في مدينة كوشهير بقلم:أ.د.محمد البوجي
تاريخ النشر : 2018-10-10
في مدينة كوشهير بقلم:أ.د.محمد البوجي


في مدينة كوشهير:

أنزل السائق الشنط الصغيرة وغادرنا مبتسما ، استقبلنا موظفو الفندق ، في بهو الفندق وجدت أعز أصدقائي من نابلس ، كانت المفاجأة لهم ، لم يصدق الدكتور إحسان الديك أنني أمامه ، وقف برهة ينظر ، ثم قفز بشدة نحوي يعانقني، مش معقوول ، كان معه الزملاء الدكتور نادر قاسم من جامعة النجاح والدكتور مشهور سرور من جامعة القدس والدكتورة آمال حنيش من التربية والتعليم في نابلس ، كان لقاء حارا ، بعد أن وصلنا موقف الحافلات الرئيسي في كوشهير ، ركبنا سيارة الأجرة بتوصية من شرطة المحطة إلى الفندق ، ولما عرف السائق أننا من فلسطين وأنني جئت إلى جامعة ( آخي أوران ) سار بهدوء حتى نرى المدينة ليلا ، شوارعها واسعة ، السيارات قليلة ، الناس يسيرون بهدوء ، مدينة فيها جسور وكباري للسيارات والمشاه ، شوارعها خضراء بالأشجار والحشائش ، في الفندق بالكاد تعرف الموظفة شيئاً من الإنجليزية ، صعدنا إلى غرفتنا في الطابق الثالث، نظرت من الشباك ترى الأشجار على مدى البصر الجبال الشاهقة ، عدت إلى أصدقائي وتعارفنا على بعض. الزملاء من إيران ومن بعض المناطق التركية النائية كلهم أساتذة جاءوا من بعيد لإحياء دراسات الموتمر حول : الفتوة في الشعر العربي في العصر الوسيط ، وكانت ورقتي حول : الفتوة في شعر صفي الدين الحلي ، ذلك الشاعر العربي الذي حرض الجماهير ضد احتلال المغول بغداد وتدميرها ، لم أنم تلك الليلة جيداً ، المياه عذبة والكهرباء لا تنقطع ،تذكرت بلادي وما ابتلينا به من جماعات لا تعرف من الدين إلا الجباية وسرقة قوت الناس وثقافة الحقد والكراهية والاستغلال ، صباحاً تجمعنا سوياً في صالة الإفطار كل شيء موجود تناول ما تشاء ، على معدتك أن تتسع لكل شي ، فرصة قد لا تتكرر، نأكل ونضحك مع الزملاء ، نضحك بصوت عال دون الجميع ، هل لأننا من بلاد لا تحترم أهمية العلم هل لأننا من بلاد تلفظ أهلها بسبب الطواغيت ، ركبنا الحافلة إلى الجامعة حيث الموتمر، الجامعة حديثة العهد عمرها لا يتجاوز خمسة عشر عاماً لكن المباني فيها فخمة كبيرة أرضها واسعة جدأ تتحرك بها بالسيارات عدد طلابها أكثر من واحد وعشرين ألفا، وعدد العاملين بها ثمانمائة أستاذ وخمسمائة موظف إداري رأيت فتيات يعملن في النظافة داخل الجامعة. جاء في الصباح صديقي الأستاذ الدكتور - سيف الدين قورقامز- سأل عني شخصياً تعانقنا، طويل القامة بسيط جداً صاحب نكتة وقفشات لذيذة ولاسعة تنم عن ذكاء وعبقرية يحب فلسطين يطلقون عليه لقب الفلسطيني التركي ، في الجامعة استقبلنا الأساتذة والموظفون استقبالا حاراً وانا في حالة دهشة من روعة المكان وفخامة المباني الكثيرة ورقي التعامل ، تحمل الجامعة اسم (آخي أوران ) أوران شيخ صوفي كبير عندما هجم الأعداء على مدينة كوشهير قاد حملة للدفاع عن مدينته وكان عمره اثنان و تسعون عاماً فمات شهيدا في المعركة لهذا خلدوا اسمه على هذه الجامعة وله قبر ومقام كبير وضعوا عليه تمثالاً كبيراً له يخلد شخصيته . كان حفل الافتتاح في قاعة فخمة تحمل اسم ذلك الشهيد ، يطلقون على القاعة كلمة (صالون) وكل صالون يحمل اسم شخصية مشهورة في التاريخ التركي القديم والحديث. هنا فقط يعتزون في تاريخهم وشخصيات تركية وسلجوقية حتى أسماء محطات القطارات تحمل أسماء الخلفاء الأتراك الكبار. أما الأماكن الكبرى فهي تحمل اسم قائدهم العظيم مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. ألقى رئيس الجامعة ، الأستاذ الدكتور وطن قرقان ، كلمة في خمس دقائق فقط. رحب بنا جميعا وعن أهمية المؤتمر ثم رحب بالوفد الفلسطيني على وجه الخصوص ، كذلك نائب رئيس الجامعة ، الأستاذ الدكتور أحمد غوكيال ، الذي رحب أيضاً بالوفود المشاركة وخصنا بترحاب فيه مودة ومحبة. ثم قام الوفد الفلسطيني وقدم لرئيس الجامعة درع جامعة النجاح في نابلس و كوفية فلسطين ، وقد سعد بذلك وشكرنا كثيرا . قبل بداية جلسة الافتتاح ذهبت أنا والدكتور سيف الله قورقماز في مكتبه هناك التقيت بطلابه والتقطت معه صوراً تذكارية ، في جلستنا الخاصة بفلسطين أنا والدكتور حسين الديك والدكتور نادر قاسم والدكتور مشهور سرور وكان الدكتور سيف الدين يترجم ما نقول ، وجهت في كلمتي تحيةً من غزة فلسطين المحاصرة وتكلمت عن حصار الجيش الإسرائيلي لغزة براً وبحراً وجواً وكيف أنهم يسرقون المياه وأسماك البحر ، ويقطعون عنا الكهرباء ، تكلمت عن المناخ العام في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي وأني جئت هنا زيارةً لأرى أولادي وأحفادي لأنهم لا يستطيعون العودة إلى بلادهم ، ثم تكلمت باختصار عن :الشاعر العربي صفي الدين الحلي، وقد وجدت كلمتي صدى كبيراً حيث صفق الحضور أكثر من مرة. طلاب جامعة (آخي أوران ) أحرار في أزيائهم. تناولنا طعام الغذاء في مطعم الجامعة المخصص للأساتذة فقط ، نادلات يقدمن الطعام ويعملن في النظافة لاحرج في ذلك. تقع الجامعة على قمة عالية تستطيع مشاهدة المدينة كاملة. مدينة صغيرة قد لا يتجاوز عدد سكاناها النصف مليون نسمة. فيها عدد لا بأس من اللاجئين العرب لأن تكاليف السكن فيها بسيط بما يعادل الخمسين دولار تستطيع ان تستأجر شقة واسعة شهريا ، وناسها طيبون يخدمون الغريب ويقدمون لهم المساعدة في الطعام وأثاث البيت كما حدثني صديقي العراقي الذي يقيم فيها. الحقيقة أقول: رأيت في مدينة كوشهير أجمل صبايا مدن تركيا، في المساء تجولت في السوق وهو شارع رئيسي كبير تذكرت شارع عمر المختار في غزة ، تخيلت كبار التجار وهم في السجون بسبب الضائقة المالية وكثرة فرض الضرائب . تجد الصبايا في كوشهير بمختلف الأزياء ، جميلات جدا ،أجمل من بنات اسنطبول لا أعرف السبب. ذهبنا في اليوم الثاني نحن الوفد الفلسطيني لزيارة نائب رئيس الجامعة في مكتبه الأستاذ الدكتور أحمد غوكيال ، استقبنا بحرارة ثم قدمنا له هدية تذكارية وطلب منا الحضور في العام القادم في نفس الموعد. كوشهير مدينة فيها ينابيع باردة و مياه كبريتية . الفندق الذي أقمنا فيه هو مبني فوق ينبوع مياه كبيرتيه. كنا ننزل صباحا في الثامنة إلى الطابق السفلي فنجد حماما ساخنا بالمياه الكبيريته حدث أنني ذات مرة نسيت حذائي في الحمام الكبريتي وخرجت بحذاء خاص بالحمام عدت لأسترجع حذائي وأنا لا أعرف التركية وإذا بي في حمام السيدات صرخت بي السيدة المسئولة مشيرة ً بالخروج بسرعة وهي تقول.. بيان بيان.. أي سيدات سيدات ، وأنا قول لها .. ماي شوز ماي شوز .. أي حذائي ثم تداركت خطأي وخرجت بسرعة وأنا خجول جدا نادم على خطأي.

