خصائص القانون الدولي الإسلامي بقلم: د. عادل عامر
تاريخ النشر : 2018-09-13
خصائص القانون الدولي الإسلامي  بقلم: د. عادل عامر


خصائص القانون الدولي الإسلامي

الدكتور عادل عامر

أن العلاقات الدولية، علماً، لا تزال حديثة العهد، بيد أن الصحيح كذلك هو ضرورة التعرف على ما أبدعه المسلمون في هذا المضمار بعيداً عن الإنكار أو الادعاء. مستمرة، فكيف إذا كانت المعاملات الدولية أو العلاقات الدولية، ما تزال محدودة الواقع والأثر في الفكر الإسلامي؟ للإسلام نظرة للعلاقات الدولية تختلف في أساسها عن تلك التي يأخذ بها القانون الدولي الوضعي، فالإسلام أصلاً لا يعترف بانقسام العالم إلى كيانات سياسية ذات سيادة، لكل منها نظامها القانوني في العيش بحيث لا يخضع أي منها لقواعد أعلى إلا إذا قبل القواعد؛ على العكس من ذلك يهدف الإسلام إلى توحيد بني البشر في ظل نظام قانوني واحد هو الشريعة الإسلامية.

فالشريعة الإسلامية موجهة للناس كافة، دونما تمييز على أساس الأصل أو العرق أو اللغة. ومن المتفق عليه عند الفقهاء المسلمين أن بلاد المسلمين واحدة، مهما تعددت أقاليمها وتباعدت أمصارها واختلف حكامها.

في السنين الأخيرة، عاد الاهتمام بالإسلام يتزايد باعتباره ظاهرة سياسية واسعة. فمنذ نهاية عقد السبعينيات، أحرز الإسلام السياسي انتصاراً كبيراً في تأسيس أول حكومة إسلامية، في إيران. ومنذ عام 1979، وبقية الدول الإسلامية في مواجهة متزايدة مع الحركات الإسلامية الراغبة بتأسيس دول جديدة تعتمد كلياً على أحكام الشريعة الإسلامية، وإلغاء الأنظمة العلمانية التي تحكم المجتمعات الإسلامية منذ نشوء الدول القومية، بعد عصر الاستعمار.

والدولة الإسلامية، كغيرها من الكيانات السياسية، تقيم علاقات خارجية، تنضم إلى المنظمات الدولية، وتلتزم بالقانون الدولي والمبادئ العامة بوصفها معايير تنظم علاقاتها مع الآخرين. فقد عاد من المستحيل، في العالم المعاصر، الانعزال عن الاتصالات الخارجية، سياسياً واقتصادياً. وحتى أولئك الذين يبدون عداءً للغرب أو غير المسلمين، إذا ما وصلوا إلى السلطة، فسيجدون أنفسهم مجبرين على إقامة علاقات خارجية، وعقد معاهدات واتفاقيات مع الدول غير الإسلامية. إن إدارة الدولة لا يمكنها أن تعتمد على الشعارات الثورية أو الأفكار المجردة، ولا حتى على الحماس الديني، بل بالتعامل بواقعية مع مفردات العصر ومتطلبات المجتمع الذي تدير شؤونه.

منذ عقد الثلاثينيات في هذا القرن، بدأت الدول الإسلامية بالانضمام إلى المنظمات الدولية؛ في البداية عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها. إن مشاركة الدول الإسلامية في النظام العالمي يمكن اعتباره ظاهرة رائعة في التاريخ الحديث للدول الإسلامية.

