عشرة أدلة للعلمانية من الفقه الإسلامي بقلم: سامح عسكر
تاريخ النشر : 2018-10-10
عشرة أدلة للعلمانية من الفقه الإسلامي بقلم: سامح عسكر


صديق يسأل: هل للعلمانية دليل شرعي من الدين الإسلامي؟

قلت: نعم ..لها عشرة أدلة

الأول: المصالح المرسلة، وهي المصلحة الغير منصوص عليها في الدين، أي فكرة يُستدل عليها بالعقل لتحقق مناط الشرع وهو (المصلحة) والعلمانية تعمل لمصلحة البشر عن طريق حمايتهم من رجال الدين وصراعاتهم الميتافزيقية وأفكارهم الخرافية المستبدة، وفي محاضرتي عن المصالح المرسلة في يوتيوب شرح لهذا الدليل وكيف أن العلمانية تحفظ مقاصد الشرع الخمسة، وبالاستصلاح هي الأصلح من كل التجارب السابقة، وبالاستصحاب هي الأفضل لسبق نجاحها في نهضة شعوب أخرى.

الثاني: دليل الموافقة..ويعني المساواه بين دلالة النطق ودلالة السكوت، فإذا قال الشارع قولا أو أوجب حُكما صار مساويا لقيمته المسكوت عنها كقوله تعالى "ولا يظلم ربك أحدا" هذا نُطق يساوي (عدل الله المطلق) المسكوت عنه، والعلمانية تهدف للعدالة المطلقة بأن يعود الدين لأصله كسلوك تربوي مبني على حرية الاختيار، أما شئون الحكم الدنيوية تكون منفصلة عن العقيدة ذات الطابع الأخروي.

وهذا الدليل يفرق بين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وأحيانا تكون له علة ظاهرة وأخرى خفية ، يستعمله الفقهاء كدلالة تنبيه على حكم شرعي اجتهادي بكثرة.

الثالث: دليل الضرورة..ويعني فقدان الخيار لصالح ضرورة واحدة تحفظ حياة الناس وأملاكهم وعقولهم، والعلمانية الآن أصبحت ضرورة بعد فشل كل تجارب الإسلاميين والحكم الديني الذي حوّل حياة الناس إلى جحيم..ودليله من القرآن قوله تعالى " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"..[البقرة : 173]..بعضهم قال أن الآية في الأطعمة والضرورة هنا للحياة إذا حضر الهلاك، والجواب: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لعدم اشتماله أي إشارة للأطعمة إنما هو تقرير عموم لخصوص.

وبنفس دليل الضرورة يُستدل على العلمانية بسد الذرائع، فهي حصن لكف الأذى عن المجتمعات من الإرهابيين وتسلط رجال الدين وتكفيرهم للناس على الصغائر.

الرابع: العلمانية خاضعة لقاعدة "نصب الدليل على المسألة" أي أنها ليست شرعا في ذاته، فالله لم يقل بالعلمانية..ولكنها (دليل للشرع) يسوغ فيه الخلاف، وعليه فيجوز القول بأن العلمانية اجتهاد بشري لتفسير الدين كاجتهاد الخلفاء في تفسير سلطانهم دينيا، وهنا العلمانية أصبحت شأن دنيوي يحترم أصول الدين ويتبع قواعده في الاستدلال باستنباط طرق حُكم رشيدة في صالح المجتمع ، مع العلم أن الفارق بين الشرع ودليل الشرع هو الفارق بين الإسلام والعقل، فالعقل أداه لفهم الإسلام، كما أن العلمانية وسيلة لا غنى عنها لفهم الشريعة بالحريات وتدافع الأفكار..

الخامس: العقل الاستدلالي، وهو يختلف عن العقل الصريح الجامع بين كل البشر، فالعقل الاستدلالي هو ما يعمل لفهم الدين والحياه والكون بطريقته الخاصة، بينما العلمانية جاءت بعقل استدلالي وبطريقة خاصة مختلفة عن طرق تفكير كثيرة، لذا فهي مشروعة.

السادس: شرع من قبلنا..فالثابت أن كل الأنبياء قبل رسالة الإسلام جاءوا بدعوة غير كهنوتية لا سلطة فيها لبشر مميزين، وأن كل الرسالات جاءت لإصلاح عيوب المجتمع ونشله من الفوضى الاجتماعية والفكرية، والإجماع الآن أن مجتمعات العرب والمسلمين تعاني من حالة فوضى وانحطاط وعيوب كبيرة بحاجة إلى رسالة واضحة المعالم، لا يُشترط أن تكون دينية..بل تخضع معالمها للاجتهاد، علما بأن بنيوية هذا الدليل لها علاقة بفرع من الدليل الأول الخاص بالاستصلاح ضمن المصالح المرسلة.

السابع: دليل المباح، وهو ما لم يحتوي في مضمونه أمرا ولا نهيا، وخُيّر الناس فيه بين الفعل والترك، وطالما أن الدين لم ينه صراحة وبنص قطعي الثبوت والدلالة عن العلمانية، فهي إذن مُباحة، وإذا أسرف خصومها في بيان فسادها فهو اجتهاد قابل للرد والنقاش، خصوصا وأن تعريف العلمانية لا يتعلق في جوهره بأي موقف من الدين، بل سلوك محايد أساسه المواطنة والمساواه.

