
    زيغود يوسف جدير ومحق بأن يهتم به كتّاب مؤرخون سينمائيون لإزاحة الستار عن نسيان مديد ومؤسف.
  الواجب يدعونا إلى معرفة والتعريف بالجزائريين والجزائريات الذين هم مثل زيغود يوسف ضحوا بأنفسهم من أجل الجزائر.
   من هو زيغود يوسف؟ما أن يذكر هذا الاسم إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان عضو( 22)،اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني،اسم الذي نظم الأيام الثلاثة20-21-22أوت1955.هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في المقاومة التحريرية ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة.
     زيغود يوسف كرّس شبابه للجزائر،توفي في سن الخامسة والثلاثين( 35)لم يخصص لعائلته سوى ست سنوات( 06)من عمره.انخرط منذ الثامنة عشرة في حزب الشعب الجزائري،وقد تمكن من أن ينتخب مستشاراً بلدياً.
      ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو( حالياً بلدية زيغود يوسف)عاش طفولته قرب والدته وجده( والد أمه).غرابي محمد الطاهر بكندي سمندو.لقد كان يتيم الأب.من مواليد كندي سمندو حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي.اجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز.بكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كندي سمندو كتب زيغود يوسف صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها...» ( ص:9 وما بعدها).
     قدم المجاهد إبراهيم شيبوط لمحة تاريخية عن ناحية سمندو وعن عدد سكانها وطبيعة عملهم، فقد أنشأت إدارة الاحتلال عام:1847م بالمكان المسمى سيدي العربي القرية التي سوف تحمل اسم بلدية كندي سمندو،وهو اسم مركب من لقب عائلة أمراء فرنسيين( كوندي)واسم نهر رئيسي بالناحية( سمندو).وفي عام1954 كانت بلدية كندي سمندو مأهولة ب8345 ساكناً من أصل جزائري من بينهم85 بالمائة من الفلاحين،وحوالي140أوروبي من بينهم5معمرين هم(راموناكسو-لودج-بيري-بيو-فردناند)الذين كانوا يملكون أحسن الأراضي. وقد كان للمجموعة الأوروبية مقر إقامة شعائرها حيث توجد كنيسة وفيها الدرك وقاضي سلم.
     تحت عناوين متنوعة عن«الحياة الاجتماعية ،الحياة العائلية،تعلم مهنة،الحياة السياسية مدخل إلى العمل المسلح»رصد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط مسيرة الشهيد زيغود يوسف بدقة من جوانب مختلفة،ففي حديثه عن حياته الاجتماعية أشار إلى أن زيغود يوسف ولد في:18فبراير1920 وهو ابن زيغود سعيد بن أحمد وغرابي يمينة بنت محمد الطاهر،وقد ولد بعد أربعة أشهر من وفاة والده يوم:24أكتوبر1920.وقد سجل اسمه في الحالة المدنية تحت اسم أسرة زيغوت حسبما ارتآه المكلف الأوروبي،ويشير إلى أن عائلة زيغود يعود نسبها إلى قلب دائرة كندي السمندو،والبعض منهم كان فلاحاً في إقليم بلدية كندي سمندو وبدوار الخرفان،وكان غرابي محمد الطاهر والد أم زيغود يوسف يمتهن حرفة خياطة الملابس التقليدية.
      ولا ريب في أن الإدارة الاستعمارية لم تكن تعمل على تمدرس الأهالي بل تسعى جاهدة إلى تجهيل الشعب الجزائري،بيد أن جد زيغود يوسف حينما وصل إلى سن الدراسة سجله في البداية بمدرسة قرآنية ثم أدخله بعد ذلك إلى المدرسة الفرنسية الوحيدة الموجودة بالقرية لتعلم اللغة الفرنسية،ووفق شهادة زميله(زويد عمار) فقد كان زيغود يوسف تلميذاً مجتهداً ومنتبهاً،وقد اجتاز بتفوق امتحان  شهادة التعليم الابتدائي بمركز الحروش،ويؤكد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط على أن زيغود يوسف قد احتفظ منذ تعلمه بالمدرسة الفرنسية إلى ساعة وفاته ب( باسم الله)التي كان دائماً يكتبها في بداية رسائله التي كان يحررها بالفرنسية.
