فرعون موسي القصة كاملة بقلم:د.محمد فتحي عبد العال
تاريخ النشر : 2018-09-23
فرعون موسي القصة كاملة بقلم:د.محمد فتحي عبد العال


فرعون موسي ...القصة كاملة
تعتبر قضية تحديد شخصية فرعون موسي  من القضايا الشائكة التي شغلت المستشرقين والمؤرخين وعلماء الأثار علي السواء علي مدار التاريخ  ..وفي بحثنا اليوم نحاول أن نسلط الضوء علي حقيقة هذه الشخصية  من زوايا عدة غير التي أنفق السابقون جم وقتهم في استعراضها والبناء عليها عبر سبر أغوار المدد الزمنية المستمدة من التوراة والقران وتفاسير العلماء المسلمين ومحاولة الوصول منها الي شخصية هذا الفرعون والتي عادة ما يخلصوا منها الي التركيز علي الفراعنة الأطول حكما وعمرا حتي يمكن من خلالها استيعاب مدد زمنية تتعدي الاربعين عاما لحكم فرعون موسي علي أقل تقدير عند البعض وتصل عند أخرين الي اربعمائة سنة !!! ونظرا لتضارب هذه المدد بين التوراة والتفاسير والتاريخ الفرعوني فقد حاولنا أن نسلك مسلكا أخر الي هذا الفرعون مبتدئين في بحثنا بما  خلصت اليه  أغلب الدراسات من أن فرعون موسي من ملوك الأسرة الثامنة عشر (الدولة الحديثة) و أن لقب فرعون (من برعا وتعني: البيت العالي) كما تقول الموسوعة البريطانية  استعمل كمرادف لملك مصر بالدولة  الحديثة، منذ الأسرة الثامنة عشر.ومنها نستطيع أن نلمس دقة القران في استعمال الألقاب فعند الحديث في القرآن الكريم عن يوسف عليه السلام كان الخطاب عن  ملك قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ)، بينما  كان الخطاب مع موسى عليه السلام مع  فرعون قال تعالي ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾ وهو ما ينفي أن فرعون كان اسما وليس لقبا  كما ذهب البعض  .
نتوقف في محطتنا الثانية عند لفظ الهكسوس .وكلمة الهكسوس هى تحريف للكلمتين المصريتين حقاو وخاسوت التى تعنى حكام الأراضى الأجنبية وهى أحد التسميات التى أطلقها المصريون على الآسيويين بشكل عام وقد ترجمها مانيتون فى تاريخه  المفقود بمعنى ملوك الرعاة  أو ملوك البدو فالمقطع الأوَّل "هك" يعني باللسان المقدَّس "مَلِكاً"، وأمَّا "سوس" فتعني "بدوياً" .
فهل الهكسوس حقا هم بني اسرائيل الوارد ذكرهم في التوراة والقران؟
نستطيع من خلال الجمع بين  قوله تعالي في القران علي لسان يوسف لأبيه وإخوته لَمَّا دَخَلوا عليه مصرَ (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)وكذلك مع قوله تعالي في سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ)(20).أن  نشتق معني كلمة الهكسوس والتي تحدث عنها مانيتون كما نجد من ملوك الهكسوس (الأسرة الملكية 15 ،حُكْمهم: 1674-1567 ق.م) أسماء: يعقوب هر، ،وتابعيهم من (الأسرة المعاصرة 16،حكمهم 1684-1567 ق.م) :يعقوب بعل، ويعقب عم  ( Yakbam )، كما وردت أسماء أمكنة من عهدهم مثل (يوسف إيل)، مما يؤيد ارتباط الهكسوس وانتمائهم لبني اسرائيل كما أن الساميون كانوا هم العنصر الاغلب بالهكسوس كما أحضروا معهم الحصان والعربة وادخلوا صناعة المعادن وأشكال تميزهم في صناعة الفخار وهو المعروف بفخار تل اليهودية والطريف أن الكلمة الفرعونية  سسمت  وتعني الحصان مشتقة من اسم الجمع العبري (سوسيم) ومثل هذا الاشتقاق قد يعد حجة أخري علي أن الهكسوس هم في حقيقتهم بني اسرائيل وأن الكلمة انتقلت الي الفرعونية من خلالهم .
