الهجرة النبوية الأسباب والدوافع بقلم:عبد اللطيف مهيوب العسلي
تاريخ النشر : 2018-09-13
الهجرة النبوية الأسباب والدوافع :

"إن قريشا بجهلها وحماقتها تريد ان تمنع الخير عن العصور القادمة تريد ان تصد النور عن الأرض كلها ,وتريد ان تمنع قيام بغداد الرشيد والقاهرة ,وصنعاء ,وشرق آسياء ,والأندلس ,وجامع قرطبة , والجامع الكبير في صنعاء ,وحضرموت والجند ,والمدرسة النظامية ,والأزهر الشريف ,وتريد ان تطمس الحضارة التي جاء يقيمها مسير محمد صلى الله عليه وسلم .
فماذا يفعل ?
يفتح بابا جديدا للدعوة..
وكان هذا الباب الهجرة إلى يثرب التي صارت بعد ذلك المدينة المنورة أم المدائن وعاصمة العواصم ."☆
فمن الأسئلة التي تطرح حول أسباب ودوافع الهجرة :
ما سبب هجرة الرسول وأصحابه إلى يثرب دون غيرها ?
ولماذا تم اختيار يثرب التي يسكنها قبائل الاوس والخزرج كموطن للهجره.واقامة الدولة الاسلامية ؟
وهل الاوس والخزرج من قبائل اليمن ؟
وكيف كان اسلامهم ودورهم في الهجرة ونشر الدعوة الاسلامية والجهاد في سبيل الله ؟

من أهم الأسباب لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الهجرة كانت علامة الرسول الخاتم الذي يؤذونه قومه ويخرجونه , ولا ينصرونه بل ينصره الله ,
" إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة .
وقد نصره الله سبحانه وتعالى , ثم أعاده إلى مكة بفتح مبين وصدق قوله وأنجز وعده حين قال له جل وعلا (..إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد )
ولأنه من علامات الرسول الخاتم فقد كان في المدينة اكبر تجمع يهودي - وكان مبغضا لرسول الله ﻷنه من غيرهم - , من أجل أن يكون واضحا للجميع من خلال تمكنهم من مقارنته فيما جاء في كتاب موسى فلا يكن أحد في مرية من أمره ولقاءه .
وفي الوقت نفسه ظهرت بشائر من الأوس الخزرج ظهر فيها شدة حبهم وحماسهم لقبول ما جاء به من هدى واستعدادهم لاستقباله ونصرته .
- فبحسب اعتقادي هذا هو السبب الرئيسي. -
ولسوء الحظ أغفل الكثيرون هذا السبب الرئيسي لهجرته صلى الله عليه وسلم إلى يثرب , فمن المؤكد أن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قد أقرت به الرسل السابقة وأخذ منهم العهد , وهم بدورهم أخذوا العهد من أقوامهم " ليؤمنن به ولينصرنه "
ومن ينظر في الكتب السابقة للقرآن رغم تحريفها سيجد أنها مازال فيها الكثير من البشارات , وقد تحققت فيه صلى الله عليه وسلم , ولم تتحقق بغيره , وبإقرار جميع أهل الكتب أن تلك البشارات علاماته وأوصافه لم تتحقق فيما قبله صلى الله عليه وسلم , وبعد ظهورها برسول الله ما يزالون مصرين بأنها لم تتحقق بعد , والعقل والمنطق يقول فمتى إذا ستتحقق ?
وصدق الله و,سوله وكذبوا ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ) الأنعام .
وكما في قوله تعالى : ( وكفروا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) ومن هذه العلامات هجرته صلى الله عليه وسلم , وقد أشار القرآن لبعض ماذكر من بشارات , كما في هذه الآيات من سورة الأعراف حين دعا موسى عليه السلام ربه في قوله تعالى : " ۞ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) سورة الأعراف.

