الاصطفاف الأمريكي ضد الفلسطينيين..هل هو وليد عهد ترامب بقلم:د. سمير مسلم الددا
تاريخ النشر : 2018-09-13
الاصطفاف الأمريكي ضد الفلسطينيين..هل هو وليد عهد ترامب  بقلم:د. سمير مسلم الددا


الاصطفاف الامريكي ضد الفلسطينيين......هل هو وليد عهد ترامب
د. سميرمسلم الددا
[email protected]
الاجراءات الامريكية الاخيرة المتعلقة بقضية الشرق الاوسط كانت كلها بلا استثناء تتبنى بسفور وجهة النظر الاسرائيلية وموجهة ضد الفلسطينيين, ابتداء من اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب حول القدس في كانون اول ديسمبر 2017, ومن ثم قراره بنقل السفارة الامريكية الى القدس في ايار مايو الماضي وما تلى ذلك من قطع المخصصات المالية للفلسطينيين التي تم الاتفاق عليها كجزء من اتفاقيات اوسلو بما في ذلك قطع المخصصات المالية المخصصة لمستشفيات ومراكز طبية ووصولا الى الامتناع عن الوفاء بالالتزامات الامريكية تجاه وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا) بموجب القرار 302 لعام 1949 وصولا الى اغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والذي كان في الواقع جزءا من اتفاق اوسلو انما يعني عمليا تقويض هذا الاتفاق الذي ينقسم حوله الفلسطينيون ما بين مؤيد ومعارض, ففي حين يرى فريق منهم ان الاتفاق مكنهم من جزء من ارضهم واعاد جزء منهم الى تلك الارض, يرى فريق اخر ان هذا الاتفاق هو الذي اعطى مبررا قانونيا لإسرائيل للتوسع في الاستيطان بصورة مرعبة بحيث تجاوز عدد المستوطنين سقف السبعمائة الف مستوطن في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية اوائل العام الجاري بعد ان كان عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عند توقيع اتفاق أوسلو 105 آلاف بحسب احصاءات مركز الدراسات العربية في القدس, واخيرا وفي تحد سافر للمجتمع الدولي باسره واستخفافا بمؤسساته الرسمية, تقدم الولايات المتحدة وعلى لسان مستشار الامن القومي العنصري البغيض جون بولتون على توجيه تهديدات شديدة اللهجة للمحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات عليها وعلى قضاتها ان هم قاموا بمحاكمة اسرائيل على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني, مما شكل استفزازا مقززا لتلك المنظمة الدولية المحترمة فقامت بإصدار بيان رسمي أكدت فيه التزامها التام بعملها وتعهداتها وستمضي قدما في اجراءاتها ولن ترضخ لاي تهديدات مهما كان مصدرها, مما شكل صفعة قوية على وجه بولتون ومن وراءه.
