الطوفان و فُرقة الإخوان بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2006-06-10
خليط من الأزمات و الصراعات يمتزج بحصار خانق و تحديات، وتبدل واضح في حال المقدام ليصبح محجاماً، و تحول ملفت في موقف المندفع ليضحي متردداً، يحسب لأي خطوة ألف حساب، و يفكر ملياً في عواقب و محاسن تعقيدات و تشابكات مجتمعنا، و شابت الحكومة الجديدة قبل أوانها بفعل عوامل الزمن الأمريكي، و تبدلت اللغة الرسمية لبلادنا من الحوار و التعاون إلى التهديد و الإتهام، و ظل الموظف ينتظر ما طال انتظاره، و بقيت المستوطانات رابضة على أرضناً، و استمر بناء الجدار، و كذلك الاغتيلات و الاجتياحات و الاعتقال، أما الجديد فوثيقة يجري التحضير للاستفتاء عليها لتحل بعض عقد هذا الزمان، علها تروي قلوبناً بماء عذب من ينابيع الطمأنينية و الأمان.

الجميع في أزمة، فالشعب مازال يعاني الفقر والبطالة، و وضع اقتصادي مترد غير مسبوق، إضافة للإغلاقات و الحواجز، و مازال يفتقد الأمن داخلياً من الاقتتال بين الفينة و الأخرى، و خارجياً من الاجتياحات و الاغتيلات الإسرائيلية. و على المستوى الوطني، وجد الشعب الفلسطيني أن المسافة تبعد أكثر و أكثر عن الدولة التي طالما حلم بها و ما زال يستيقظ يومياً على نار التضحية من أجلها. أما آخر الأزمات فهي أزمة الرواتب و التي دخلت شهرها الرابع دون الوصول لحل جذري لهذه القضية. الحكومة الفلسطينية الجديدة بدورها في أزمة كبيرة و هي أزمة الثقة بينها و بين الناخب بفعل عجز الحكومة الواضح عن أداء دورها، و الذي يرجع لعوامل كثيرة نحن في غنى عن التطرق لها الآن. تعاني كذلك الحكومة من أزمة صلاحيات مع مؤسسة الرئاسة و إن كانت جميع هذه الصلاحيات ما هي سوى فتات من إسرائيل و من اتفاقيات انتقالية لم يجري مراجعتها منذ انتهاء زمنها القانوني في 1998. أما الرئاسة الفلسطينية فتعاني بدورها أزمة ثقة و مسئولية دولية تجاه القوى العالمية الكبرى و اتفاقيات تم توقيعها و الالتزام بها. كذلك تعاني الرئاسة تبعات قرارات و تصرفات الحكومة الفلسطينية بصفة الرئاسة قمة هرم هذه السلطة و المسئول المباشر أمام الشعب و العالم الخارجي عما ستؤول إليه الأمور في هذه البقعة الساخنة. أما حركة فتح فقد بدأت أزمتها منذ حين و ظهرت على السطح حين ظهرت نتائج الانتخابات التشريعية، أما في الآونة الأخيرة فتكمن أزمتها في إثبات وجودها كمعارضة منظمة و فاعلة و قدرتها على إقناع الشارع بما لم تستطع إقناعه به إبان الانتخابات.

و بدورها فتكمن أزمة الدول العربية بعدم قدرتها على تقديم دعم سياسي أو حتى اقتصادي للفلسطينيين في ظل الضغوط الأمريكية و الغربية المفروضة عليها. أما خارجيا، فالولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها أمام نموذج لحكومة إسلامية أولى في منطقتنا العربية، و نجاح هذه الحكومة سيكون سابقة و حافزاً لغيرها من الدول و الشعوب الأخرى. أما مشروع الديمقراطية الأمريكية التي بدأتها منذ حين، فنجاح حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية دفع بالولايات المتحدة الأمريكية لتجميد هذا المشروع و البحث عن بديل جديد. أما الإتحاد الأوروبي و المعني باستقرار في هذه المنطقة لأسباب اقتصادية و سياسية و سيادية، فوجد نفسه أمام دفع الأمور نحو الانفلات الأمني الكامل و ذلك لعدم قدرته قانونياً دفع الأموال من منح و مرتبات للفلسطينيين حين صنف حماس كحركة إرهابية. أما إسرائيل فهي بدورها في أزمة اختيارات و أطروحات، فلو استمر الحظر على الفلسطينيين و انهارت السلطة، فستؤول الأمور لغير ما تتمناه، فحدوث انفلات أمني كامل في أراضي السلطة قد يصيب إسرائيل جانباً من هذا الفلتان و خاصة أنها بدأت تبدي قلقها الشديد من تطور معدات الفلسطينيين العسكرية، و إن كانت بدائية مقارنة بها. أما اقتصادياً، فمن الواضح تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بحالة الضمور الذي يعاني منه نظيره الفلسطيني و انعكس ذلك علىتراجع واضح في النشاط الاقتصادي و حركة الأسواق داخل إسرائيل بشهادة المراقبين.

