زمن القهر بقلم:د. طاهر عبد المجيد
تاريخ النشر : 2018-09-12
زمن القهر
د. طاهر عبد المجيد


تمضي الأيامُ ولا أدري
إن كان سينفعني صبري

أو أنِّي بعد محاولةٍ
أُخرى سأعودُ إلى الصفرِ

ويعودُ الليلُ كعادتهِ
يسقيني الخمرَ على الخمرِ

ويفتشُ صمتي ودموعي
عن سرٍّ ضاق به صدري

وبصدري أسرارٌ تَخشى
إن فَرَّتْ منه يد الغدرِ

وإذا ما بقيتْ فستحيا
تتجرَّعُ آلام الأَسرِ

أتمنَّى لو فَرَّتْ حتى
من جرحٍ يُفْتَحُ في ظهري

فلعلَّ الخوف يُغادرني
وينام كطفلٍ في حِجري

وتعودُ لتبني كلماتي
بفمي أعشاشاً كالطَّيرِ

تعبتْ قدمايَ ولكنِّي
لا أملكُ إلا أن أَجري

فالدربُ طويلٌ وأمامي
أحلامٌ أكبر من عمري

لا أدري كيف بمعجزةٍ
أُنجزها وأعيشُ كغيري

والعمرُ إذا ما قِيْسَ بها
لا يعدو حرفاً في سطرِ

عقلي المُرتاب يُحاصرني
بالشَّكِ ويُسرف في زَجري

وفؤادي يروي لي قصصاً
ورؤىً لِيَشُدَّ بها أَزري

ويقول ستفرج إن ضاقتْ
ما بعد العُسرِ سوى اليُسرِ

والله يقولُ بِمُحْكَمِهِ
إنَّ الإنسان لفي خُسرِ

إلا من آمن واستوصى
بالحقِّ وأوصى بالصَّبرِ

وشراعي المُتعب من زمنٍ
يحملهُ البحرُ إلى البحرِ

يمضي والبحرُ يقول لهُ
لا راحةَ إلا في قعري

فمياهي لا تُفضي أبداً
مهما أبحرتَ إلى البرِّ

أحلامكَ داؤكَ فاقتلها
وستُشفى منه على الفورِ

واقتلْ ماضيكَ لكي تحيا
بالحاضرِ منشغل الفكرِ

هو شرٌ يُخفي ظاهرهُ
ما لا تُحصيهِ من الخيرِ

وستعرفُ كم كنتُ مصيباً
يوماً وستعجزُ عن شُكري

أَقْتُلها؟ كيف سأقتلُها
بيدي وأفرُّ من الوزرِ؟

وشعوري بالذَّنبِ سينمو
في قلبي كجذوعِ الحَورِ

وسيكبرُ حتى يجعلني
من نفسي آخذُ بالثأرِ

إنْ كان الموتُ يُخلِّصني
مما أنا فيهِ ومن عُسري

أتمنَّى لو هي تقتلُنِي
وتُفتشُ عن أحدٍ غيري

في وِسعي العيشُ بلا ماضٍ
إن عاش النبتُ بلا جذرِ

وحياةُ المرء بلا حُلُمٍ
لا يوجد فيها ما يُغري

أعترفُ الآن على مضضٍ
أنِّي أخطأتُ بلا عُذرِ

أخطأتُ لأنِّي لم أحسبْ
أبعادي في هذا العصرِ

لم أسألْ عني مرآتي
أو ظلِّي السائر في إثري

وشطحتُ بأحلامي حتى
أصبحتُ وقد مَلَكَتْ أمري

ورمتني في ظُلمةِ سجنٍ
بمساحةِ مترٍ في مترِ

وكأنِّي أمسكتُ بحبلٍ
بالٍ يتدلَّى في بئرِ

قد رُبطتْ عُقدتهُ بِعَصَاً
تَتَأَوَّهُ من ألمِ النَّخْرِ

أتصارعُ وحدي مع وعدٍ
بالقطع ووعدٍ بالكسرِ

والوقتُ يُراوحُ بينهما
فكأنَّ اللحظة كالشهرِ

أخطأتُ لأنِّي لم أقرأْ
إلا ما جَفَّ به حِبري

وكتبتُ الشِّعْرَ ولم أبدأْ
من آخرِ بيتٍ في الشِعْرِ

وتركتُ سوايَ بلا سببٍ
يُقنعهُ أن يُكمل دَوري

أخطأتُ لأنِّي لم أطرحْ
أسئلةً تفتحُ لي ثَغري

أو تفتحُ جُرحاً في جسدي
كي أصرخَ في زمنِ القهرِ

وسمعتُ نصيحةَ من قالوا:
الشَّكُ بريدٌ للكفرِ

فبقيتُ كما كنتُ غريباً
عن أممٍ تصنعُ ما يجري

مُكتفياً بالعيشِ كطيرٍ
لا يحلمُ إلا بالفجرِ

وبحبةِ قمحٍ يأكلُها
وبرشفةِ ماءٍ من نهرِ

هلْ آنَ أوانُ مُراجعتي
لحياتي أم أكملُ سيري؟

وهل الأيامُ ستُمهلني
أم بدأتْ تحفرُ لي قبري؟

سَيحُزُّ كثيراً في نفسي
ويَعُزُّ عليَّ مدى الدهرِ

أنِّي سأموتُ ولي قدمٌ
لم تتركْ أثراً في الصخرِ