الرئيس عباس وخطاب الصمود والسلام المُرتقب بقلم محمد أبوقايدة
تاريخ النشر : 2018-09-21
الرئيس عباس وخطاب الصمود والسلام المُرتقب
بقلم / محمد أبوقايدة – غزة "*"
كاتب ومختص بالشأن السياسي الفلسطيني.
يحبس العالم بأسره أنفاسه في هذه الأيام، انتظاراً وترقباً لخطاب الصمود والسلام التاريخي والمصيري الحاسم للرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والمُزمع إلقاءه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع والعشرين من الشهر الجاري.
يأتي خطاب الرئيس أمام الأمم المتحدة، لوضع العالم ومواجهته بكل القضايا التي يعاني منها شعبنا الفلسطيني، ولتوجيه رسالة قوية لأمريكا وإسرائيل أمام المجتمع الدولي، ولإعلام العالم بالرؤية الفلسطينية للمرحلة القادمة، محدداً طبيعة العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وفقاً لقرارات المجلس الوطني والمركزي، فالقيادة الفلسطينية تتبنى التوجه لاشتباك سياسي كامل لتغيير قواعد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وتصعيد النضال السياسي في المنظمات والمحاكم والمحافل الدولية.
نحن الآن في المرحلة الأصعب في تاريخ الشعب الفلسطيني، فجميع مفاصل القضية الفلسطينية تعيش أوضاعاً صعبة للغاية، بدءًا بالسياسات الامريكية التي تكيل بمكيالين لصالح الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذها العديد من القرارات اللاقانونية بشأن القدس والاونروا واغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وليس ببعيد عن السياسة الإسرائيلية التي تواصل تهويدها للقدس وبناء المستوطنات وتقطيع أواصر الضفة الغربية من خلال الحواجز وهدم قرية الخان الأحمر لفصل الضفة وتوسيع الاستيطان، ولا ننسى أن هناك ملفات داخلية لازالت عالقة وتراوح مكانها منذ اثنى عشر عاماً، حيث لم يتم التوصل لاتفاق مصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني بسبب رفض حركة حماس من تمكين حكومة الوفاق الوطني من أداء عملها في قطاع غزة.
ومن المُسلم أن الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية الحكيمة لم ولن تخضع لسياسة الاستفزاز والاستقواء والبلطجة التي تمارسها إدارة ترامب، والتي أصبحت جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل مما أدي إلى فقدان الولايات المتحدة لدورها التقليدي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه فإن كل الاتفاقيات والتعهدات مع الولايات المتحدة لم تعد قائمة وأصبحت في حكم المنتهية، نتيجة لذلك زاد تمسك القيادة والشعب بقرارات الشرعية الدولية التي صدرت بشأن القضية الفلسطينية، إضافة إلى الإصرار على محاسبة ومحاكمة دولة الاحتلال على جرائمها ضد شعبنا الأعزل في كافة المحاكم والمنظمات الدولية.
سيُطالب الرئيس خلال خطابه الإدارة الأمريكية بالتراجع بل الغاء كافة القرارات اللاشرعية والمنافية لكل القوانين والأعراف الدولية التي اتخذتها بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية اليها وقطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا"، واغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
ليس فقط سيُطالب الرئيس بإلغاء هذه القرارات بل قد يصل الحد بمطالبة الإدارة الامريكية بالاعتذار رسمياً للشعب الفلسطيني وقيادته عما اقترفته من قرارات لا شرعية ولا قانونية ولا أخلاقية ولا إنسانية، والتي تعتبر أشد من جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والثابتة.