يقول أبو العلاء المعري أن الاستعمار لا يحب غير رسيس العظام و ريح القتر، و هذا ما تفعله إسرائيل بنا، فتقيد النار الهادئة و تقوى مشاعر الفتنة التائهة و تزج بالفلسطينيين نحو حصار يقلبنا على بعضنا لنبدأ صراعات و مفاوضات فلسطينية فلسطينية. أما آخر هذه المفاوضات فمحورها وثيقة بواسلنا الأسرى القابعين خلف القضبان، ليعطوا أملاً في حل إحدى معضلات هذا الزمان. إن أمعنا النظر في فحوى خلافات المفاوضين حول هذه الوثيقة نجد أن ما هو خارج هذه الوثيقة و الاستفتاء هو أساس الخلاف، فإن قام الاستفتاء، فقد تضر فئة بنتائجه إن كانت بالتأييد، و إن لم يقم الاستفتاء، ففئة أخرى ستضر ببقاء الحال على ما هو عليه. هناك حقائق لا ريب فيها، و أمور منطقية لا يختلف اثنين عليها، فقدرة الحكومة الجديدة على اختبار صبر الشعب و صموده لن تدم طويلاً، و خاصة أن الأمور بدأت تتجه شيئاً فشيئاً نحو الانهيار، فبدأنا بقضية الرواتب، و اتجهت المشكلة في اتجاه نقص مواد أساسية في حياة كل بيت مثل الغاز و الكهرباء و غيرها، أما الأمر الثاني فينصب حول تخمينات و توقعات بنتائج هذه الوثيقة، فليس هناك ما يضمن أن تحل الوثيقة الأزمات الداخلية و الخارجية أو أن تقوم بتغيير وضع الحصار و الخروج من حالة الضعف و الانكسار، ثم إذا ما حدث الاستفتاء ستكون المعضلة الحقيقية آنذاك هو القبول بنتائج الاستفتاء و هي كلمة الشعب أم الانتخابات و صندوق الاقتراع و هي قرار الشعب أيضاً. بمراجعة وثيقة الأسرى، نجد أنها تحمل في طياتها الثوابت الوطنية التي لا يختلف اثنين عليها، و قبول لقرارات دولية أنصفت و لو قليلاً شعبنا الفلسطيني، و إطار معقول و مقبول للمقاومة، و إطار سياسي جامع لكل القوى الوطنية، أفلا يستدعي الأمر مزيداً من الحوار و الاستماع أكثر لبعضنا البعض عسى أن نصل لأفضل صيغة لهذه الوثيقة يرتضي بها الجميع.

لنجلس سوياً كفلسطينيين، بعيداً عن أي عصبيات حزبية، و لننفض ذوات صدورنا و لننثر مكنون أمورنا و لنجمع القلوب و لنستعين بالله، و لنوحد كلمتنا، و لنبحث عما يجمع ولا يفرق، و يصون و لا يبدد، و يوحد ولا يجزئ و إلا فستكون النتائج صواعق من الشقاء و رعود من البلاء، و أمواج عاتية من العناء، فهذا قوم تمنى خيراً فبُعث عليه بركاناً من الورود، و ذاك قوم أراد شراً فلامس وجهه نسيم من الأشواك و الرعود، و ما بينهما قوم يواجه طوفاناً إسرائيلياً يغرق ما يصادف في بؤس و شقاء، و يجرف كل ما يجده نحو الفناء، و أشقاء أبوا أن يوحدوا كلمتهم، و يمزجوا عرقهم ليبنوا سداً في وجه الطوفان، ليمنعوا تقدمه أكثر قبل فوات الأوان، و ظلوا يتقارعون و يتنازعون على صلاحيات و سلطات سيجرفها هذا الطوفان إن بقي هكذا حال الإخوان.