سياحة داخلية وأثار منسية في فلسطين بقلم:جاد كنعان جادالله الطويل
تاريخ النشر : 2018-09-12
سياحة داخلية وأثار منسية في فلسطين
جاد كنعان جادالله الطويل****
بدأ حبي وتعلقي بالطبيعة والمناطق التاريخية وللاثارفي فلسطين يتجذر منذ صغري، واتذكر اصراري وقد كنت طفلا لم يتعدى عمره السادسة، وانا ألح على والدي رحمه الله بمرافقته عبر جبال ووديان مدينة البيرة كي ادله للوصول الي كهف – مغارة المحمى- ابليخ- والتي اختبئت بها عائلتنا مع عائلات كثيرة من المدينة هربا من الحرب اثناء حرب الايام السته عام 1967 وحينها تركت العائله منزلنا ومقتنياتنا خوفا من القصف الجوي والتخريب والقتل الاسرائيلي.
اراد والدي، وقد عاد حينها من امريكا في اواخر الستينات من القرن الماضي، التعرف على الموقع الذي اختبات به العائله، وكأنه اراد ان يشعر ويحس بجزء من معاناة عائلته والتي اختبأت في هذا الكهف،اثناء احتلال مدينتنا من قبل الاسرائيلين. واتذكر اصراري ان اذهب معه للموقع لأني ادعيت وقتها وانا طفل لم يتجاوز السادسة، بأني أعرف الطريق للموقع وسارشده للمغاره، وقد مشينا لفترة طويلة وحملني والدي على اكتافه لفترة اخرى، وقد كانت الجبال وعره والوديان طويلة ولا يوجد طرق  سالكه وقتها ولا معالم واضحه توصلنا للموقع، الا جبل الطويل ووادي العين كمعالم ترشدنا واتذكر كيف عدنا وقتها دون ان نتعرف على مكان الكهف او نقترب منه.
اذكر هذه الحادثة واستخدمها هنا كمداخله، مع انها بسيطه بمعناها، الا انها مدخل لمجموعة من الافكار قد وعدت بعض الزملاء والاقارب بتوثيقها  بعد مجموعة من التجارب التي مررنا بها خلال الفترة الماضية، وهي استمراروجود حالة من قلة أوعدم اهتمام او اللامبالاه الرسمية بتوثيق ورعاية المواقع الطبيعية و التاريخية والاثرية والدينية في فلسطين.
بدأنا في شهر اب من هذا العام بمبادرات عائلية واصدقاء بزيارات لمدن فلسطينية وقرى ولمواقع مهمة وذات مضمون تاريخي وتراثي وديني، الا انه للاسف لاحظنا قلة الاهتمام وعدم التوثيق المناسب لها، ولااقول هذا الا من باب المحبة والاهتمام والنصح والنقد الايجابي، وخاصة لسكان المناطق المعنية بالامروالمسؤولين في البلديات ووزارة السياحة والاثارو ايضا لمن يعنيهم الامر، لعلهم ياخذوا الامر مأخذ الجد ويدركوا المخاطر ويعملوا على انشاء برامج مستدامه لرعاية تلك المواقع والكثيرممن يشابهها.
في يوم جمعه  سبقت الاول من ذي الحجة ،اتفقنا ان نلتقي مع زميل لنا في الحرم الابراهيمي في مدينة الخليللصلاة الجمعة والتعرف على المدينة. وما ان وصلنا مدخل مدينة حلحول قادمين عبر وادي النار ورحلته الشاقه من الشمال لعدم مقدرتنا العبور للجنوب عبر مدينة القدس، كوننا لا نحمل تصاريح، حتى بدانا بتتبع الاشارات المرورية بنية اللون والمرشده للحرم الابراهيمي الشريف قرب مفرق حلحول وسعير. الا ان هذه اليافطة الاسرائيلية للاسف قادتنا الى طريق خارجي اوصلنا الى داخل مستوطنة كريات اربع، حيث اضطرينا للعوده حيث لا يسمح لنا كفلسطينين بدخول المستوطنه للوصول للحرم الابراهيمي، والاشارات تلك كانت تستهدف المستوطنين الاسرائيلين، وبالتالي رجعنا وبدانا الرحله عبر وسط مدينة الخليل.  وهنا بدانا بالاستفسار من المواطنين والى ان قادتنا بعض اليافطات الى طريق ذات اتجاه واحد لا نستطيع دخوله، وهنااضطرينا لاركان السياره بالقرب من مبنى الغرفة التجارية القديمة للخليل، لاننا لا نعرف المراوغه بالوصول بالسيارة لاقرب نقطه للحرم.
بدانا بالمشي نحو الحرم الابراهيمي وتتبعنا الاشارات الموضوعه في المدينة، ظنا منا ان المكان قريب. وكانت الطريق فارغة لبضع كيلومترات ولم تكن المدينة كما توقعنا مكتظة وما ان دخلنا البلدة القديمة، الى ان بدانا نشعر بعزلة المدينة.  الا ان معاناة السكان والزائرين على الحواجز وكثرة الجنود والمستوطنين كان ملفتا للعيان، و ظهر الاحتلال وظلمه والتميز واضحا  وخاصة بالية ادخال المواطنين فردا فردا عبر ما يطلق عليه المواطن هناك بالمعاطات – الحواجز الابواب الدوارة- والتي يسمح لمواطن مواطن بالدخول عبرها  و يتبعها التفتيش عبر اجهزة الكشف عن المعادن و بعد ذلك  يواجهك حشد من الجنود مهمتهم السؤال والتدقيق ببطاقات الهوية للداخلين للبلدة القديمة،  وهنا يؤلمك أن تشعر بتلذذ الجندي المحتل بمعاناة المواطن الفلسطيني وتعذيبه واذلاله .........