ومن أقدم الكتابات التي تقودنا الي هذه الحقيقة ما ساقه المؤرخ اليهودي يوسيفيوس بن متى، الذي عاش في القرن الأول الميلادي عن  المؤرخ المصري مانيتون  السمنودي–الذي كتب تاريخ مصر القديم حوالي عام 280 ق.م(للأسف فقد مخطوطه في حريق مكتبة الإسكندرية عام 48 ق.م) من أن طرد الهكسوس من مصر بواسطة أحمس ليس الأ خروج بني إسرائيل من مصر، وبالتالي فالمنطقي أن  فرعون موسى هو أحمس وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما يلي .

يعتبر  دخول يوسف واخوته الي مصر بمثابة تمهيد  لحكم الهكسوس وهو في حقيقته حكما ذاتيا  لبني اسرائيل  بمناطق من مصر تحقق مع فترة الأضطراب التي صاحبت نهاية الأسرة الفرعونية الثانية عشر وهو ما يتفق مع فرضية أن الهكسوس لم يدخلوا مصر بالغزو، ولكن بالتسلل وعاشوا في أرض مصر قبل الاستيلاء على العرش في شمال مصر ومما يعزز فرضيتنا هذه أن المدافعين عن نظرية الغزو الهكسوسي لمصر والمحدد بالاسرة الثالثة عشر يقفوا عاجزين أزاء تفسير كثرة انية الفخار ذات الطراز الهكسوسي بالاسرة الثانية عشر والتي نرجح أنها هي الفترة التي شهدت وجود يوسف عليه السلام وقدوم ابيه النبي يعقوب عليه السلام واخوته أضافة لذلك يمكننا أن نقرأ النقش الخاص بوصول وفد آسيوى رفيع المستوى لمصر في عهد سنوسرت الاول على أحد جدران مقابر بنى حسن بالمنيا بشكل مختلف خاصة اذا وضعنا في حسباننا أنه  لم يسجل من قبل فى الآثار المصرية لزيارات آسيوية  بهذا المستوى مما يعكس أهمية الزيارة وبالتالي فربما  ” أبشا “ زعيم هذا الوفد هو يعقوب عليه السلام وأبشا معناها الزعيم ويعقوب  هو قائد أو أب ليوسف وأخوته وزعيم لطائفته .ومما يعزز هذه الفرضية هو أن الوفد الآسيوي المكون من سبعة وثلاثين شخصاً من البدو -رجال ملتحين ونساء وأطفال -مرتدين  الملابس الصوفية المزركشة، كانوا غير مقيدين أو ساجدين للفرعون بل علي العكس فالرسم يظهر القادمين مرفوعى الرأس ومعهم رماحهم وفي موكب يحمل الهدايا.وهي صورة تقترب بنا من الصورة القرانية التي تحملها لنا سورة يوسف :  (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
لابد أيضا أن نتوقف عند عبارة ذات مغزي وردت في ورقة سالييه وهي تسمية المصريين للهكسوس بالطاعون وهو المعني الذي يلقي بظلاله علي التغلغل والانتشار والذي لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها أو من خلال حرب وقتيه بل لابد أنه قد استغرق وقت وعلي الرغم من اختلاف مغزي حديث النبي صلي الله عليه وسلم فيما يتعلق بالطاعون عن معني ورقه سالييه الا أن الربط بين الطاعون وبني اسرائيل كان لافتا فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الطاعون رجز على من كان قبلكم أو على بني إسرائيل فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه ، و إذا كان بأرض فلا تدخلوها.
كما أن ما ذكره المؤرخ المصري مانيتون السمنودي ، في وصف الهكسوس  نزلت علينا لفحة غضب من الله، فقد تجرأ شعب وضيع الأصل من الشرق لم يتنبأ أحد بإقدامه علي غزو بلادنا فسيطروا عليها بالقوة، ودون صعوبة ولا حتي عبر معركة، وبعد أن تغلبوا علي حكامنا فإنهم أحرقوا المدن بوحشية وعاملوا السكان كلهم بمنتهي القسوة) وكذلك كتابات اللاحقون عليه من وصف الهكسوس بالبرابرة القساة الغلاظ يحتاج الي كثير من المراجعة خاصة اذا نظرنا الي الازدهار الاقتصادي  في عهد الهكسوس الذي وصل الي التبادل التجاري مع قبرص حيث وجدت أواني تعود الي عصر الهكسوس بقبرص كما كان لهم نشاط في صناعة المعادن ومنها البرنز.
