نظير شمالي في مراثيه على عتبات القادسية بقلم : ايمان مصاروة
تاريخ النشر : 2018-10-11
نظير شمالي في مراثيه على عتبات القادسية بقلم : ايمان مصاروة


نظير شمالي في مراثيه على عتبات القادسية

بقلم : ايمان مصاروة

الشاعر والأديب نظير شمالي من مبدعي الوطن وأبنائه البررة .. كتاباته متنوعة الأجناس .. جميلة وتستحق الدراسة والنقد . له كتاب تراثي واحد اسمه " كشكول الناس"..وكتابان للأطفال وأربع دواوين شعر..وواحد تحقيق عن شاعر عكي..ونشرت مئات المقالات المختلفة..و مئات الصفحات في تراثنا الفلسطيني. كان سروري مضاعفا عندما منحني شرف قراءة ديوان له .. كل ما فيه موسيقى شعرية أنيقة .. لغة ناصعة الجمال .. وعشق فلسطيني للأرض والتاريخ .

أعجبتني قصيدة قرأتها للشاعر نظير في ديوانه الجديد تحمل عنوان " مراث على عتبات القادسية " وظهر لي أنه قمر أدبي أخفته عنها غيوم الإهمال!! فيا حبذا لو تنقشع تلك الغيوم سريعا ليستمع جميع المتلقين بقراءة روائعه المضيئة ، في قصائد بديعة ، وأوزان مطربة شجية ، تعلن أن شاعرنا امتلك ناصية الإبداع ، واستطاع التحليق في سماء الإبداع فأجاد وأبدع .

قصيدة " مراث على عتبات القادسية " طويلة إلى حد ما .. تتألف من خمسة أجزاء .. العنوان يشي بالمضمون من خلال القادسية .. يحيل على معركة في القرن السادس الميلادي بين المسلمين والفرس المتحالفين مع الرومان .. وانتصر فيها المسلمون انتصارا بينا عظيما .. وارتفع لواء الحق ارتفاعا عاليا .. وزهق الباطل زهوقا .. فكانت هذه المعركة الخالدة مصدر إلهام للمسلمين الباحثين عن الحرية في التاريخ .. ومحركة لقرائح الأدباء والشعراء وبينهم مبدعنا نظير شمالي . ومما زاد من جمالية القصيدة ابتكاره في مجال الإيقاع .. بحيث أنه زواج بين تفعيلتين مختلفين في النغم داخل قصيدة واحدة هما متفاعلن الخاصة ببحر الكامل وفاعلاتن المعروفة بشكل خاص ببحر الرمل..وبالرغم من ذلك لم نشعر بأي نشاز في الإيقاع بل أضاف هذا الابتكار مزيدا من الفنية والشاعرية إلى القصيدة وصار أداة للكشف ، بحيث يفسر ثورة الشاعر على الواقع المعاش ، وانتقال عواطفه من حالات متعددة لكل منها نغم خاص

يقول شاعرنا في مطلع قصيدته :

بيدر الأفراح فينا كان قبلة

صار حلما مستحيلا

كانت الأرجاء للأبناء أُما بعدما كان الشتات

جاء العدى قالوا لنا " هذي حدود "

هذا المطلع الشجي يحدد أبعاد القصيدة ويشرحها شرحا واضحا ويرسم بورتريه لنفسية الشاعر ومستوى وعيه بقضايا الأمة .. إن القادسية هي النموذج للنصر والفرح ، صار حلما مستحيل التحقيق ، لا يصل إليه الواقع الأليم الطافح بالخسارات والخيانات ..والبلاد العربية التي أعزها الأسلام وامتدت لحدود الصين بعزيمة الأبطال وشجاعتهم أصبحت ممزقة .. وأصبح أهلها مشتتين .. والبلاد مفصولة الأطراف لأن أعداء الأمة صنعوا بينها حدودا ، تكسر مفهوم الأخوة وتزرع الضعف والاستسلام .والشتات لحِقَ بشكل خاص بالشعب الفلسطيني المظلوم بعد النكبة .. إنها قصة مأساوية لشعب ضاع وحقوق مهضومة !!

ويقول شاعرنا بعد ذلك المقطع :

كانَ امراً صاعقاً من كلب روم

عادت الثارات عدنا ، آهِ ، أشتاتا بطونا جاهليهْ

عادت قريش مثما عادت مضرْ

والسيف رعدا كانَ ، قصفاً صاهلاً

أضحى شطايا من رماد كالهشيمْ

إنه اختصار دقيق وعميق للحكاية العربية .. في عصر الانكسار المطلق !! حيث توارت الروح الإسلامية وعادت الثارات والنعرات الجاهلية ..وغابت البطولات والمعاني الحقيقية للشجاعة .. فالسيوف تلاشت قوتها بعد أن كانت صهيلا جبارا أصبحتْ شظايا متفتتة إلى قطع صغيرة لا وجود لها في معارك اليوم !!