       وبالنسبة لحياته العائلية يذكر المؤلف أن زيغود يوسف كان رب أسرة يتسم بالوعي في مسؤوليته،وقد تزوج في18أوت1942من ابنة خالته ظريفة عائشة المولودة يوم:25ديسمبر1927 بالحروش ابنة بوقرة وغرابي العكري خالة زيغود يوسف،وقد وفق في حياته العائلية كما وفق في دوره كمجاهد وممثل لمواطنيه بالمجلس البلدي،وفي عمله حينما عمل حداداً ونجاراً،ويُقدم المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط مثالاً على إتقانه لعمله بالإشارة إلى أن أحد سكان كندي سمندو ما يزال محتفظاً بمنضدة كان قد طلب من زيغود يوسف أن يصنعها له حوالي سنة:1948م،وقد كان يُعامل السكان معاملة حسنة وبإرادة قوية من خلال مساعدتهم وإسداء النصيحة أو حينما يقوم بأعمال مجانية،وقد كان يتسم الحزم مع عائلته كلما حل تاريخ:8ماي وذلك بالتزام الحداد وقد بقيت عائلته ملتزمة به إلى حدود شهر مارس:1950م.
      وفي هذا الشأن يتساءل المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط«أليس ذلك باكورة من بواكير دوره الثوري خلال الحرب المسلحة؟إذ رغم ضيق بيته المتكون من غرفة واحدة فقد كان يعقد جلسات ليلية فعندما يكون المجاهدون من أقارب العائلة فإن السيدة زيغود تنفرد في جانب من الغرفة حتى لا تزعج المجاهدين،وتحضّر لهم القهوة.وعندما يحضر الجلسات غريب عن العائلة فإن السيدة زيغود تتجه نحو بيت خالتها التي تسكن القرية»( ص:28).
  ويذكر أن جميع الأطفال الستة الذين رزق بهم زيغود يوسف قد توفوا  باستثناء شامة التي ولدت في29 جانفي1948م ،وهي لم تبلغ بعد الثانية من عمرها شاهدت والدها يقبض عليه،وبعدها أصبح يعيش في سرية بالمناطق البعيدة عن القرية التي ولدت بها،وقد ذهبت إلى تونس سنة:1957م وسط كتيبة توجيه الأسلحة تحت قيادة المجاهد شريف الحامي.
      وبالنسبة للوضعية الاجتماعية لأرملة الشهيد زيغود يوسف يشير المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط إلى أنها«عاشت ما بين عام:1950 وخريف سنة:1957 بين دوار صوادق ومدجيرة في بيت أخوال زوجها( البوشريخة)ثم عند أقارب آخرين البودرسة،وبعدها التحقت بعائلتها بالحروش أين كانت نوعاً ما في أمان.إذ الإقامة الفارطة بناحية كندي سمندو كانت جدّ صعبة،فالجندرمة كانت تبحث عن المختفين المنتمين إلى المنظمة السرية والذين من بينهم زيغود يوسف.
      بعد أول نوفمبر1954 أصبح كل من الدرك الجيش والشرطة يتدخلون معاً في البحث عن المخفيين خاصة بعد وفاة الشهيد ديدوش مراد.إنه التمشيط الذي ينجم عنه إحراق الأراضي،إفلات المؤونة،تكسير الأمتعة،تقتيل عشوائي ينفّذ حسب مزاج ضباط جيش العدو.
    السيدة زيغود عاشت أياماً صعبة،ولكن إقامتها بالحروش كانت أقل ضرراً فصاحب البيت الذي تسكنه عائلة طرايفة كان أحد معطوبي الحرب العالمية الأولى( 1914-1918)،فقد كان كلّما حل الدرك ببيت عائلة طرايفة لانتمائها إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية يتدخل بصدره وهو مملوء بالأوسمة ولا يسمح بإيذاء مستأجريه.تدخلات السيد بولبرشان كانت مجدية وحالت دون المحن والاعتقالات لأعضاء عائلة طرايفة والسيدة زيغود يوسف.
