الـطـــلاق بــين التـشــــريـع والـمـمـارسـة بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2018-09-21
الـطـــلاق بــين التـشــــريـع والـمـمـارسـة بقلم:حسن زايد


الطلاق علي أهميته في حياة الأسرة المسلمة ، إلا أن معظمنا يجهل معناه وأهميته وشرعيته وتبعاته . وإن كان الجهل به لا يحول دون ممارسته فعلياً علي أرض الواقع ، بجهل أو بعلم ، كما أن الجهل به لا يمنع ممارسته من الناحية الشرعية .
ولما كان الطلاق قد استشري في المجتمع علي نحو مَرَضي ، إلي حد الزيادة المخيفة في معدلاته ، ونتيجة الجهل بأحكامه جهلاً مطبقاً ، فإن آثاره المدمرة قد زحفت في اتجاه الكيان الأسري ، الذي يمثل النواة الأولي للمجتمع ، ومن ثم تدمير المجتمع .
ولذا فإنه من الأهمية بمكان الوقوف علي الطلاق وحقيقته وشرعيته وأحكامه وأسبابه .
وللوقوف علي معني الطلاق فلابد من تناول المعني اللغوي والمعني الإصطلاحي له . والمعني اللغوي حين يطلق ، يكون هو المعني الذي يستعمله أهل اللغة ، وهو المعني القاموسي ، وبذا يكون المعني اللغوي للطلاق أنه : هو حل الوثاق والإطلاق ، وهو الإرسال والتّرك ، ويأتي الطّلاق أيضاً بمعنى إزالة القيد . وكذا فإن المعني الإصطلاحي حين يطلق يكون هو ما اصطلح أهل الفن عليه من معني . وبذا يكون المعني الإصطلاحي للطلاق أنه : حل عقد الزّواج ، وهو فسخ عقد النّكاح قولاً بلفظ مخصوص معيّن .
والدليل علي مشروعية الطلاق قوله تعالي : " الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وفي الحديث النبوي الشريف : " إن أبغض الحلال عند الله الطّلاق " . فإذا كان الحكم الطلاق ، فدليل هذا الحكم من الكتاب والسنة ، وهما من أوائل مصادر التشريع الإسلامي .
وقد قسم العلماء أحكام الطلاق إلي خمسة أقسام : الأول ـ الطلاق الحرام : وهو الطلاق البدعي ، ويحدث اثناء حيض المرأة ، فيحرم أن تطلّق المرأة وهي حائض . الثاني ـ الطلاق المكروه : إذا كان من غير سبب مع استقامة حال الزوجة . الثالث ـ الطلاق الواجب: وهو الطلاق في حالة أنّ الحياة الزوجيّة تعب و شقاق . الرابع ـ المندوب : وهو الطلاق في حالة عدم العفّة وعدم صون الحياة الزوجية . الخامس ـ وفيه اختلاف بين العلماء ولا داعي للخوض في تفاصيله .
وكذا جري تقسيم الطلاق وفقاً لمعيار إمكانية الرجوع فيه ، والعودة عنه ، إلي قسمين هما:الأول ـ الطلاق الرجعي ، وهو الطلاق الذي لا ينهي الحياة الزوجية بشكل نهائي ، ويمكن الرجوع فيه . الثاني ـ الطلاق البائن ، وهو ينقسم إلي فرعين أو نوعين : الأول ـ الطلاق البائن بينونة صغري ، الثاني ـ الطلاق البائن بينونة كبري . وهي تقسيمات موضع نقاشها واستعراض تفاصيلها كتب الفقه ، وليس مقالاً .
والطلاق رغم أنه حلال ، إلا أنه حلال بغيض . وقد أفصح عن ذلك وكشف عنه المصطفي صلي الله عليه وسلم في حديثه المتقدم . ورغم مبغوضيتة إلا أنه له أسباب تجيزه ، وتجعله ضرورية حتمية واجبة ، يصعب الإستغناء عنه كحل نهائي للمشكلات الأسرية . هذه الأسباب تنقسم إلي قسمين :
الأول ـ يتعلق بطلب المرأة الطلاق مثل : فسوق الزوج وفساده ـ وإذا كرهت منه عيباً لا يرجي شفاؤه ـ وإذا عجز عن الوفاء بحقوقها ـ وإذا سبها وعنفها وضربها لغير مقتضاً شرعاً ـ وإذا خالف الشريعة والفطرة في حقوقها . وتضررها من غيابه ـ وإذا بغضته ونفرت منه ـ و إذا منعها أهلها وأجبرها علي مقاطعتهم .
الثاني ـ ويتعلق بأسباب تنهي الرابطة الزوجية من جانب الرجل ، مثل : فساد الزوجة في دينها وأخلاقها ـ والفتور والبرود في المعاشرة ـ والعجزعن الوفاء بحقوقها والإنفاق عليها .
وليس معني توافر الأسباب الدافعة للطلاق ، سواء من جانب الآداء الرجولي له ، أو من جانب طلب الطلاق من قبل المرأة ، أن يتم إتيانه كيفما اتفق ، وأن يكون وسيلة للإنتقام والتشفي والتخسير والخراب والحرمان من الحقوق ، وقد تم ضبط إيقاع الطلاق ممارسة ، من جانب المولي عز وجل ، حتي يبقي الفضل بين الناس : " ولا تنسوا الفضل بينكم " ، بهدف الحفاظ علي الأُسَر والمجتمع من التفكك والتحلل عند ممارسة الطلاق ، وأن يتحول الطلاق من حل لمعضلات أسرية واجتماعية إلي مشكلة ومعضلة في حاجة إلي حل .
يقول تعالي : " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " . ومعني ذلك أن أساس الإمساك بين الزوجين هو المعروف ، وأساس التسريح هو الإحسان . ويؤكد ذات المعني وزيادة قوله تعالي : " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " . والزيادة في المعني هنا بزيادة المبني ، ففضلاً عن الإمساك بمعروف ، فلا يكون بقصد الإضرار بالزوجة . وانظر معي إلي اللطف الإلهي حين يوجهنا هذه التوجيهات الجميلة بمراعاة هذه المعاني في ممارسة فعل الطلاق ، في قوله تعالي : " فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ " . ولا يقتصر الأمرعلي فعل الطلاق وإنما يمتد إلي ما بعده ، حين يقول المولي عز وجل : " فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا " ، وقوله : " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " .
فإذا كانت تلك آداب الطلاق وأسبابه ، فلابد أن ندرك أن هناك خلل في موضع ما ، أفضي إلي ما نحن فيه كأفراد وأسر ومجتمعات . فقد أصبح الطلاق يقع بين الزوجين بسبب توافه الأمور التي لا ترقي إلي مستوي المشكلة ، ثم نصنع منه أزمة ، ثم نرتب علي وقوعه مظالم لا حدود لها ، تلحق بالزوجين ، أحدهما أو كلاهما ، وكذا الأسرتين والأولاد ، ومن ثم المجتمع ككل . وقد يكون الخلل في التربية ، والأسرة ، والمدرسة ، والشارع ، والثقافة السائدة . فهل ننتبه إلي أهمية معالجة هذا الخلل ؟ .
حــســــــــــن زايـــــــــــــد