وحتي نختتم هذه النقطة لابد وأن نشير الي ضرورة تخلص الباحثون من الخوف من الأشارة الي أي دور سياسي لعبه بني اسرائيل في مصر فهناك هوة شاسعة بين بني اسرائيل في هذا العهد الذي نتحدث عنه وكانوا فيه اصحاب رسالة ودين وتمكين الهي لهم في الارض وبين اسرائيل المغتصبه لاراضينا في فلسطين اليوم أن صحت نسبتهم الي اجدادهم القدامي. 

و في محاولتنا الاجابة عن  اسم فرعون موسي سوف نتوقف  عند  بعض النصوص القرانية واختيارنا للقران في البداية لانه المصدر الأكثر وضوحا وتماسكا  ونستهلها بقوله تعالي في سورة الأعراف ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) ( 137 ) لنبدأ رحلتنا عبر التاريخ والأية تحمل أشارة هامة أن فرعون الذي نبحث عنه دمرت أثاره  هو ووقومه ولم يعد لها وجود . وهو ما يجعلنا نرجح أن الفرعون الذي نبحث عنه هو أحمس الأول - مؤسس الأسرة الثامنة عشر وطارد الهكسوس والذي  حكم من 1550 ق.م حتى 1525 ق.م-
وحتي نستعرض مدي انطباق هذا علي أحمس الأول وقومه فلك أن تعلم أن مصدر المعلومات عن حرب أحمس مع الهكسوس كان مقبرة أحد قواده المدعو (أحمس إبن أبانا) حيث يروى هذا القائد على جدران مقبرته تاريخ حياته وكيف أنه تنقل فى الخدمة العسكرية كقائد لإحدى السفن ويذكر كيف تبع سيده فى حربه مع الهكسوس وكيف سقطت أواريس (عاصمة الهكسوس وهي مدينة صان الحجر حاليا بمحافظة الشرقية) بعد حصارها وكيف فر الهكسوس إلى مدينة (شاروهين) فى جنوب غزة وكيف حاصرها الجيش المصرى حتى اسقطها وكيف هربت فلول الهكسوس إلى زاهى ( كلمة مصرية قديمة كانت تشير إلى منطقة فلسطين وسوريا).وهذا ينقلنا الي سؤال أين الأثار الضخمة التي تليق بحاكم بمثل هذه القوة ومعركة بهذه الضخامة ؟! والأجابة تحملها لنا لوحة The Tempest Stele   والتي تؤرخ الي عصر احمس الاول  حيث حدثت عاصفة مدمره  مصحوبة بفيضان او سيول مدمره دمرت المعابد والأهرامات وعثر علي أجزاء من هذه اللوحة فى معبد الكرنك  وهو ما يجعل صورة الفرعون الذي وضع ملامحه القران أكثر قربا  .
 ولا تتعدي أثار أحمس  الباقية لوحة بمعبد الكرنك تضمنت عبارات مدح تقليدية عبر ستة وعشرين سطرا وستة أسطر عن اصلاحات الملك لاعادة أثاث وأواني معبد أمون وأشار فيها إلى الدور الذي قامت به والدته الملكة أعح حتب في القضاء على الهكسوس فيما خلت اللوحة من الاشارة الي حروبه ضد الهكسوس مما يشكك في الروايات التي تتحدث أنه بقي علي قيد الحياة ومارس نشاط حربي بعد طرده للهكسوس . إناء من المرمر نقش عليه اسم أحمس الأول وآخر للزينة من الخزف الأزرق ويوجد عليها صور الأسرى فضلا عن تماثيل صغيرة له والعديد من الجعارين مبعثرة عبر متاحف العالم بالأضافة  الي البلطة والخنجر المعروضين في متحف الأقصر  ولم يعثر له علي مقبرة حتي الأن!!! .  ولأن الأية تطرقت الي مصير جمع أثار فرعون  بقومه فأن والد أحمس وهو سقنن رع  كل ما وصلنا عن جهاده ضد الهكسوس هو وثيقة متأخرة من عصر الرعامسة عرفت بإسم (بردية ساليه) ترصد كيف بدأ النزاع بين ملوك طيبة وبين الهكسوس و أن الملك سقنن رع (الثانى) كان فى ذلك الوقت حاكما على طيبة وكان معاصرا لملك الهكسوس أبوفيس( أبيبى) الذى أرسل يطلب منه إسكات أفراس النهر فى مياه طيبة لإنها تزعجه وهو فى قصره فى الدلتا !!!كما أن شقيق أحمس والسابق عليه في الحكم وهو الملك كامس وصلت الينا معاركه ضد الهكسوس عن طريق  لوحة لصبى فى أحد المدارس كان مدرسه قد أملاها عليه كقطعة إملاء وقد إشتهرت بإسم (لوحة كارنارفون)  ولوح حجرى عثر عليه فى أساسات معبد الكرنك وعليه 38 سطرا من الكتابة!!! وهو ما يعني أننا أمام فرعون وقومه دمرت أثارهم الا من بضعة سطور بين أركان المعابد !!!وهو ما نجد له تفسيرا مقبولا من خلال هذه العاصفة التي طالت أيضا معابد الاسرة ال 17 وهي الأسرة السابقة علي أحمس والتي يمثلها أبيه وأخيه .
