25 عاما على اتفاق اوسلو حدث لم يقدر له التطور الطبيعي بقلم عواد الاسطل
تاريخ النشر : 2018-09-14
25 عاما على اتفاق اوسلو
حدث لم يقدر له التطور الطبيعي
--------------------------- بقلم / عواد الاسطل

كم بدا لي باهتا ذلك اليوم ، الاثنين ، الثالث عشر من سبتمبر عام 1993، حيث تم التوقيع من قبل منظمة التحرير الفلسطينيه واسرائيل على وثيقة مباديء ، عرفت باتفاق اوسلو، في ساحة البيت الابيض ، وفي مشهد يوحي كل ما فيه ، الى المجهول .

ولعل ما عزز شعوري بذلك ، انني لم اتمكن من تحديد ملامح صوره عامه عن الموضوع مبكرا، عندما شرعت وسائل الاعلام بتقاذف الحديث عنه ، قبل عدة ايام من الموعد المحدد للتوقيع عليه ، فقد كنت منشغلا في مناسبة عزاء، ولم استمع الا لما يتناقله الاخرون بين الحين والاخر بصورة بدت غير مترابطه ..

فقط ، وقبل ثلاثة ايام من موعد التوقيع ، وفي يوم الجمعه العاشر من سبتمبر ، استمعت لما عكفت عليه وسائل الاعلام من بث تحليلات وتسريبات عن الاتفاق المزمع ، حينها ربطت بين ذلك وبين ما كنت سمعته من مسؤول اعلامي فلسطيني في القاهره ، في حديث عام معه ، قبل عدة اسابيع من ذلك، عندما قل لي متسائلا : "مش عاجبكوا حكم ذاتي ؟ " . هنا بدت لي الصوره اكثر وضوحا .

عندئذ ، قفز الى ذهني تساؤل كبير : كيف لمنظمة التحرير الفلسطينيه ، بكل ما تمثله من امال وطموحات ، وبما حققته من انجازات ، وبما قدمته من تضحيات ، وبكل ما بنته من مؤسسات، وبكل ما تملكه من قوة ناعمه ، كيف لها ان ترهن نفسها باتفاق مباديء ، وجها لوجه مع عدوها الوجودي ، بدون ضمانات دوليه واقليميه ،قد يتحقق او لا يتحقق، قد يتطور في حال المضي قدما في تنفيده ، الى تحقيق بعضا من الاهداف ، مع ترك الباب مفتوحا للاجيال القادمه ، وقد لا يتعدى قدوم او عودة المنظمه وقيادتها الى ارض الوطن ، في وضع هو اقرب الى احتوائها السياسي ؟ !

لا انكر انذاك ، انني فضلت عدم الاستمرار في التفكير في هذا الخصوص ، وخالدتني رغبه جارفه في الهروب الى النوم ، انتظارا لقادم الايام ، حتى تكتمل الصورة عند رؤية مشهد التوقيع ، الذى كان يحمل العديد من المعاني ، والذي يسيطر على معظمها عدم الوضوح ، والتحليق في فضاء المجهول .

ولعل الشيء الذي اصبح واقعا بعد ذلك ، ان اتفاق اوسلو ، وكأي حدث تاريخي ، اصبح بعد التوقيع عليه ملكا للتاريخ ، الامر الذي يترك تحديد كل من وجهته ومستقبله ومضمونه ، للاطراف ذات العلاقه المباشره به : منظمة التحرير واسرائيل .

ورغم ظهور عراقيل منذ البدايه ، الا انه لم يمض عام ، حتى انشأت منظمة التحرير الفلسطينيه ، اول سلطه وطنيه على ارض فلسطينيه ، ابتداءا بغزه - اريحا اولا ، لفتره انتقاليه مدتها خمس سنوات يتم الاتفاق خلالها على القضايا الحياتيه واليوميه المشتركه ، وبعدها تبدأالمفاوضات للاتفاق على قضايا الحل النهائي الشائكه ( القدس – اللاجئين – المستوطنات – الحدود. غير انه لصعوبة تنفيذ الاتفاق ، بدأت مرحلة التفاوض على قضايا الحل النهائي ، قبل الانتهاء من حسم قصايا المرحله الانتقاليه .

وفي هذا السياق ، ذكر الكثير عن نوايا كل من الرئيس عرفات ، ورئيس الوزراء رابين ، الجاده في التوصل الى اتفاق حقيقي للسلام بين الطرفين الفسطيني والاسرائيلي على اساس اتفاق المباديء( اتفاق اوسلو ) ، الا ان عوامل ثلاث على الاقل ، حالت كما بدا دون ذلك :

1- فمن جانب ، بدا الطرف الفلسطيني في معظمه ، غير مؤمن بالاتفاق ، وبدا الذين جاء بهم الاتفاق على رأس السلطه ( الوزراء واعضاء التشريعي ) ، ليس فقط ، غير قادرين على الدفاع عنه امام معارضيه ، بل وايضا ، من ابرز منتقديه ، علنا على الاقل .

2- ومن ناحية اخرى ، فأن حماس التي رفضت المشاركه السياسيه من حيث المبدأ ، في السلطه التي اقيمت على اساس الاتفاق ، وقفت من الاتفاق ليس فقط موقف المعارض ، بل وايضا المعرقل لاي امكانيه للتقدم على طريق تنفيذه ، حيث نشطت وبرعت في تنفيذ عمليات التفجير والتفخيخ، في العمق الاسرائيلي ، كلما بدت بارقة امل على طريق تنفيذ الاتفاق .

3- ومن جانب ثالث ، ظهر اليمين الاسرائيلي المتشدد ، كأكبر معرقل لتنفيذ الاتفاق ، حيث عمل منذ البدايه على تعطيله،وتمادى في ذلك الى الحد الذي دفع فيه الى اغتيال رابين .

بعد اغتيال رابين تضائلت الاحتمالات بحدوث أي اختراق ، تجاه الاتفاق على أي شييء من بنود الاتفاق ، وبدا ان الاتفاق وصل الى نهايته ، باقامة السلطه الوطنيه الفلسطينيه ، تحت القيود الاسرائيليه ، ولم يبق الامر عند هذا الحد ، بل ان تفاعلات الصراع وبناء السلطه ، بدا انها اثرث على الطرف الفلسطيني ، فكان الانقسام السياسي الذي تماهى مع الحدود الجغرافيه لكل من قطاع غزه والضفه الغربيه .

وهكذا ، لم يقدر لاتفاق اوسلو ان يحقق أي نتيجه تجاه تحديد واقع ومستقبل الصراع على الارض الفلسطينيه يمكن البناء عليه ، سوى اقامة السلطه الوطنيه الفلسطينيه ، تحت القيود الاسرائيليه ، كاحد نماذج الحكم الذاتي ، والتي لم تبق حتى سلطه واحده .