شعب " ما يعرفش يغسل يديه" !بقلم:حمدان العربي
تاريخ النشر : 2018-09-13
شعب " ما يعرفش يغسل يديه" !بقلم:حمدان العربي


مر علي شريط فيديو من خلال فضاء التواصل الاجتماعي ، لنقاش كان يدور حول وباء الكوليرا الذي ضرب البلاد مؤخرا...
موضوع الحوار أو النقاش كان حول أسباب ظهور هذا الداء، رغم أن الزمن عفا عنه لأنه كان مرتبطا أصلا بالنظافة . وهذا الميدان ، أي النظافة ، أصبح من بديهيات الأمور لدى الإنسان ، جسدا و محيطا...
قلت نقاش كان بحضور سيدة ، لا أعرف مهنتها لكن حسب مناداة منشط الحصة لها "بالدكتورة"، يظهر أنها تنتمي إلى الميدان الطبي ، بمعنى طبيبة...
المهم ، السيدة المذكورة كانت تعطي في شرحا عن أسباب ظهور هذا المرض وكيف يتم التغلب عليه. من إحدى الأسباب التي أعطتها هذه السيدة المتحدثة و الذي شد انتباهي و استفزني فعلا حينما قالت في مجرى حديثها : شعب "ما يعرفش يغسل يديه"...
بمعنى أوضح ، ما أرادت قوله هذه السيدة ، كيف يُمكن لا يظهر مرض مثل الكوليرا و "الشعب لا يعرف غسل يديه"...
لكن المتحدثة عندما طلب منها منشط الحصة تفسير للناس الذين يتابعون هذا النقاش معنى كلامها "شعب ما يعرفش يغسل يديه" ، أرادت الالتفاف بقولها أنها تقصد كيف لشخص يسكن الأحياء القصديرية و الذي لا يملك حنفية يُمكن له تنظيف يديه جيدا ...
في الحقيقة ، كما ذكرت آنفا، استفزني هذا الكلام ورأيت فيه ، بقصد أو غير قصد، استفزاز لمشاعر الآخرين . وقمت بالمشاركة في النقاش الذي دار حول هذا الفيديو. بحيث قلت فيما معناه أن السيدة المتحدثة جانبت الصواب في حديثها مرتين...
مرة ، عندما قالت أن الشعب "ما يعرفش يغسل يديه" ، مذكرا إياها أن هذا الشعب التي تتحدث عنه هو شعب مسلم و أصل الشخص المسلم هي النظافة ، وهو يغسل يديه خمسة مرات مضروبة في ثلاثة يوميا، بمعنى 15 مرة، هذا فقط لأداء الصلاة...
المرة الأخرى ، عندما حاولت تصحيح المرة الأولى ، قائلة تعني بكلامها عدم توفر الحنفيات للساكنين الأحياء العشوائية ( bidonvilles ) ...
المتحدثة ربما لا تعرفه أن الشعب الجزائري بأغلبيته الساحقة ( ما عدا طبقة قليلة محظوظة ) أبان الاحتلال الفرنسي ، كان يسكن في أحياء عشوائية تفتقد لأبسط الشروط الصحية و لم تكون هناك حنفيات . المحظوظين من كان بقربهم حنفيات جماعية و من أجل الحصول على دلو من الماء على الشخص استيقاظ فجرا...
ومع ذلك كانوا هؤلاء من أنظف الناس. وأتذكر و أنا كنت أدرس في مدارس معلميها كلهم فرنسيين، أتحصل دائما على جوائز أنظف تلميذ في القسم . متفوقا على أولاد من كانت لهم حظوة لدى الاحتلال الفرنسي والذين كانوا يملكون حنفيات ومياه باردة و ساخنة...
رغم تلك الوضعية ، لم يُسمع في ذلك الوقت عن لا بوباء الكوليرا و لا ما شابه . كما يحصل الآن في وقت تطور كمي و نوعي في وسائل النظافة...
أكثر من ذلك جدتي ، رحمها ، كانت تسكن في قمة جبل للوصول إليها لا بد الاستعانة بكاسحة ثلوج ، ولم تعرف في حياتها حتى معنى "حنفية" . رغم ذلك كانت أنظف امرأة ، إن لم تكون هي النظافة نفسها...
بمعنى، العيب ليس في وجود الحنفيات من عدمها . و أيضا ليس كل الشعب "ما يعرفش يغسل يديه". وبما أن الأيادي هي حلقة الوصل بين المحيط الإنسان و معدته ،مخزن كل الأمراض و الآفات ، عدم الاعتناء بنظافتها (الأيادي) ، يترتب عنها أمور تمس السلامة الصحية لكامل المجتمع، كما هو الحال مع وباء الكوليرا الذي يتنقل عن طريق العدوى...
غير إني ، من حيث المضمون ، متفهم المتحدثة أن هناك أشخاص لا يهتمون كثيرا بالتنظيف الجيد لأيديهم بالخصوص أثناء تناولهم الغذاء ،سهوا أو تهاونا ، لكن ليس "مايعرفوش غسل أياديهم" . لأن ذلك يعني إقصاءهم من التصنيف البشري. لكن من حيث الشكل ليس بذلك الأسلوب الاستعلائي المستفز ...
المهم ، بعد مشاركتي وأعطيت رأي في الموضوع ، انهالت علي تعليقات من قراء، الكثير منها بل أغلبيتها مؤيدة للمتحدثة وبعضها يسخر من مشاركتي بعبارات تنم عن مستوى متدني لقواعد الاحترام و الحوار . كأني أنا من وجهت لهم تلك الاهانة المميتة ...
وبالتالي تأكدت من خلال هذه الردود ، أن هذا الشعب فعلا له "قابلية الاهانة". والعيب فعلا موجود فيه. لأن في مجتمعات تحترم نفسها فعلا و قولا لا يمكن لأي طرف مهما كان أن يخاطبها بتلك المفردات الاحتقارية (احتقار) و الاستعلائية المشطوبة من قواميس الاحترام والتوقير المفروض أن تكون بين طبقات المجتمع ...

بلقسام حمدان العربي الإدريسي
12.09.2018