التوقف الثاني لنا سيكون عند قوله تعالي:(وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ) سورة القصص آية(9). وهو ما يعني أن فرعون موسي كان عقيما أو لا يعش له ابناء والفرضية الثانية نجدها منطبقة تماما مع أحمس الأول فقد تزوج أحمس من شقيقته نفرتاري والتي أنجبت له ثلاثة أبناء أحدهم هو خليفته أمنحتب الأول وقد توفى  ابنائه الأول والثانى في سن صغير ، وأربعة بنات هم مريت آمون وسات آمون و إعح حتب و ست كامس .كما يبدو أن ابنه امنحتب الأول قد رزق به متأخرا وهو ما يظهر جليا من وفاة أحمس الأول الغامضة عن عمر ناهز الاربعين  أو الخمسين تقريبا ووصاية زوجته علي ابنه امنحوتب الأول،  حتي بلوغه سن الحكم.
التوقف الثالث لنا سيكون عند قول فرعون (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) النازعات الآية 24. وقوله في نفس المعني (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )القصص  الآية 38 والقول الأول لفرعون يعني عند بعض المفسرين  أنه يقول: أنا سيدكم، أنا حاكمكم، الذي تجب عليكم طاعته، ولا تعني بالضرورة أنه هو خالق الكون وحتي وأن أخذنا بالمعني الحرفي للربوبية فعبادة أحمس كانت منتشرة في البلاد حتي الأسرة 19 كما نجد وصفه لنفسه في لوحته بمعبد الكرنك والسابق اشارتنا اليها بالاله الأوحد الذي أرضعته نجم الصباح (ايزيس) وكذلك بالعظيم في فنون السحر.
نأتي الي نقطة لا يتوقف عندها الكثيرون وهي زوجة فرعون المؤمنة (آسيا بنت مزاحم ) و التي آمنت من آل فرعون وتربى في كنفها موسى عليه السلام، وقد صح في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ).كما ذكرها القرآن الكريم كمثال للنساء المؤمنات ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (سورة التحريم، الآية 11
من المحال  بالطبع علي كاتب التاريخ المصري القديم -الذي دائما ما يكتب الرواية الرسمية التي لابد وأن تحمل الثناء علي الفرعون وترفعه الي درجة القداسة وتجعل الجميع يدين له بالطاعة- أن يدون مثل هذا الأيمان والمخالفة الصريحة  لفرعون ومن داخل بيته ولكن يمكن البحث عن زوجة متدينة تعلق بها المصريون وخلدوا ارتباطها وعبوديتها لله وهو ما تنفرد به الملكة احمس نفرتارى (سميت بذلك للتمييز بينها وبين نفرتاري زوجة رمسيس الثاني وتعني كلمة نفرتاري المحبوبة التي لا مثيل لها) حيث كانت  اول من حملت لقب ""زوجة الاله"" أو "عابدة الإله" وهو ما يجعلنا نطمئن الي الترجيح أن نفرتاري هي اسيا .
والحال نفسه بالنسبة لماشطة بنت فرعون والتي قال عنها النبي صلي الله عليه وسلم: ( لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبه فقلت ما هذه الرائحة فقيل لي هذه ماشطة بنت فرعون و أولادها  ). وقد كانت كما تذكر الرواية الاسلامية أمرأه صالحه و مربيه لبنات فرعون وحينما علم بأمر ايمانها بالله الواحد فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا  وكلمة ماشطة هي صفة لحرفتها وليس اسمها الحقيقي والغالب علي ظننا انها مربية الملكة أحمس نفرتارى والتي تدعي ( ري ) وتشير موميائها أنها كانت كانت رشيقة القوام جميلة الطلعة وتوفيت في سن مبكرة  دون سبب واضح وأنها  ذات شعر غزير مصفوف في ضفائر عدة وكانت صغيرة القدمين واليدين بشكل واضح  والسبب في ظننا هذا أن هذه المربية كانت الاقرب لنفرتاري  وبالتالي فهي الاوفر حظا لانتقال الايمان اليها  من نفرتاري .