      سمح الاستقلال بجمع عائلة زيغود يوسف بكندي سمندو أولاً،ثم بقسنطينة أين السيدة زيغود يوسف كادت تطرد من المسكن الذي سكنته،فهي مدينة لتدخل الوالي بن محمود الذي حال دون طردها.بالنسبة للإجراءات الإدارية كان على ابن خال زيغود يوسف وأرملته بوشريخة بولعراس الذي كان يلعب نوعاً ما دور الوصي. إلى يومنا هذا فإن أرملة زيغود يوسف تحتل شقة من ثلاث غرف بعمارة موجودة بنهج عمار كيكية بقسنطينة.إنها أرملة وقورة جداً لم تطلب من الجزائر الكثير.
     استقبلها السيد أحمد بن بلة،والسيد هواري بومدين،والسيد أحمد بن شريف ولكنها لم تطلب أبداً مطالب مقابل المعاناة التي تلقتها أو ما تعرضت إليه ابنتها منذ طفولتها،ولا حتى تعويضاً عن استشهاد زوجها من أجل تحرير الوطن لقد احترمت ذكرى زيغود يوسف وكانت مثالاً للتواضع والكرامة»( ص:30 وما بعدها).
      في قسم خاص عنونه ب«الحياة السياسية مدخل إلى العمل المسلح»تتبع المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط رحلة البطل الشهيد زيغود يوسف مع النضال والكفاح منذ انخراطه عام:1943م ضمن الحركة الوطنية،ويذهب إلى أن انخراطه في الحركة الوطنية يعود إلى اقتناعه بأفكار عائلته نتيجة موقع قريته التي توجد على محور الطريق الرابط بين قسنطينة وفيلب فيل( سكيكدة أو الحروش)أين يسكن جزء من عائلته،فقد عرفت هذه المدن بواكير الحركة الوطنية وتطور الحركة الكشفية إضافة إلى أنها كانت مقراً للشخصيات السياسية أمثال: مسعود بوقادوم المسمى الحواس،و عبد الله فيلالي،وموسى بولكورة،وحسين لحول.
    كما يشير المؤلف إلى أنه كان للمجاهد علال ثعلبي بكندي سمندو تأثير كبير على زيغود يوسف،وقد قضى زيغود يوسف سبع سنوات وهو يشرح لسكان كندي سمندو ضرورة التنظيم والوحدة لإجبار الاحتلال على الاستسلام،وقد سعى مع المجاهدين:ميهوبي،العربي شوجي،البوضرسة،البوشريخة،والغرابي لجلب كل الريف المحيط بكندي سمندو للانضمام للقضية الوطنية.
  وبفضل هذا العمل فقد صوت القرويون والفلاحون بكثافة عند انتخابات سنة:1947م التي تم فيها انتخاب زيغود يوسف مستشاراً بلدياً للكوليج الثاني،ولم يكن من السهل أبداً أن تُحسم النتائج لصالح حزب الشعب حركة انتصار الحريات الديمقراطية ذلك أن السكان كانوا مراقبين ومضطهدين بشكل كبير من قبل الاستدمار الفرنسي.
      وقد نظم زيغود يوسف مظاهرة 8ماي1945م وترأسها،ولحسن الحظ لم يكن هناك ضحايا وقد تم إيقاف سبعة أشخاص ادعى جيش الاحتلال أنهم حطموا أختام محل الكشافة،وقد تأثر زيغود يوسف أيما تأثر بمجازر8ماي 1945م،و اختير في المنظمة السرية من طرف مسؤوليها ومن بينهم محمد بوضياف لرئاسة ناحية كندي سمندو.
