الاستيطان في القدس الجزء الثالث بقلم:د.عبدالحميد الهمشري
تاريخ النشر : 2018-09-18
الاستيطان في القدس الجزء الثالث بقلم:د.عبدالحميد الهمشري


" إسرائيل " ما  بين الفكرة والدولة القومية " 11 "

* الاستيطان في القدس الجزء الثالث

* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في  الشأن الفلسطيني

لم  تتوان الحكومات  الصهيونية المتعاقبة منذ احتلال  غزة والضفة  والقدس الشرقية عاصمة فلسطين عن احتضان الاستيطان  وتوسيع مساحات  الأراضي المستولى عليها بمختلف الوسائل والأساليب  المشروعة والاحتيالية ، وسعيها منذ البداية انصب على إقامة تجمعات سكانية يهودية بشكل أحزمة استيطانية تطوق المدينة وتحاصرها والتجمعات  الفلسطينية من كل جانب وعددها ثلاثة ، والهدف من ذلك عزلها عن محيطها العربي المجاور في الضفة الغربية ، وقد شكلت هذه الأحزمة أطواقاً دائرية بجدران قلاعية اسمنتية شوّهت طابع المدينة الحضاري التاريخي.. الحزام الأول منها  تمثل في أحياء سكنية يهودية عشرة داخل القدس الشرقية مساحتها المبنية بلغت حوالى 69636 دونمًا وعدد  المستوطنين المقيمين فيها نحو 52810 مستوطناً، وهذه الأحياء هي الحي اليهودي  ، معالوت دفنا  ،  جبعات همفتار ، النبي يعقوب ، التلة الفرنسية ،  تل بيوت الشرقية ، تل عناتوت ، حي  الجامعة العبرية.

فيما  الحزام الثاني مكون من  15 مستوطنة تحيط بالمدينة في نطاق المرحلة الأولى من مشروع القدس الكبرى الذي  يقضي بتوسيع حدود بلديتها لتشمل المناطق الممتدة من مدينة رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوبًاعلى شكل طوق استيطاني من جميع الجهات ، تبلغ المساحات المبنية لهذه المستوطنات أكثر من 195 دونمًا، وعدد الوحدات السكنية فيها 5266 وحدة استوعبت نحو 31600 مستوطناً. 

أما الحزام الثالث فيضم 15 مستوطنة في محيط القدس الشرقي  حيث أعلنت الحكومة الصهيونية في 30 أيلول/سبتمبر 1975 موافقتها على خريطة القدس الكبرى أو الموسّعة التي تمتد فيها حدود بلدية المدينة ما بين الخان الأحمر شرقًا، واللطرون غربًا، ودير دبوان وبيتين شمالاً، وضواحي مدينة الخليل (مستعمرة كريات أربع) جنوبًا. ويقضي هذا التوسع بضمّ 9 مدن و60 قرية عربية وما يقارب 30% من المساحة الكلية للضفة الغربية.

 شكّل هذا المشروع التوسيع النهائي لحدود القدس الكبرى، وكانت ترجمته العملية إقامة 15 مستوطنة جديدة تشكل الحزام الثالث من الأحزمة الاستيطانية حول القدس. أما المستوطنات في الشمال فقد أقيمت حول مدينتي رام الله والبيرة وتضم مستوطنات: كوخاف هشاحر، عفرة، بيت أيل، كفارروش، ينفي تسوف، بيت أيل (ب).

وفي الجنوب أقيمت في المناطق الممتدة من شمال مدينة الخليل إلى مناطق بيت لحم وبيت ساحور، مستوطنات : تكواع، كفارعصيون، تكواع (ب)، أليعازر (أ) و(ب)، أفرات، مجدل، روش تسوريم، آلون شيفون، متسبي جوبرين.

أما الشكل الهندسي الذي اعتمده مخططو الاستيطان الصهيوني في إقامة الأحزمة الاستيطانية الثلاثة فكان وفق نظام استيطاني مؤدلج يربط الشكل الهيكلي للمستوطنة أو المستعمرة بمضامين أيديولوجية دينية تستوحي أفكارها من التوراة في تقديمها مسوغات تبريرية تساوي بين الدين والسياسة. ويقوم على أساس إنشاء سلسلة من المستوطنات ذات الرتب الوظيفية المختلفة، تربط بينها علاقات وظيفية أيضًا. والشكل المعتمد هو أقرب إلى (نجمة داود)، إذ تقام 4 - 6 مستوطنات صغيرة حول مستوطنة (مركز النجمة) من رتبة أعلى هي عبارة عن بلدة أو مركز ريفي. ووظيفة هذا المركز تكون بتزويد المستوطنات المحيطة ذات الرتبة الأدنى الخدمات الضرورية. وتحيط 4 أو 5 مراكز ريفية أو أكثر بمستوطنة أكبر وذات رتبة أعلى وتكون مدينة في الغالب تقوم بتقديم خدمات من رتبة أعلى للمراكز الريفية والمستوطنات التوابع  . وما يجدر بالإشارة أن شبكة الإستيطان في مدينة القدس ومحيطها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمتروبول الإسرائيلي المتمثِّل بالقدس المحتلة

أما الأهداف من إقامة الأحزمة الاستيطانية الثلاثة فكانت: التجزئة الجغرافية والديموغرافية للضفة الغربية، الأمر الذي يصيب الوجود العربي بالشلل ويدفعه مكرهًا إلى الهروب والمهاجرة  ،  محاصرة الضفة الغربية من الداخل، لا سيما المراكز المدنية فيها تمهيدًا لتجزئتها إلى منطقتين محاصرتين بالاستيطان اليهودي، وهما منطقة الخليل جنوبًا ومنطقة نابلس شمالاً.  وضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، تراوح بين 400 و500كلم2، بالإضافة إلى المساحات التي جرى اقتطاعها وإلحاقها بالقدس الكبرى وفق المخططات الهيكلية التي كان آخرها في تموز/يوليو 1980، حيث أقرت بلدية القدس اليهودية اقتطاع 63 كلم2 من أراضي الضفة الغربية لتوظيفها في خدمة المخطط الهيكلي لتهويد المدينة إلى جانب تحويل القدس الكبرى إلى عاصمة مركزية للدولة الإسرائيلية، تتركَّز فيها كل العوامل الجاذبة لاستقطاب النشاطات الاستثمارية والسياحية والصناعية والزراعية لليهود من جميع أنحاء العالم. وبذلك فإن القدس الكبرى في ظل تركّز الرأسمال اليهودي والشركاتي العالمي وبخاصة الأميركي منه، باتت هي المدينة المعولمة بفعل التدفقات المالية، وربطها بحركة الرأسمال للشركات المتعددة الجنسية، كل ذلك بهدف تحويل القدس إلى مدينة مركزية في "الشرق الأوسط الكبير" الذي تسعى رأسمالية الذروة الأميركية لقيامه.

Aabuzaher_2006 @yahoo .com