نأتي للتوراة في سفر الخروج 14يقول( فَلَمَّا أُخْبِرَ مَلِكُ مِصْرَ أَنَّ الشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى الشَّعْبِ. فَقَالُوا: مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟ فَشَدَّ مَرْكَبَتَهُ وَأَخَذَ قَوْمَهُ مَعَهُ وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَ وَجُنُودًا مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا) وذكر استخدام المركبات الحربية علي هذا النحو من الوضوح يعني أننا أمام أحمس وهو أول من ادخل  للجيش المصري  العجلات الحربية واستخدمها في قتال الهكسوس  .
بالطبع لا يوجد أي أثر لموسي عليه السلام بالتاريخ الفرعوني الا أن الأمر الذي أجده الأكثر طرافة في الأثار الفرعونية أنها علي الرغم من صمتها عن رصد مرحلة الصراع بين فرعون وموسي أبت الا وأن تضع بين أيدينا قصة طريفة تضع أحمس الأول (الفرعون) وموسي في قضية واحدة بل وفي نزاع حقوقي!!!!  وبالطبع موسي هذا ليس النبي موسي عليه السلام ففي قضية نزاع علي أرض وهبها أحمس الأول لملاحظ سفن يدعي نيشي ردا لاعتباره  نجد اسم موسي الكاتب ببيت مال الاله بتاح!! .
وبعد أن انتهينا من مناقشة أدلتنا السابقة والتي حرصنا علي تنوعها  نتوقف عند اسم فرعون في كتب المفسرين المسلمين واللافت فيها هو شبه أجماع حول اسم فرعون موسي و إسمه الحقيقي ( الوليــد بن مُصعَــب )!!! وهو ما يجعلنا نبحث عن أصل يربط هذا الأسم بالفرعون أحمس الذي نرجحه وقد غلب علي الكتابات العربية في مثل هذه الحقب القديمة فيما يتعلق بالاسماء الأعجمية أن يكون تعريبهم لها تعريبا معنويا وليس لفظيا والتعريب المعنوي طريقة تعطي معنى للاسم العربي لا تعطيه له طريقة كتابة النطق الاجنبي بحروف عربية وذلك برجوع الاسم الاجنبي الى جذوره اللغوية ، ثم ترجمة الجذر او اخذ مرادفه في اللغة العربية و اشتقاق الاسم منه فيكون للاسم العربي نفس معنى الاسم الاجنبي تماما وحتي نطبق هذا علي حالة فرعوننا أحمس  فكلمة أحمس تعني المولود من القمر أو القمر ولده ( القمر معبود لدي الاشمونيين) والوليد تعني المولودُ حين يُولَدُ. أما اسم ابيه مصعب فنرجح أنها صفة لسقنن رع والذي لقب بالشجاع كما أن الشكل الذي وجد عليه مومياه يوحي بما كان عليه حال الرجل من المنعة والصعوبة حيث  وجدت ثقوب في الجمجمة نتيجة الضرب بالحرب والبلاطى على رأسه ووجدت أسنانه تضغط على لسانه من شدة الألم !!وبتطبيق الأشعة السينية على جسده وجد في رأسه خمسة جروح، جرحان كانا على الجبين إثر ضربتي فأس، وجرح بآلة حادة أعلى الأنف، وآخر على الجانب الأيمن من العين اليمنى، والأخير أسفل العين اليسرى.
 نأتي الي صفات فرعون موسي  كما ذكرها المفسرون  وهي أنه أحمر قصير كأنه ثور و انه كان أصلع وأخينس والخنس (ذو أنف مرتفع ومتأخر عن الوجه قليلا" وهناك رواية لأبي بكر أنه قال : أخبرت أن فرعون كان أثرم "الثَّرَمُ، :انْكسارُ السِّنِّ من أصْلِها، أو سِنٍّ من الثَّنايا والرَّباعِياتِ" . وبمقارنة ذلك بمومياء أحمس والتي تم التعرف عليها  عام 1886 بواسطة جاستون ماسبيرو، نجد طول المومياء1.63 سم (أي قصير) ولها وجه صغير نسبيا بالقياس مع حجم للصدر وأنف بارز وأنه كان قوي الجسم عظيم المنكبين عريضهما وسنه وقت الوفاه بين الاربعين والخمسين .