ج 2 " أما لماذا تم اختيار يثرب التي تسكنها قبائل الاوس والخزرج كموطن للهجرة.واقامة الدولة الاسلامية ؟
فإلى جانب ما ذكرنا آنفا سبق في علمه تعالى أن الأوس والخزرج هم النواة الأولى التي ستنفجر منها الدولة الاسلامية والفتح العظيم , وكان لهم الدور الأبرز في تحقيق الشرط والدافع الرئيسي لحادثة الهجرة في الزمان والمكان .
المثمثل بعدم رغبة الرسول الكريم دخول يثرب إلا بموافقة أهلها فلا يدخلها عنوة ,
وﻷن الدعوة للناس جميعا وليس لقوم أو طائفة أو فئة , وليس لبلدة بعينها ولا بقطر دون آخر .
فقد كان الرسول يعرض دعوته على الوافدين إلى مكة ,
ومن أجل نجاح الهجرة هيأ الله لها الأسباب .
ظهر ذلك جليا من خلال استجابة عددا منهم لدعوة الاسلام فيما كان يعرضها على الوافدين من خارج مكة , وكان منهم أهل المدينة ولقى رسول الله قبولا لديهم ما لم يلقه عند غيرهم كان ذلك واضحا في بيعة العقبة الأولى و في بيعة العقبة الثانية والثالثة.
ففي بيعة العقبة الأولى قبلوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم , بل وأظهروا رغبتهم بابلاغ قومهم إذا رجعوا إليهم,
( لقد قالوا له :
"انا قد تركنا قومنا وليس قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم , فعسى أن يجمع الله بك, فسنقدم عليهم ' وندعوهم إلى أمرك , ونعرض عليهم الذي أجبناك اليه من هذا الدين , فإن يجمعهم الله عليه فلا أحد أعز منك "
ثم انصرفوا وكانوا ستة نفر من الأوس و الخزرج )*
وقد تضاعف العدد في العام الذي تلاه
ونجحت التعبئة الإيمانية القوية والبناء العقدي الراسخ في نفوس وقلوب من أسلم من أهل يثرب في جعل بادرة السبق تأتي من هؤلاء المسلمين الجدد, ولم تبق بيتا في المدينة إلا وذاع صيت رسول الله فيها الأمر الذي سرع لبيعة العقبة الثالثة , كما جاء في مسند الإمام أحمد في حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنهما – الطويل وفيه: " ثم بعثنا الله – عز وجل – وئتمرنا واجتمعنا سبعين رجلاً منا فقلنا: حتى متى نذر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يطوف في جبال مكة ويخاف فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم. ……. ".
وكانت بيعت العقبة الثالة في العام الثالث عشر من البعثة لها الأثر الكبير
في تشجيّع النّبي للهجرة وكيف لا ?
وقد رأى أناساً مستعدين لبذل أموالهم وأنفسهم رخيصةً في سبيل نصرة الدّين , وإعلاء كلمة الإسلام، وقد تحقّق التّمكين للمسلمين في المدينة المنوّرة حيث استطاعوا تأسيس نواة الدّولة الإسلاميّة الأولى التي أصبح لها جيشها وقوّتها الرّادعة للمعتدين، فنزلت الآيات الكريمة تأذن للمسلمين بالقتال بعد أن ظلموا ورد العدوان .

ج أما منهم الأوس والخزرج وما خصائصهم ?
فنسب الأوس والخزرج هما ابنان لحارثة العنقاء بن عمرو مزيقا بن عامر الكهلان، ولقب بالعنقاء لطول عنقه، أما أمهما فهي قيلة بنت الأرقم بن عمرو،[ 1 ]

....وتذكر كتب التاريخ والسير أن أصلهم : من اليمن نزحوا إلى المدينة بعد حادثة انهيار سد مأرب المعروفة بعد أن تفرق أهل اليمن أيادي سبأ ولعلهم من ذلك ورثوا الرقة التي في قلوبهم فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أهل اليمن قال : (أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية) الذي يعنينا هنا أن الأوس والخزرج هذا هو السبب التاريخي في نزوحهم وسكناهم في مدينته صلى الله عليه وسلم التي كانت تسمى يثرب.

أما فيما يخص خصائص الأوس والخزرج :
فكما أن الله يعلم حيث يجعل رسلته فيختار من يشاء ممن سبق لهم منه العناية , وأحاطتهم الرعاية من رسله الكرام , واختار منهم أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم, للناس أجمعين .
فنفس الشيء أختار من يشاء لنصرة دينه واتباع رسوله , ولقد كان من آمن من الأوس الخزرج أفضل الناس وأثنى الله عليهم بكتابه الحكيم مع السابقين المهاجرين من ذلك قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ) من سورة الحشر .
فقد اختارهم الله ليس محاباة ولكن كان فيهم من المميزات ما استحقون به هذه الرفعة ونختم القول فيما قاله شاعر رسول الله حسان بن ثابت وهو من الخزرج :
لله در عصابة نادمتهم * يوم بجلق في الزمان الأول
أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل
يغشون حتى ماتهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الأنوف من الطراز الأول

نسأل الله العظيم أن يحيي في أهل اليمن من الصفات الأوسية الخزرجية المتصلة بسيد خير البرية ما أماتته المعاصي والذنوب والحروب ما يصلح به حالنا ويرد به أعدائنا كما ردت وخسرت قريش حين وقفت تصد عن سبيل الله إنه سميع مجيب .

.......
الهامش
☆من موضوع لنا في دنيا الوطن تحت عنوان الهجرة . التي غيرت وجه التاريخ .
* مجموعة الوثائق السياسية محمد حميد الله
[1 ] أحمد بن محمد بن إبراهيم، التعريف بالأنساب والتنويه بذوي الأحساب، صفحة 34. بتصرّف