الثامن: العلمانية شرط للحضارة، فحسب تعريف وول ديورانت للحضارة قال هي "ثقافة منتجة" أي ليست كل الثقافات منتجة ومتحضرة، وشرط التحضر بالعلمانية هنا مرجعه (دليل الشرط) في أصول الفقه كأمر يتوجب عليه وجود الحكم من عدمه، فإذا قلنا أن الحضارة حُكم، فالعلمانية شرط له، وثبت من التاريخ استقراءا أن كل الحضارات التي ظهرت وُجدَت بإنتاج معرفي، بينما الحكومة الدينية تحظر هذا الإنتاج بدعوى صدامه مع الدين، وهذا الدليل مرجعه الإنساني بالحريات لتعلق جوهر العلمانية بحرية الدين عبر فصولها الثلاثة (الرأي – التعبير – ممارسة الشعائر)

التاسع: شريعة الإسلام قامت بوظيفة (الواعظ) فالنصح والدعوة كلاهما سلوك الأنبياء والمصلحين، بينما العلمانية تؤمن بدور الواعظ في إصلاح المجتمع ، ولكن منعت تسلطه لنسبية آراء الواعظين وحمل توجهاتهم أحيانا على الرغبة وشهوة التملك، فالواعظ في النظام العلماني له دور أخلاقي ورقابي لا يقل عن دور الأحزاب في مراقبة الحكومة، لكن الإيمان بدور ذلك الواعظ علمانيا لا يعني الاستغناء عن خصومه، الكل لهم دور..فقط هذا جزء من الكل، والإيمان بكلية العدل – في الدليل الثاني - مع جزئية دوار الواعظ يثبت أن العلمانية لا تتعارض مع الشريعة في شئ، بل أوجدت نظاما بديعا يصبح فيه دور الواعظ فقط للعدل لا غير..

العاشر: دلالة تضمن العلمانية طلب العلم، وهذا يتسق مع أوامر القرآن في عشرات الآيات بوجوب العلم، ولو فسرها آخرون بالدنيوية ..فدلالة تضمنها تعني الاهتمام بشئون الدنيا كدار عمل، أي أن التعلمن يحض في حقيقته على العلم والعمل معا بهذا الدليل أو الأداه الفقهية المشهورة (بدلالة التضمن) نفس الشئ بدلالة الاقتضاء، فإذا كان الإسلام يحض على العلم والعمل معا، فالعلمانية تقتضي نفس الشئ..

المشكل في تشويه العلمانية وجعلها مصادمة للأديان أن تعريفها مختلف عليه بشكل حاد، ومن إحدى هذه التعريفات وجد انطباعا سلبيا عنها، من تلك التعاريف فصل الدين عن السياسة، وفصله عن الدولة، وفصل المقدس عن الدنيوي، وفصل الأخروى عن العملي، وفصل العلوي عن السفلي إيمانا من كل هذه التعاريف أن شئون (الإدارة) هي من عمل الإنسان تخضع لرغبته وقدراته الشخصية، بينما ربط هذه الرغبات والقدرات بالدين يعني تأليه البشر فورا..

تعريف فصل الدين عن السياسة هو الذي أوجد المشكلة، لأن كلمة السياسة تعني سلوك لحل المشاكل عقليا، الحكم والإدارة هذه مشاكل فالسياسة تعني حلها، وهذا خلق معضلة لتشابه هذا التعريف مع الدين الذي هو في ذاته سلوك لحل المشاكل، تعدد الآلهة والظلم الاجتماعي والاستبداد والطبقية هذه مشاكل جاء الدين لحلها وفق منظور سلوكي، أي انطبع في أذهان الإسلاميين تشابها بين الدين والسياسة من هذا الجانب، فعندما يذكر لهم فصل عن الدين عن السياسة يُترجم فورا في عقولهم أنه تحلل من كل القيم والأخلاقيات التي حملتهم على الاعتقاد..

بينما تعريف فصل الدين عن السياسة في أدبيات العلمانيين يقصدون به فصل الدين عن الدولة، أي أن المعضلة بين الفريقين – الأصولي والعلماني – هي في اصطلاحات وإسقاطاتها العملية، لأن الدولة كمصطلح مختلف كليا عن الدين، هذا كيان محدد جغرافيا أو ذهنيا، وهذا سلوك يُقصد به حل المشاكل، من هنا وجب حل المشترك المعنوي بالحوار.

باختصار: إن كل هذه التعاريف للعلمانية تصب في اتجاه واحد عندي هو الأفضل ، ويعني (فصل سلطات رجال الدين التنفيذية عن المجتمع) لأن الهدف من التعلمن ليس القضاء على رجال الدين أو بخس حقوقهم أو ظلمهم بأي شكل، بل نزع سلطانهم كحكام موازيين أو حصريين فقط، والتجارب ذهبت لإثبات أن التدين في ظل العلمانية أفضل من التدين في ظل الحكم الديني، الأول يصبح تدينا حرا مبني على العقل والاختيار، أما الثاني سيكون مبني على القهر والإجبار..بينما الأديان قامت على المبنى الأول لا الثاني