تعارفنا في المؤتمرعلى بعض أساتذة أتراك يدرسون الإلهيات أي الدين الإسلامي على مذهب أبي حنيفة النعمان وتبادلنا العناوين وطلبوا مني زيارتهم على أن أنزل في ضيافة الجامعة أي فندق الجامعة المخصص لكبار الزوار ، وهذا موجود في كل الجامعات ،وعدتهم بذلك وقد أفعلها قريباً.

السفر في الطائرة جميل جدا لكنه أصاب أذني بطنين مؤقت كذلك طلب مني الوفد الإيراني زيارتهم وقد وعدت بذلك بزيارة طهران. في اليوم الثالث خرجنا جميعا في رحلة زرنا الحديقة اليابانية وفيها متحف أقامه اليابانيون تجد فيها آثارا تركية سلجوقية قديمة أعتقد أن الزلازل قد طمرتها ثم أعادوا البحث عنها من جديد . إنها حديقة واسعة فيها بحيرات مياه عذبة وفيها أسماك كبيرة ملونة ، ثم ذهبنا لزيارة ضريح الشاعر التركي المناصر لثورة أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى إنه الشاعر.. محرم أوغلو .. وهم يعتزون بشعره وبانتمائه القومي لتركيا بخلاف الشاعر ناظم حكمت الماركسي الكبير المعروف عالميا والمنسي في تركيا رغم أنه شارك أتاتورك في ثورته لكنه عارضه بعد ذلك. ثم زرنا مسجدا قديما عمره حوالي ألف عام في وسط كوشهير، كان في الأصل مدرسة لتعليم الدين الإسلامي. دخلنا غرف صغيرة كان يتعلم فيه الطلاب إنه مبني بطراز قديم رائع جدا. تجد في مدينة كوشهير جبالا ذات ألوان متعددة نتيجة المياه الكبيرتيه. تجد حدائق واسعة تمتلئ بالزهور والأشجار المثمرة مدينة صغيرة ليست بحاجة إلى قطارات أو حافلات داخلية كثيرة ،لكن الجامعة وفرت لطلابها أكثر من ثلاثين حافلة تقلهم إلى أماكن سكناهم بسعر زهيد.