هذه الظاهرة لها جذور تاريخية عندما كان العالم الإسلامي يقيم علاقات وثيقة مع الغرب منذ القرون الوسطى، وامتدت تلك العلاقات على مدى قرون طويلة، وتضمنت أشكالاً وأبعاداً مختلفة. لقد أثر كل طرف في الآخر في كل المجالات والنشاطات بين الدول، في السياسة والاقتصاد والثقافة والقانون والعلم، فكان ثمة تأثير متبادل بين الطرفين. وقد جهد فقهاء القانون أنفسهم في محاولة تقريب وجهات النظر الفقهية والقانونية بين العقل الغربي والواقع الإسلامي المتمثل بالنظم والحكومات الإسلامية وعطاء المفكرين والفلاسفة المسلمين، فهل وفقوا في ذلك؟ إن الإسلام دين عقيدة وعمل، ونصوصه في القرآن والسنة هي بالوضوح الكافي في إقرار المبادئ والتمسك بالموضوعية في العلاقات الإنسانية، بغض النظر عن الصياغات التعبيرية. لذلك فإن الشريعة الإسلامية هي شريعة مرنة تسمح بإقرار شرعية النظم والقوانين التي تخالف مبادئها. ونجد الفقه الإسلامي قديماً لم يدخر وسعاً في تنظير تصرفات عملية في مجال العلاقات الدولية تحت مبادئ نظرية، قد تختلف في صياغتها عن نظريات القرن العشرين الذي اتسم باتساع مجال العلاقات الدولية السلمية.

ويمكننا تعريف القانون الدولي الإسلامي تعريفاً أولياً بأنه: "مجموعة القواعد والأحكام في الشريعة الإسلامية التي تلتزم بها الدولة الإسلامية في علاقاتها مع الدول الأخرى".وفي ضوء هذا التعريف، يتبين لنا بعض سمات هذا القانون الدولي الإسلامي وخصائصه، فهو جزء من القانون الداخلي للدولة الإسلامية، وإرادتها هي أساس التزامها به، وأنه ينظم علاقاتها مع غيرها من الدول. فلابد من توضيح هذه السمات والخصائص:

الخاصية الأولى:

القانون الدولي الإسلامي جزء من القانون الداخلي للدولة الإسلامية، وهذه هي خاصيته الأولى. والقانون الداخلي للدولة الإسلامية هو الشريعة الإسلامية فقط ولا شيء غيرها، فهي التي تنظم جميع علاقاتها بغض النظر عن طبيعة هذه العلاقات وموضوعها وأوصاف أطرافها، فسواء كانت العلاقة بين أفراد أو بينهم وبينها، أو بينها وبين غيرها من الدول، وسواء كان موضوع العلاقة حقاً خاصاً أو عاماً، فإن هذه العلاقات جميعاً ينظمها القانون الداخلي أي الشريعة الإسلامية، فمن البدهي أن تكون علاقاتها مع الدول الأخرى محكومة بالقانون الإسلامي، وبكلمة أدق؛ الجانب منه المتعلق بهذا النوع من العلاقات.

هذا، وإن الدولة الإسلامية لا تملك الخروج على ما يقرره قانونها الإسلامي، وإلا فقدت صفتها الإسلامية. ولهذا يقول الفقهاء في تعريف دار الإسلام الدار التي تجري عليها أحكام الإسلام، ويأمن من فيها بأمان المسلمين سواء أكانوا مسلمين أم ذميين، ودار العهد هي دار غير المسلمين الذين ارتبطوا مع المسلمين بعهد الأمان المؤقت العام، أما دار الحرب فهي الدار التي لا تجري عليها أحكام الإسلام، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين.

ويترتب على هذه الخاصية أن قواعد القانون الدولي الإسلامي، شأنها شأن قواعد أحكام المعاملات في الشريعة، قواعد قانونية بالمعنى الصحيح، لها جزاؤها المقرر في الشريعة، وتطبقها محاكم الدولة على كل نزاع يدخل في نطاقها، ولا يفقد قانونيتها والتزام الدولة الإسلامية بها عدمُ اعتراف الدول الأخرى بها، لأنها من قانونها الداخلي،

وقانون الدولة الداخلي لا يتوقف نفاذه والتزام دولته به على اعتراف الدول الأخرى به، كما أن عصيان أحكام الشريعة ومخالفتها من قبل الدول الأخرى، لا يسوغ للدولة الإسلامية مخالفة الشريعة، لأن مخالفتها معصية، ولا متابعة ولا اقتداء بالعصيان.