ولان قضية تحديد شخصية فرعون موسي قد طالت اسماء فرعونية كثيرة كان الابرز فيها ملوك الاسرة الثامنة عشر فكان لزاما أن نطوف في هذه الرحلة مع أهم ملكين طالهما الاتهام.
ونبدأ بأشهر المتهمين وهو رمسيس الثاني وهي نظرية  يوسيبيوس القيصاري والتي سار عليها اللاحقون من بعده ونبدأ بتفنيد أشهر الادلة التي تساق في توجيه الاتهام الي رمسيس الثاني وهي مدينة "بر رعمسيس" التي ورد ذكرها في التوراة سفر الخروج  حيث سخر الفرعون بني اسرائيل لبناء مدينتي "بي رعمسيس و فيثوم"والحقيقة أن بر ر عمسيس والتي اتخذها رمسيس الثاني بالفعل عاصمه لملكه ما  كانت الا اعادة تسميه لمدينة اواريس القديمة والتي كانت قائمة بالفعل  وقد اتخذت ايضا اسم تانيس والمسميات الثلاثة هي لمدينة واحدة بعينها وليس أدل علي ذلك من أن  تماثيل منبتاح ابن رمسيس الثاني  بالمدينة والتي اغتصبها لنفسها كانت تحمل نقوشها القديمه اسم الاله ست صاحب اواريس ..وما نود أن نخلص اليه أن التوراة استخدمت الاسم الأحدث في الاشارة لهذه المدينة القديمة والمجهول بانيها الا أن الصراع التاريخي  دائما ما يربطها بالصراع مع الهكسوس (بني اسرائيل).
السبب الثاني الذي يجعلنا نستبعد رمسيس الثاني من دائرة الاتهام أن رمسيس الثاني دخل في معارك مع الحيثيين في قادش بالشام ما يربو علي الخمسة عشر عاما لم ينتصر فيها أي من الطرفين وانتهت بالتوصل الي عقد أول معاهدة في التاريخ ، وبالتالي  فسيطرته كانت قائمة  على الشام خصوصا في جنوبها .فهل يعقل أن تكون  مدين بالشام ملاذا امنا لموسي بعد حروب دامية بين الطرفين ومن المنطقي أن يحاول كلا الطرفين المحافظة علي المعاهدة  وايواء طريدا لفرعون سببا كافيا للاجهاز علي المعاهدة؟!! لذا فالاجابة المنطقية : بالطبع لا.. وبافتراض أن فراره اليها كان في وقت الحرب بين رمسيس والحيثيين فهل من المنطقي أن يظهر طريد الفرعون علي هذا النحو من الوضوح ويعمل ساقيا للفتاتين بل وينزل علي ارادة الشيخ والد الفتاتين ويبقي ما بين ثمان وعشر حجج دون أن يحقق الحيثيين معه  أو يحاولون الوقوف علي أسباب تواجده وهو ابن فرعون  أو الاستفادة منه بشكل أو اخر؟!!!.
السبب الثالث للاستبعاد هو أن رمسيس الثاني تزوج بأحد عشر زوجة وثلاثة من بناته وعشرات الجواري وانجب وفق اكثر التقديرات تواضعا تسعين ابنا وابنة وبالتالي فهو ليس بالملك العقيم الذي تتحدث عنه الايه الكريمه.
السبب الرابع أن رمسيس الثاني سجل  افتخاره بأنه وُلِدَ من الإله آمون نفسه الذي تقمص جسد (سيتي الأول) فأنجبه من الملكة (تويا) والدته .وفي خطابه الي الاله اوزوريس نجد نبرة توقير وخشوع لا تصدر الا من شخص متواضع ومؤمن في قوله :
(إني أتضرع لوجهك كما كان يفعل ابنك (حورس) وغني أفعل لك آثاراً في المكان المقدس (الجبانة) وأضاعف الأوقاف لروحك، وإني تحت تصرفك وتحت سلطانك، حتى تجعل الأرض ملكاً لي، وحتى تهبني الخلود بوصفك ملكاً والأبدية بوصفك راعياً للأرضيين وإني على استعداد لتنفيذ ما يحبه قلبك كل يوم بلا انقطاع) وبالتالي فهو ليس  الفرعون المتغطرس المدعي للالوهية في التوراة والقران.