آرون ديفيد ميلر عضو المجلس الاستشاري الأمريكي لمنتدى السياسة الاسرائيلية والباحث في مركز ويلسون، وهو معهد أبحاث في واشنطن يقول بصراحة متناهية "امريكا لم تكن أبدا يوما وسيطا نزيها في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين", ويسترسل المبعوث والمفاوض الامريكي السابق للشرق الاوسط في إدارات عدة رؤساء جمهوريين وديموقراطيين قائلا: "علاقتنا الخاصة مع اسرائيل كانت دائما تمنعنا من ان نكون كذلك", ويوضح المحلل السياسي والكاتب المختص بالشرق الأوسط " لكن كان من الممكن ان نكون وسيطا فعالا عبر استخدام هذه العلاقة للتوصل الى اتفاقات معينة بين العرب والاسرائيليين", ويتابع صاحب العديد من الكتب عن الشرق الاوسط منها كتاب أرض الميعاد ( البحث المراوغ لأمريكا عن السلام العربي الإسرائيلي) وكتاب الدول العربية وقضية فلسطين (بين الإيديولوجيا والمصلحة الذاتية), وكتاب منظمة التحرير الفلسطينية وسياسات البقاء وغيرها قائلا : "انني لم أشهد أبدا ادارة تدعم إسرائيل بمثل هذا الشكل الفاضح، وفي الوقت نفسه تكن العداء للجانب الفلسطيني في معادلة السلام هذه, وبهذا نكون في الوقت الراهن قد نسفنا أي احتمال ان نكون ولو حتى مجرد وسيط", ويختتم السيد ميلر تصريحه لوكالة فرانس برس بقوله "حتى إذا حقق المسؤولون الامريكيون مفاجأة عبر عرض خطة تنص على قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية, فان النتيجة الاكثر ترجيحا ستكون رفضا من جانب الفلسطينيين" لانهم ببساطة فقدوا الثقة بهذا الطاقم الاشد انحيازا في تاريخ الصراع وبالتالي يخشون وقوعهم في افخاخ سياسية او تفاوضية على الرغم ان الفلسطينيين يمتلكون خبرات ومهارات تفاوض تفوق بكثير ما يملكه طاقم البيت الابيض الحالي المختص بالشرق الاوسط.
بدوره الدبلوماسي اليهودي الامريكي المخضرم مارتن انديك الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ومساعد وزير الخارجية الامريكي سابقا ونائب رئيس "معهد بروكنغز" في واشنطن, كان قد قال في برنامج هيد تو هيد (Head to Head) التي تبثه قناة الجزيرة الانجليزية: "ان امريكا لم تقل يوما انها محايدة في وساطتها بين اسرائيل والفلسطينيين".
من جهتها السيدة ميشيل دان فتقول: "إن المسؤولين الاميركيين يعتقدون أن الفلسطينيين سينتهي بهم المطاف بالاعتراف بانهم خسروا التحدي وأن عليهم قبول ما يعرض عليهم، قد يكون حكم ذاتي محدود ومبادرات اقتصادية", وتضيف الباحثة في معهد كارنيغي للسلام الدولي "أن الاميركيين يحاولون سحب المواضيع الشائكة مثل مصير القدس واللاجئين الفلسطينيين او حتى مستقبل الدولة الفلسطينية عن طاولة المفاوضات خصوصا وأن ترامب لم يبد اطلاقا تأييده لمبدأ حل الدولتين", وتابعت السيدة دان لوكالة الانباء الفرنسية "لكن ما لا يستطيع هؤلاء المسؤولين ان يدركوه ان هذه المواضيع تبقى بوضوح أساسية للفلسطينيين وللكثير من العرب والمسلمين" وخلصت المسؤولة الامريكية السابقة "انه من غير المرجح أن يقبلوا بذلك, وقد يكون ذلك المخطط الفعلي لادارة ترامب وهو استخدام الرفض الحتمي للفلسطينيين لتبرير إدخال تغييرات جديدة على الموقف الاميركي حيال التواجد الاسرائيلي في الضفة الغربية نفسها".
فلسطين الرسمية لن تتأثر سياسيا كثيرا من الاجراءات الامريكية التي سبقت الاشارة اليها انفا, بل على العكس ارى انها قد يكون مستفيدا وأكثر مما يتصور البعض, فمثلا منظمة التحرير الفلسطينية وهي أهم مؤسسة فلسطينية كانت قبل علاقتها بواشنطن تحظى باحترام شعبي فلسطيني وعربي واسلامي ودولي أكثر بكثير مما تحظى به الان, وحتى مكانة المنظمة عربيا ودوليا كانت أكبر بمراحل من مكانتها في ظل علاقاتها مع واشنطن.