سيُشكل خطاب الرئيس محطة تاريخية هامة في تاريخ الشعب الفلسطيني والمنطقة بشكل عام، والذي سيحمل بين طياته سمة الصمود والتصدي والرفض لكل الاملاءات والاستفزازات والاستقواء الأمريكي الذي يُمارس ضد شعبنا الفلسطيني وقيادته السياسية، فالمجتمع الدولي مطالب اليوم بتحمل مسئولياته تجاه القضية الفلسطينية بالتنفيذ العملي لجميع القرارات الشرعية الدولية التي صدرت بشأن القضية الفلسطينية على مر التاريخ، ومنح دولة فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، في ظل تدمير إسرائيل لعملية السلام والهجمة الامريكية التي يقودها ترامب واللوبي الصهيوني، كما سيُطالب الرئيس بعقد مؤتمر دولي للسلام، تُشارك فيه دول العالم المعنية، وذلك لشطب وانهاء التفرد الأمريكي بمفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وصولاً إلى تحقيق الحلم الفلسطيني، بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
بالتأكيد أن ما يدور في خلد الرئيس هو تفجير مفاجأت غير متوقعة، قد تصل إلى درجة التهديد أو عدم الالتزام أو حتى التنصل من الاتفاقات والالتزامات السابقة التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل، وإعادة النظر في قرار الاعتراف بإسرائيل الذي كان شرطاً أساسياً لتوقيع اتفاق أوسلو، ولا يُستبعد مطالبته للمجتمع الدولي بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، ومن المتوقع أيضا أن لا يأتي الرئيس خلال خطابه على ذكر كلمات "صفقة القرن"، كذلك سوف يتجاهل النطق باسم رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب في محاولة منه لتجسيد القطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تعد شريكاً في عملية السلام ولا راعيةً للعملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
نعيش الآن تحت وطأة المؤامرة الكُبرى، وفي ظروف صعبة ومعقدة تمر بها قضيتنا وفي أسوأ مراحلها ألا وهي ما يُسمى بصفقة القرن، والتي تهدف إلى تصفية وشطب القضية والحقوق الفلسطينية، وعلية وجب على الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وألوانه ومشاربه وفي كافة أماكن تواجده بالقدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطيني الداخل ومخيمات اللجوء والشتات وفي كل عواصم العالم أن يقف صفاً واحداً متوحداً لتأييد خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بالانخراط في حراك جماهيري وشعبي واسع وقوي ومؤثر دعماً والتفافاً حول المواقف السياسية للقيادة السياسية الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس قبل وأثناء القاء الرئيس لخطابه التاريخي على منبر الأمم المتحدة، في نهاية الشهر الجاري، للتعبير عن رفضهم الصارخ لكل القرارات الجائرة التي اتخذتها الإدارة الامريكية مؤخراً ضد قضيتنا العادلة.
وختاماً، فإن خطاب الرئيس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة سيُغير وجه التاريخ في تداعياته ونتائجه ومخرجاته المتوقعة من خلال تأثيره القوي والعميق على المشهد السياسي الدولي، الذي سيقود إلى عزل الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وإظهار صورتهما الاستعمارية الاستيطانية نتيجة السلوك الاجرامي الذي تقوم به كل منهما ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وضد قضيته وحقوقه الوطنية العادلة والثابتة.
فالمجتمع الدولي والعالم الحر سيخرج عن صمته ولن يسكت عن هذا السلوك اللاقانوني واللاشرعي للإدارة الامريكية والاحتلال الإسرائيلي والذي وصل إلى أسوأ وأعلى مراحله في عداءه وظلمه واستقواءه على الشعب الفلسطيني، في محاولات بائسة من خلال إجراءات وقرارات ظالمة تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وطمس هويتها وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني، وهذا سيؤدي بدوره إلى فقدان الولايات المتحدة لحلفائها في العالم في حال إصرارها على المضي في انحيازها الأعمى لصالح إسرائيل
الحتمية التاريخية تقول بأن الإمبراطوريات والحكومات الاستعمارية الظالمة مصيرها الزوال والاندثار أما كرامة وحرية وحقوق الشعوب الحرة فهي باقية لا تزول ولا تُشطب بجرة قلم من حاكم ظالم مضلل ولا تُباع أو تُشترى بحفنة من الدولارات، كما يظن الواهمون.