الخاصية الثانية:

وأساس التزام الدولة الإسلامية بالقانون الدولي الإسلامي هو إرادتها فقط، لا ما تطبقه الدول الأخرى، وعلى هذا؛ فما يوجد عند الدول الأخرى من قواعد في موضوع العلاقات الدولية لا يلزم الدول الإسلامية ولا يعد من قواعد قانونها الدولي إلا إذا أرادته ورضيت به صراحة، كما في المعاهدات، أو ضمناً كما في العرف، ومن البدهي أن إرادتها مقيدة بحدود الشريعة وأحكامها، فإذا اختارت ورضيت بما هو خارج عن هذه الحدود كان رضاها باطلاً لا يلزمها بشيء، حتى لو كان ما رضيت به مشروطاً عليها في معاهدة هي طرف فيها.

الخاصية الثالثة:

ومفاد هذه الخاصية للقانون الدولي الإسلامي أنه ينظم علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول الإسلامية، فهو في أصله وطبيعته ومنذ نشأته الأولى يتجه إلى هذه العلاقات؛ لأن المفروض في دولة الإسلام أن تكون واحدة لا متعددة.

وعندما نتحدث عن (قانون دولي إسلامي)، فإننا نحمل هذا الفرع من العلوم أكثر مما يحتمل، ذلك لأن إضفاء الصفة الدينية على القانون الدولي- إسلامياً كان أو مسيحياً- يضعه في مرتبة القداسة، ويقسم العالم إلى مجموعات دولية متقابلة على أساس ديني، علماً بأن التعدد الديني لا يتنافى مع الوحدة الإنسانية العالمية. هذا بالإضافة إلى أن قواعد القانون الدولي، بما فيها القواعد الفقهية، هي معطى عقلي؛ حتى ولو كانت مؤسسة على أحكام الشريعة الإسلامية. فالاجتهاد الإسلامي أبدع في فقه المعاملات بين الدول والجماعات، غير أنه كان ثمة اختلافات كثيرة بين فقهاء المسلمين الكبار حول عدد من قواعد السلم والحرب.

إلى ذلك نقرأ عناوين عدة لمقاربة قواعد القانون الدولي العام في ضوء الشريعة، منها على سبيل المثال: الفقه الدولي العام، الإسلام والقضايا الدولية، الفقه الدولي في الإسلام، الإسلام وقانون الشعوب... ونفضل في هذا الحقل استعمال المصطلح: القانون الدولي في الإسلام للدلالة على مضمون تلك القواعد في إطار التعاون الإنساني، والأخوة الإنسانية داخل الدار العالمية الواحدة.

ولما كان القانون الدولي المطبق في هذه المنظمات والمعاهدات يستند أساساً إلى قواعد وأعراف غير إسلامية، ولما كانت الحكومات والدول التي أقيمت بعد الاستقلال دولاً قومية وعلمانية، فلم تكن ثمة صعوبات أو مشاكل فيما يتعلق بطبيعة التعامل مع القانون الدولي. ولكن بعد الصحوة الإسلامية وتأسيس أول جمهورية إسلامية عام 1979، وسعي عديد من الأنظمة والحكومات إلى الانسجام مع القواعد والتعاليم الإسلامية بدأت إثارة بعض التساؤلات والإشكالات حول تعامل الإسلام مع القانون الدولي، أي هل من مانع شرعي وفقهي من القبول بالتعامل مع مبادئ القانون الدولي؟ وهل الأفضل التعامل معه أم تأسيس قانون دولي إسلامي؟ وهل تختلف مبادئ القانون الدولي ومصادره عن مصادر القانون الدولي الإسلامي؟