الفلسطيني لا يتأثر كثيرا بقطع العلاقات مع واشنطن, لأنه ببساطة لا يعول عليها كثيرا لإدراكه منذ البداية انها منحازة تماما لإسرائيل, ولكن قد تكون ظروف سياسية واقليمية في فترة معينة فرضت عليه التعامل مع الولايات المتحدة رغم علمه بهذه الحقيقة, التي لم تغب عن ذهنه اطلاقا, ولا ننسى ان الجانب الفلسطيني هو الذي بادر الى تعليق العلاقات مع واشنطن وليس الجانب الامريكي عندما تم سحب السفير الفلسطيني من واشنطن منذ اربعة اشهر تقريبا, علاوة على ان الظروف التي مر بها الفلسطيني خلقت منه شخصية قوية شديدة التحمل تستطيع التأقلم مع أي ظروف معيشية قد تفرض عليه وفي الوقت نفسه محافظا على سمعته وكرامته وشرفه ومبادئه مما اكسبه احترام جميع المجتمعات التي تواجد فيها.
"وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم" في ظل هذه الاجواء السياسية المسمومة قد تشكل الاجراءات الامريكية والمباركة الاسرائيلية لها فرصة سانحة للخروج من تحت العباءة الامريكية والتحرر تماما من ضغوطات واشنطن السياسية على دوائر صنع القرار الفلسطينية, وأصبحت ندا للطرف الامريكي, بل أصبح الرئيس الفلسطيني يرفض لقاء الرئيس الامريكي ولقاء المبعوثين الامريكيين ويضع شروطا للمثل هذه اللقاءات في سابقة لم يجرؤ عليها غيره من زعماء المنطقة بحسب علمي.
بل يمكن القول انه قد يصبح من الاسهل على الفلسطينيين الان التخلص من نير اوسلو وتبعاته بما في ذلك بروتوكول باريس الاقتصادي الجائر الذي يفرض على الاقتصاد الفلسطيني الهش تبعية تامة للاقتصاد الاسرائيلي الضخم وكذلك فرصة لإلغاء التنسيق الامني الذي يلقي بظلاله على الاجهزة الامنية الفلسطينية واتهامها بشبهة العمل لصالح اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية, ناهيك عن تحكم اسرائيل الكامل في قواعد بيانات الاحوال المدنية الخاصة بالفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وحتى في قطاع غزة.
والاهم من كل ما سبق, ان الانسحاب الفلسطيني من المشهد يفرغ القرارات الامريكية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية من محتواها, ولا يعطيها الصفة القانونية او الشرعية التي يمتلكها حصرا الفلسطينيون اصحاب الارض الحقيقيين, لتغدو أي قرارات او اجراءات بدون اعترافهم وقبولهم وموافقتهم بلا قيمة او أهمية فعلية, وفي هذا السياق يأتي كل هذا الضغط الامريكي السياسي والمالي ظنا منهم ان الجانب الفلسطيني يمكن ان يخضع ويتماهى مع اوهامهم, ويتناسى هؤلاء الخرقى ان الاموال الامريكية مهما بلغت لن تكون باي حال من الاحوال اعز واغلى من تضحيات الشعب الفلسطيني الصابر بما في ذلك قوافل الشهداء والمعاقين والارامل والايتام وطوابير الاسرى وملايين المهجرين بالاضافة الى سنوات مريرة من الحصار وشظف العيش.
أخر الكلام:
من الحكمة التعامل مع مثل هؤلاء الصهاينة المتطرفين والحاقدين مسؤولي ملف الشرق الاوسط الحاليين في البيت الابيض (جرينبلات, كوشنر, جون بولتون, نيكي هايلي, ديفيد فريدمان) بتوحيد الصف الفلسطيني وانهاء الانقسام والتمسك بقوة بالثوابت الفلسطينية, ومن ثم اللعب على عامل الوقت فيما تبقى من عمر هذه الادارة العنصرية وادارة الازمة معهم بحرفية ترتكز على فضح جورهم وظلمهم وتحيزهم وعنصريتهم امام العالم اجمع والتمترس خلف قرارات الشرعية والقانون الدولي, وحشد دول العالم ضد افتراءات هؤلاء الصهاينة وتجنيدها بالتالي للتصدي للغطرسة الامريكية وعزلها.