   وبعد حادثة تبسة الشهيرة واكتشاف المنظمة السرية من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي ألقي القبض على زيغود يوسف بمنزله يوم:22 مارس1950م،حيث اتجهت الشرطة الفرنسية بقسنطينة نحو مسكنه حيث كان يقطن عند عمه زيغود سعد عند مخرج القرية على الطريق الذي يؤدي إلى سكيكدة،وقامت بتحطيم وإتلاف كل المؤونة بالبيت،وتم تعذيب زيغود يوسف تعذيباً شديداً،وبعدها نقل إلى عنابة ووضع تحت الحجز بتاريخ:28مارس1950م.وفي السجن التقى زيغود يوسف بكل الذين اعتقلوا بمنطقة قسنطينة وعنابة وقالمة وسوق أهراس وتبسة وتكونت صداقة بينه وبين عبد العزيز بولحروف.
       تطرق المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط إلى قصة فرار الشهيد زيغود يوسف من السجن،حيث جاء في روايته«...كلّ هؤلاء المساجين حوكموا يوم:30جوان1951 من طرف المحكمة التي من بين أعضائها فقليماسي القادم من سكيكدة( فيليب فيل)زيغود يوسف،بن عودة كمال،بركات سليمان ،بكوش عبد الباقي حوكموا غيابياً لأنهم تمكنوا من الفرار.هذا الفرار كان بفضل الحفاظ على السر من طرف الشركاء في السجن ومهارة زيغود يوسف الذي صنع مفتاحاً عاماً.هذه الأداة استعملت لفتح مخدع النوم الفاصل للغرفة رقم(  18)والتي تستعمل كمرقد للسجناء.هذا المخدع للنوم كان للأم العليا،إذ أن السجن في حقيقة الأمر كان في الواقع ديراً للراهبات.بفضل الحصائر التي لفها،فإن زيغود يوسف تمكن من الوصول إلى سقف مخدع النوم ليقوم بثقبه،وفي اليوم( ج)خرج زيغود يوسف،بركات،بن عودة،بكوش عبد الباقي عبر السقف من خلال ذلك الثقب وبفضل الحبائل التي ظفرها بالمادة التي كانت الحصائر محشوة بها.تمكنوا من إيجاد منفذ نحو ملحقة للمحكمة والتي كانت تستعمل لحفظ الأرشيف...
     ها هو زيغود يوسف يفتح باب هذه الغرفة التي تمتد إلى ردهة المحكمة،البواب الذي كان مسكنه مضاء لم ينتبه إلى أي شيء فقطع الفارون رواق المحكمة ووصلوا إلى المخرج.حيث كان زيغود يوسف ينتظر مرور سيارة كي لا يسمع الصوت الذي سوف يحدثه فتح الباب.وها هي ذي سيارة تمر صدفة في الوقت المناسب وباب المحكمة يفتح دون ضجة.ويتجه السجناء الأربعة نحو الشاطئ محاذين إياه إلى أن وصلوا إلى بيجو( سرايدي).
    اقترح بن عودة الاتصال بعائلة راشدي التي كانت تضم عدداً من مناضلي حزب الشعب الجزائري حركة انتصار الحريات الديمقراطية،بينما فضل زيغود يوسف متابعة السير إلى الطريق الوطني عنابة قسنطينة،فتواصل السير إلى حدود عين أم الرخاء( عين بورحلة)لقد دامت هذه المسيرة أربعة أيام والتي خلالها كان كل واحد يتغذى بقطعتين من الحلوى.إذ كان سليمان بركات قد أخذ معه حوالي خمس  عشرة قطعة من الحلويات التي كان المسجونون يتلقونها من عائلاتهم...
  خلال رحلتهم هذه اجتازوا ضيعة وادي الكبير فنزلوا عند عمال مغاربة تناولوا عندهم العشاء وقضوا ليلتهم،ولم يجدوا أنفسهم في مدخل قرية الحروش إلا من بعد تسعة أيام أي يوم:30أفريل1950.زيغود يوسف وبكوش اتجها نحو عائلة زيغود يوسف الطرايفة،بن عودة وبركات اتجها نحو عائلة بودرسة أين سبقا بزيغود وبركات.
   خلال شهر أفريل و ماي  كانوا مقيمين عند المناضل بودرسة عمار والذي كان أحد أقارب زيغود يوسف.في02جوان1951 قرر الحزب التحاق الهاربين الأربعة بالأوراس.زيغود وبن عودة اتجها نحو دوار عين كار،بكوش وبركات نحو دوار عين كباش.في شهر أوت1951 قام الجيش الفرنسي بعملية عسكرية بالأوراس.