السبب الخامس  أن اشارة القران الي تدمير اثار فرعون وقومه لا يمكن أن تنطبق علي رمسيس الثاني بأي حال من الاحوال واثاره تملأ الدنيا  وتشهد بعظمة عصره.
السبب السادس  وجود وثائق من عهد رمسيس الثاني تشير  الى المعاملة الحسنة لمن  اطلق علهم  العابيرو او الخابيرو  مثل نص المدعو كاوسر   رئيس العمال بالمحاجر, الذي أرسل إلي سيده يطمئنه أن “العابيرو” يحصلون علي مستحقاتهم بعدما سحبوا الأحجار إلى معبد رمسيس حيث يذكر النص " لقد أرسلت الطعام (للعابيرو) الذين يسحبون الأحجار للصرح العظيم لمعبد رمسيس محبوب آمون"وبالتالي فهو لم يمارس اضطهادا ضد اليهود.
فضلا عن  أن الفحص لمومياؤه هو الاخر سببا وجيها لتبرئة رمسيس حيث  كشف عن وجه رجل عجوز وسط فى الطول (173 سم ) بلغ الثانية والتسعين من العمر فهل يستطيع رجل فى هذه السن المتقدم ويعاني من روماتيزم حاد يمنعه حتي من المشىء متنزن دون عصا يتكأ عليها أن يقود عجلته الحربية ويتتبع موسى عليه السلام وقومه  من العاصمة حتى مكان الغرق فى البحر؟ كما تم التأكد من خلال البحوث الطبية علي المومياء من عدم وجود أثار للغرق و أن الراحل كان يعاني من خراريج فى أسنان مقدمة الفم تكفي أن تكون سببا في وفاته .
كما أن نظرية موريس بوكاي من وجود فرعونين أحدهما للاضطهاد وهو رمسيس الثاني والثاني للخروج وهو منبتاح فيكفينا فيها أن نوضح أن دليل الادانة  لمنبتاح  هو ذاته صك براءته  وذلك بما نقشه على مسلته الشهيرة فيما يعرف بأنشودة النصر والتي تباها فيها بإنتصاراته على كل ما يحيط به من ممالك ومنهم شعب اليهود وذلك في حياته كما أن الابحاث التي أجريت علي موميائه تشير الي أن وفاته طبيعية وأنه كان يعاني من التهاب المفاصل والشرايين .
كما شمل الاتهام أيضا الملك سيتي الاول وتحتمس الاول والثاني والثالث والذين لا يتسع المجال لتفيند ما يتعلق بهم الا أن المثير حقا أن هؤلاء الملوك الذين جمعهم القدر في قائمة الاتهام عبر العصور بأن منهم فرعون موسي  أبي القدر  الا أن يجمعهم  مع الفرعون الحقيقي في  أتون مصير قاس شملهم جميعا وأوقعهم  في قبضة لصوص الاثار من عائلة عبد الرسول  فيما عرف بخبيئة الدير البحرى وهى مقبرة ضمت أحمس الاول و  والده الفرعون سقنن رع تاعا والفراعنة تحتمس الأول والثانى وتحتمس الثالث ورمسيس الأول ورمسيس الثانى ووالده سيتي الاول أشهر فراعنة مصر وحينما اختلف اللصوص أبلغ أحدهم السلطات  فتسلمت مصلحة الأثار المومياوات و عندما وصلت هذه المومياوات إلى ميناء روض الفرج أصر موظف الجمارك علي دفع الرسوم المقررة ونظرا لعدم وجود بند مومياوات عنده فقد أخرجها الموظف بعد دفع الرسوم المقررة عليها بوصفها أسماك مجففة!!!!!!..... وفي النهاية نضع بين يدي القاريء دراسة حاولنا أن نكون فيها محايدين محاولين أن نصل فيها الي بعض الحقيقة وما أصعب الوصول لها في أزمنة غابرة غاب صناعها وانطوت صفحات تاريخهم بشكل يستحيل معه اكتمال الصورة الحقيقية .
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
دبلوم المعهد العالي للدراسات الأسلامية