ويضيف شاعرنا نظير شمالي في القصيدة ذاتها :

داع دعا من أرض تيه من غفار

أبكى البكا ، لكنما لم تفقهوا

قلت لم نسمع ففي الآذان وقر..صحت فينا:

" من جديد عاد زحف للمغول

يا بني قومي أضعتم دربكم والنصر ضاع

حين ضيعتم كتابا هاديا "

شاعرنا عزف على الوتر الحساس !! إن سبب تدهور حال العرب والمسلمين وغزو بلادهم من الأعداء .. هو تضييعهم كتاب الله ووضعهم إياه واء ظهرانيهم ، فتجردوا من تعاليمه السمحاء .. وتقاتلوا على الدنيا والمتاع الزائل .. ونسوا الله .. ونبذوا القيم الروحانية .. لهذا أضاعوا نصر القادسية .. وانقلبوا إلى حالة مزرية .. يشفق منها الأصدقاء والأعداء على حد سواء .

ويشدد شاعرنا على الفكرة بأوضح عبارة حيث يقول :

في جهلنا كنا نياما سُذجاً كالنعام

لم ندر ما الحقد الدفين

قد ثار حقد القينقاع

من جديد داست الأعناق أقدام التتار

هذا الجهل الذي أصاب الأمة العربية وأبعدها عن تاريخها العظيم جعلها تفقد الذاكرة !! فتنسى الحقد الدفين الذي ثار في بني قيعقاع ، عندها انهزموا أمام المسلمين في عهد الرسول الأكرم وتشتتوا في الشام وخيبر .. ثم استغلوا الهوان العربي ، وجبن الكثير من العرب ، فعاثوا فسادا في فلسطين واستولوا على التراب والتاريخ .

ثم يناشد الأمة العربية أن تعود إلى توازنها وتستعيد بريقها ونذلك بالعودة ظل الإله :

يا أمة التيه ارجعي تاهت بكم كل القلوبْ

بالهم ناءتْ بالجنونْ

يا أمة التيه ارجعي من غير أفياء الإله

إنها صرخة صادقة في هذا الزمن البائس الذي ضاع فيه العرب بين الأمم.. وفقدوا هويتهم ومبادئهم وشموخهم فيه ، وأصبحوا نهبا للعدى .

أمام هذه الواقع العربي الأليم يتساءل شاعرنا بمرارة :

كيف نصر القادسية ؟!!

ونحن الأمة الحيرى وموتى من عصور

كأهل الكهف دب الموت فينا ثم صرنا أمة الموتى

فلا نحيا .. أتحيا أمة الموتى رفاقَ الدرب؟!!!

السؤال الملحاح الذي يتردد في القصيدة : كيف نستعيد نصر القادسية ونعيد الهيبة لأمتنا العربية والإسلامية ؟ وأين الطريق إلى ذلك ونحن أموات في عالم الأحياء !! لأننا نمنا نوم أهل الكهف حتى تجاوزتنا الأحداث ، فوجدنا أنفسنا في عالم مختلف .. عالم الهزيمة المرة والاحتلال والنفي بعد أن كنا خير الأمم ، في عز وأمان ، وفي بلدان عربية حرة ، لا تحني جبهةً لعدو .

وشاعرنا الراقي يدرك هذه الحالة المؤسفة ، لكنه لا يريد نشر روح انهزامية بين القراء ، ولا يرفع الراية البيضاء مستسلما للواقع المر ، لهذا يدعو لعدم اليأس من خلال صوت آت من عمق الأشياء ، يناشد بالصمود والأمل . يقول شاعرنا :

لِمْ قنطتم يا عباد؟!!

لا تقنطوا من رحمة فاضت على بحر العباب

قام أهل الكهف من عظم رميم


لِمْ قنطتم يا عباد؟!!

لِمْ قنطتم يا عباد؟!!

قام أهل الكهف من عظم رميم!!

قام أهل الكهف من عظم رميم!!

هذه الكلمات جاءت مكررة في قصيدة الشاعر بهدف التأكيد البلاغي .. لترسيخ الفكرة في ذهن القارئ .. نداء متواصل صادق يريد إيقاظ الموتى ، ويقتبس من القرآن الكريم قصة أهل الكهف ، ودعوته لعدم القنوط من رحمة الله ، فرغم الليل الطويل ، فلا بد للشمس أن تنجلي .. لا بد للحرية أن تعلن قدومها رغم غيلان الشر والباطل .. فلا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس ، فكما أن من سنة الحياة أن يأتي الصباح بعد الليل ، والنور بعد الظلام ، فكذلك لا بد أن تأتي الحرية بعد الاحتلال ، والانتصارات بعد الهزائم .

كل التحية والتقدير للشاعر الراقي نظير شمالي 

الناصرة