لتركبن طبقا عن طبق بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2018-10-10
لتركبن طبقا عن طبق بقلم: عادل بن مليح الأنصاري


لتركبن طبقا عن طبق ( عادل بن مليح الأنصاري )


ليس من السهل تتبع أطوار التاريخ في تفسير الأحداث التي يمر بها هذا الكائن الذي استعمر الأرض من تاريخ غابر , من المجهول وحتى ظهور المجتمعات البدائية التنظيم , مرورا بهذا الطور المجنون الذي نعيشه , ومن المؤكد الأطوار القادمة التي لا يمكن التنبؤ بمستوى الجنون وما سيؤدي إليه هذا القفز الهائل في كل المجالات , التغيرات الحضارية صارت في سباق مع تسارع الزمن , فلا تكاد تتفتق أذهان العلماء عن تقديم حلول واختراعات مذهلة حتى تصبح بعد وقت قليل بدائية بالنسبة للتطور التالي والذي ربما لا يفصل بينهما إلا زمن لا يكاد نشعر به , ( الأطباق ) التي يركبها البشر وينتقلون فيها بين مرحلة وأخرى أصبحت أسرع وأكثر عبقرية وكذلك مخيفة أكثر لما تطرحه من احتمالات قادمة ربما لا نتنبأ بمدى تأثيرها على حياتنا ونقلها من ( طبق ) إلى ( طبق ) أكثر جنونا أو ربما أكثر رفاهية وكذلك ربما أكثر تدميرا , هل ستقدم هذه الثورة المجنونة والممتزجة بهذا التسارع المخيف للزمن حلولا للكثير من مشاكل البشر , أو ستساهم في القضاء على مسيرة الحياة البشرية ربما بضغطة زر أو بمعادلة صغيرة يتفتق عنها ذهن رجل ما في معمل ما , لن ننسى أن معادلة صغيرة خرجت من ذهن ( أينشتاين ) لا تتعدى ثلاث سنتيمترات على ورقة تسببت في فناء ما يقارب ( 280000) إنسان في أيام معدودات , وكأنها كارثة كونية من الصعب تخيلها , عدا الدمار المروع الذي قضى على منشآت مدنية تطلب بناؤها عشرات السنين من قبل البشر , كل ذلك في ساعات معدودة , إنها عبقرية الفناء التي يضع قواعدها الإنسان بإرادته الحرة وبسعيه الحثيث بين جدران المعامل لينتج وسائل الحياة والرفاهية وكذلك وسائل الموت والدمار من أليات وجراثيم وحتى الحروب النفسية وما تسرب خارج تلك المعامل من أشكال جهنمية للفناء وتكبيل البشر بشتى أنواع الطرق التي لا تخطر على بال أولئك البسطاء الذين يستيقظون كل صباح ولا يهتمون إلا بتأمين رغيف الخبز لهم ولأبنائهم .
المستقبل لو تحققت فيه بعض التسريبات التي تطالعنا بعض الأحيان عبر بعض وسائل الأخبار الكثيرة يتحدث عن وسائل جديدة للموت أو للسيطرة أو لفرض العبودية بالقهر التقني , فحروب البيئة يمكن لها أن تحدث أضرارا لا تستطيع مخيلات المفكرين من تصورها , فإحداث البراكين والزلازل والأعاصير نحو الأهداف التي يريدها أصحاب القوة تستطيع محو مدن ودول عن خارطة الأرض , وهذه كفيلة بتركيع أي زعيم دولة لمطالب أصحاب القوة تلك , وفي حال استخدام تلك الأسلحة البيئية بين أقطاب مختلفة لا شك أن كل البشر سيدفعون الثمن غاليا وكارثيا , ناهيك عن القدرة على السيطرة الفكرية على عقول الخصوم وفرض تصرفات محددة عليهم وتوجيههم نحو أعمال معينة , مما يعني أن السلاح سيوجه لبعض البشر من خلال قادتهم وأصحاب القرار بينهم بكل بساطة وبعد عن تحمل وزر نتائج تلك الأعمال أيا كانت .
لا شك أن تلك التطورات المتسارعة يمكن لها وبكل جدارة أن تقدم حياة مختلفة تتحقق فيها انتصارات بشرية مذهلة من القضاء على الأمراض وزيادة الرفاهية المعيشية والغذائية والحياتية لبني البشر , كما تخبرنا صفحات التاريخ من إحداث تلك التغيرات الإيجابية كابتكار الكهرباء والسيارات والطائرات وبعض الأفكار الطبية التي قللت من قسوة الأمراض المستعصية ذات زمن , ولكن الإنسان وكما يخبرنا التاريخ لن يتورع من توجيه بعض تلك المنتوجات العبقرية لفرض السيطرة على الأخرين تحت شتى المسميات سواء أكانت محاربة الإرهاب أو إخضاع المجتمعات المتمردة أو إشباع الرغبة في السيطرة ومحاولة قيادة العالم من قبل فئة محددة فقط , وربما لممارسة نوع من الجنون العلمي الذي يتوارى في عقول بعض العلماء أو حتى لمجرد صدفة علمية تعثر فيها مجنون ذات لحظة .
إن المنطق المخيف في كل هذا العبث الذي يلوح في الأفق هو نظرة بسيطة نحو الماضي القريب , فهذا الجيل ركب (طبقا)غير عادي , بل متفجر من حيث التطور والمعرفة والتغيير , ففي خلال 50 سنة فقط يشهد الكثير من البشر الذين مازالوا يتذكرون ويمكنهم الرجوع لمرحلة الطفولة ليشاهدوا العالم قبل 40 سنة مثلا , ويقارنوه باليوم , هي فترة لا تكاد تذكر في تاريخ البشر , ولكنها حافلة ومتفجرة بالتغيير والاختلافات التي يلتمسونها دون قراءة التاريخ وصفحاته القديمة , هذا القياس المنطقي لو تتبعته العقول الواعية وتخيلت عجلة التطور الهادرة لخمسين سنة قادمة وبنفس الوتيرة , لا شك أنها ستقف عاجزة عن تصور ما يمكن للبشر معايشته أنذاك , ولكن جميع الاحتمالات واردة , فإما رخاء وتذليل لكافة المشاكل الموجودة اليوم في كافة مناحي الحياة , وإما ستحدث تلك الطفرة دمار لا يمكن تصوره , لتعود عجلة الحياة حيث بدأت , وربما يستمر البشر بلعب ذات الدور الذي تعودوا عليه منذ تفجر نهضته العلمية والمعملية فتتجاذبه أدوار الشر تارة وأدوار الخير تارة أخرى .

ولكن حيث نقف اليوم أكاد أجزم أن السنوات القليلة القادمة عصيةً على التنبؤ بكل المقاييس .