بعد اختفاء جمال خاشقجي ماهي السيناريوهات المحتملة ؟ بقلم عبدالسلام فايز
تاريخ النشر : 2018-10-11
بعد اختفاء جمال خاشقجي ماهي السيناريوهات المحتملة ؟ بقلم عبدالسلام فايز


ربما لم يتوقع المسؤولون عن اختفاء الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي أن تصل أصداء الجريمة إلى هذا الحد الذي وصلت إليه اليوم ، و لم يكن في حساباتهم أن يصل الأمر إلى سُدّة البيت الأبيض و يتصدّر الخبر جميع الصحف العالمية ، و تصبح قضية اختفاء جمال خاشقجي الشغل الشاغل لأرباب السياسة و صُنّاع القرار في هذا الكوكب ، فما كان في مخيّلتهم ربما ، هو أن يُطوَى الملف سريعاً كما طُوي في أحداثٍ مماثلةٍ سابقة ، و أن تصبح القضية في طيّ النسيان خلال أيام معدودات ، كما حصل بعد اغتيال المناضل الفلسطيني نضال النايف الذي تمت تصفيته داخل مبنى السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا ، لكنّ الأمر كان على النقيض تماماً ، فخطيبة خاشقجي اليوم مدعوّة للقاء الرئيس الأمريكي من أجل بحث القضية ، و الاتصالات هناك في أعلى المستويات ، و هناك اثنان و عشرون عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون الرئيس دونالد ترمب بضرورة بذل مزيد من الجهود فيما يتعلق بقضية اختفاء الصحفي جمال خاشقجي ، بعد أن وجهوا الاتهامات إلى السعودية في هذا الصدد ، باعتبار أن خاشقجي شوهد آخر مرة و هو يدخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول .
لا علينا طالما أنّ جمال خاشقجي اختفى أو ربما قُتِل ، و لكنّ السؤال المطروح : ماهي السيناريوهات المحتملة بعد اختفائه على الأرض التركية ، و ورود أنباء تفيد بمقتله داخل مبنى القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول ؟!
السيناريو الأول : في حال ثبتت مسؤولية السعودية عن اغتياله و اختفائه و بالأدلة الملموسة التي تتزايد تباعاً ، فإنّ العلاقات السعودية التركية ستشهد قطيعة سريعة ، ربما تصل إلى درجة  إلغاء جميع الاتفاقيات المشتركة بين البلدين و إغلاق السفارات ، لأنّ ذلك يعتبر انتقاصاً من السيادة التركية ، الأمر الذي يرفضه المسؤولون الأتراك و في مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان ، الذي اعتاد السياسيون على مواقفه العاجلة في مثل هذه الظروف الحساسة ، أضف إلى ذلك التوتر الملحوظ في العلاقات القائمة بين البلدين ، الذي بلغ ذروته بعد الأزمة الخليجية ، و وقوف تركيا إلى جانب دولة قطر في مواجهة الحصار المفروض عليها من قبل السعودية و الامارات و البحرين و مصر ، الأمر الذي أزعج المسؤولين السعوديين ، و بالتالي فإنّ هذا التوتر سيكون شرارة البدء في حال تمّ توجيه التهمة بشكل رسمي إلى السعودية بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء جمال خاشقجي ، و ذلك بعد الضجة الكبرى التي أحدثتها عملية الاختفاء ، و وضعت تركيا في موقفٍ حرِج أمام سُيّاحها الذين يتوافدون إلى مدينة إسطنبول بالملايين ..