  رجال الخفاء الذين كانوا يعيشون بالأوراس اجتمعوا بقسنطينة وكذلك الهاربون من بونة.زيغود يوسف وبركات عينا بميلة مع ذلك فإن زيغود لم يقطع علاقته ببوشريخة بكندي سمندو... »( ص:44 وما بعدها).
     تناول المجاهد إبراهيم شيبوط بالتفصيل حياة الشهيد زيغود يوسف بعد الانتقال إلى الكفاح المسلح فقد   شارك في اجتماع 22،وعند اندلاع ثورة التحرير كان على رأس فوج من عشرة جنود هجم على القوات الفرنسية،وتوقف مع هجومات 20أوت 1955م والتي خطط لها زيغود يوسف ففي شهر جويلية1955م تحدث زيغود يوسف مع كل من بوقادوم بشير بوبنيدر،بوجريوي،واسماعيل زقات،وساسي وبوركايب وبوشريخة ومجموعة من معاونيه المقربين من منطقة الوسط عن المشروع وبرمج اجتماعاً مع بن طوبال وبن عودة،وقد تم الاجتماع الذي حضره أكثر من مائتي جندي من بينهم عمارة العسكري بالمكان المسمى( قندابو) الذي يبعد خمسة عشر كيلومتراً عن سكيكدة،ولم تتسرب أية أخبار إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية،وخلال التسعة أشهر التي سبقت هجومات 20أوت1955م عمل زيغود يوسف مع مجموعة من مرافقيه جاهداً على تنظيم سكان الأرياف والمدن بالناحية الثانية من الشمال القسنطيني.
       وتطرق المؤلف إلى بعض الجوانب الإنسانية في شخصية الشهيد زيغود يوسف ومن بين ما ذكره أنه خلال زيارته القصيرة جداً لزوجته سألته عن قرب تحقيق الاستقلال فأجابها بالقول:نحن لن نحضره،وردد الآيات القرآنية الكريمة التي تبرز منزلة الشهداء عند الله سبحانه وتعالى.
   وفي إجابته لسؤال لإبراهيم شيبوط قال زيغود يوسف( أنا أتمنى السقوط شهيداً ولا أتمنى حضور الاستقلال حتى لا أحيد و لا أفسد بالإغراءات المادية والطموح السياسي المفرط).
  في ختام الكتاب أورد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة زوجته السيدة عائشة طرايفة وابنته شامة.
     ومما جاء في شهادة زوجته«زيغود يوسف كزوج وأب لا يمكن أن يقدم له أحد أي مؤاخذة فهو هادئ الطبع كان كثير التفكير لا تبدو عليه أية علامات غلظة طبعاً هذا معروف عند كل من تعرف عليه.باعتبارنا أقارب فإن الطبيعة لم تساعدنا الأطفال الستة الذين أنجبناهم توفوا ما عدا شامة المولودة عام:1948م عاشت بعد أن عانت منذ ولادتها من غياب والدها الذي كان منشغلاً بعمله بصفته مناضلاً وطنياً ...الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة لي كزوجة لزيغود يوسف امتدت من مارس1950إلى19مارس1962.خلال سنوات1950-1954كان زوجي يعيش مختفياً بالدواوير التي تحيط بالقرية أو بميلة أو الأوراس.وقد عاد إلى المنطقة للتحضير لأول نوفمبر1954م،ثم كان ينبغي أن يقود الناحية الثانية للشمال القسنطيني،حياتنا أنا وشامة لم تعرف الهدوء وجيش التحرير الوطني ألزم بإرسال ابنتي إلى تونس.سفر قامت به صحبة مجموعة مكلفة بجمع السلاح انطلاقاً من تونس.عاشت ابنتي بتونس ولم تدخل إلى الوطن إلا في الفترة الانتقالية،لقد عانينا ولكننا كنا أوفياء ليوسف الذي كان قد عودنا على استدعائنا للخشوع لذكرى 8 ماي.