السيناريو الثاني و أنصاره لهم حضور واضح في الصحف و المواقع الالكترونية راحوا يبررون التراخي التركي في التعامل مع السعودية في قضية اختفاء جمال خاشقجي ، بأنّ تركيا لا تبني قراراتها على أوهام و مقالات فيسبوكية ، بل تحتاج إلى أدلة دامغة تثبت تورط السعوديين في هذا الفعل ، و بعدها سوف يتم اتخاذ القرار المناسب و الحازم بما يليق بحجم تركيا و حجم سياساتها الخارجية ، خاصةً أنّ هناك توجّساً تركيّاً من وجود طرف ثالث ربما ، يسعى إلى تشويه صورة السعودية و تقويض دورها في العالم الإسلامي ، و تقليل أنصارها عبر ارتكابه هذه الجريمة و إلقاء عبئها على عاتق السعودية ، لرمي فتيل الأزمة بين بلدين لهما دور قيادي كبير في الزعامة السنّيّة ..
لذلك يقول أنصار هذا السيناريو أنه لابد من التروي كثيراً قبل إطلاق الأحكام جزافاً ، لأنّ الأمر له عواقب خطيرة و يهدد مستقبل العلاقات التركية السعودية ، و بالتالي فإنّ المسؤولين الأتراك مضطرون في هذه المرحلة الصعبة إلى اتباع سياسة ضبط النفس حتى صدور النتائج النهائية ، و بناءً عليها سوف يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتورطين ..

السيناريو الثالث : و أنصاره قليلون ، و لكنهم موجودون ، إذ يقولون أنّ المسؤولين الأتراك لديهم أدلة كافية تثبت تورط السعودية في قضية اختفاء جمال خاشقجي ، و قد صرح أكثر من مسؤول بلغة التأويل تارةً ، و بلغة الاتهام تارة أخرى ، بأن جمال خاشقجي تمت تصفيته داخل مبنى القنصلية ، عن طريق رجال أمن سعوديين جاؤوا خصيصاً إلى مبنى القنصلية لتنفيذ عملية الاغتيال ، و كان من بينهم طبيب في تشريح الجثث ، و رجل أمن يحمل منشاراً من أجل تقطيع الجثة و نقلها إلى مكان مجهول .
و رغم كل هذه الأدلة التي هي في حوزة المسؤولين الأتراك ، إلّا أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر اتهام تركي رسمي للسعودية بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء أو اغتيال جمال خاشقجي ، و ذلك يعود إلى سببين اثنين :
أولهما أنّ تركيا لا تريد في الوقت الراهن مزيداً من الخصوم ، لا سيما في ظل الاحتدام السياسي القائم حاليا بين تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية القس الأمريكي المعتقل لدى تركيا ، و بالتالي فإنّ السعودية التي هي حليفة الولايات المتحدة في المنطقة ربما تبقى كشعرة معاوية و حبل الوصال الأخير بين الطرفين في حال فكّر المسؤولون الأتراك بإعادة المياه إلى مجاريها مع البيت الأبيض .
و السبب الثاني لعدم وجود حدة في الموقف التركي تجاه السعودية في الوقت الراهن هو أن تركيا تمنح السعودية بشكل مُبطّن مهلة من الوقت إمّا لإثبات براءتها من هذه القضية التي أحرجت تركيا أمام العالم ، أو لإخراج نفسها من هذا المأزق عن طريق إلصاق التهمة بطرف ثالث أو القيام بأي أمر ، للحفاظ على ماء الوجه أمام مؤسسات الصحافة التي اعتبرت اختفاء جمال خاشقجي قد يهدد مستقبل الصحافة و الإعلام في تركيا ..
و في حال تجاوزت السعودية كل هذه المهل التركية و ظلت مصرّة على أنّها بريئة من هذه التهمة براءة الذئب من دم يوسف ، دون تقديم إيضاحات و براهين ، فإنّ تركيا سوف تجد نفسها مضطرة لتنفيذ السيناريو الأول ، و هو اللجوء إلى لغة الحسم و الحزم مهما كانت التبعات و النتائج ..
أمام المسؤولين السعوديين اليوم سيناريوهات ثلاثة لا رابع لها ، فليختاروا ما يريدون ، فالكرة مازالت في ملعبهم حتى اللحظة ..