 وما ان تدخل المسجد الابراهيمي حتى تراه  مسجد حزين يأن من محتليه ومعاتبا هاجريه،  مسجد مقسم  من الداخل  بين المسلمين واليهود ،واعداد المصلين المسلمين قليلة جدا، وكنت شخصيا اتوقع الالاف المؤلفة تؤم المدينة والمسجد وخاصة يوم جمعة تسبق الاول من ذي الحجة، ولكن للاسف لا يوجد اكتظاظ للمصلين،  وخاب ظني.... لاني توقعت زحمة يعج بها المكان وهرولة المصلين وظننت اني سارى الناس باعداد هائلة .....  وان كنت قبلها الوم نفسي والوم عائلتي وسكان مدينتي بعدم شد الرحال لخليل الرحمن والحرم الابراهيمي بانتظام، ولكن اليوم ايضا الوم مدينة الخليل وقراها ومحافظة كبيرة كالخليل اولا بعدم تعريف الناس بما يحصل للمدينة والحرم وثانيا بعدم حث الناس على القدوم و عدم وضع مؤسسات المحافظة برامج وخطط لتشجيع الزيارة ولو في يوم الجمعة للحرم وللاسواق ولواضطروا للصلاة في الشوارع والطرقات ان منعوا من الاقتراب من البلدة القديمة والصلاة في الحرم ............ ولن ازيد في السرد ساترك المجال للمواطن ان يزور المنطقه ليعرف ما هو الحال وليرى المعاناة بام عينيه.
بعدها بايام  قررنا ان نوثق المواقع الاثرية  في مديننا- مدينة البيرة- فانطلقنا نتجول، فبدانا في تل النصبة في المدخل الجنوبي للمدينة والمطل على مدينة القدس والتي لا يعرف عن هذا الموقع الا القليل من المواطنين فهذا الموقع في حالة منسية، ومطموره او مسروقه اثاره،  فمنذ ان سرقت  المقتنيات واصبحت رهينة المتاحف العالمية  في  الغرب لا يسال عنها احد  ففي الطريق للمكان لا يوجد اي اشارات تشير للموقع او تشرح قيمته التاريخية.... ومن هناك عدنا الى خان البيرة المرمم حديثا، فقليل زواره ( نادر ان يزوره احد) .... ومسجد العين لا يافطة ظاهرة للعيان تبين تاريخه .... والمسجد العمري وتاريخه غيرواضح للعيان وفي ظلال المسجد اثارواضحة للعيان لموقع كنيسة تاريخية يشير للتاخي بين الاديان  وللاسف غير موثق عليها لا اسم ولا سرد يوضح ماهيتها للزائرين،  والى الشرق في براري مدينة البيرة مقام سيدي شيبان المكان بعيد عن تواصل المواطنين الا من عرفه من سكان المدينة ويقصده بعض العارفين به او من استطاع اليه سبيلا من اهل المنطقه العارفين بتاريخه والمهتمين به....... اما العيون والابار كثيرة العدد و التي اخذت مدينة  البيرة اسمها وشهرتها منها فهي في طي النسيان ...  والعين التي مر بها سيدنا عيسى  في تنقله بين الناصرة وبيت لحم  والملتصقه بالمسجد المسمى باسمها لا احد يذكرها  ولا يعرفه قصتها  معظم سكان المدينة الا من بعض السياح الذين يمروا عليها بين وقت واخر .........
ومما لفت النظر وفي طريقنا الى سبسطية في يوم اخر ...............ان احدى عيون المياه  في احد اودية مدينة البيرة والتي يعرفها اهل المدينة باسم عين زليخة  فقد  وضعت يافطة  على الشارع الالتفافي  القريب من قرية بيتين  والحاجز المسمى  DCO تشير لاسم اخر وواضح ان اليافطة موجهة  للمستوطنين من الاسرائيلين  والسياح الاجانب واضحة  للسائقين  وبلغات عدة باسم اجنبي.........Medberry Spring   وقد يكون هذا اسم عبري او تلمودي.
وبالوصول الى سبسطية سلكنا  طرق التفافية في الريف الفلسطيني وبمحاذاة مستوطنات عدة  خلف جدران مرتفعه لتخطي ازمة السير في وسط مدينة نابلس وعبر ارشاد  من زملاء عبر الهاتف ممن يسكنوا المنطقة، وصلنا لسبسطية القرية، ونعم هناك يافطات ترشدك للمواقع الاثرية في داخل القرية، الا ان القرية هادءهة والمواقع الاثرية مهمله ولا يوجد تفصيل وشرح واضح يبين الحقب التاريخية للموقع. ومما لوحظ ان هناك مجموعات من المستوطنين  جاءت للموقع و تحرس باصات نقلهم دوريات اسرائيلية و المشاه من المستوطنين يحرسهم جنود باسلحتهم، حاولنا التعرف على التاريخ للمواقع والية التحرك  داخل الموقع لم يسعفنا الحظ ، وقد قام زميلي الزائر من امريكا  بفتح محرك غوغل وبدا يقرا لنا – او بالاحرى يترجم لنا من الانجليزية للعربية عن سبسطية،  وصاحب  بقالة  يبيع المياه والعصير ارشدنا بالسير عبر ممر ابيض على ارضية الموقع الاثري  والنظر  للمخلفات الاثرية والمدرجات.....
اكتب هذه  المشاهدات والافكار وانا ادرك ان هناك جهود فردية او ومؤسساتيه اومبادرات  نشطاء محدوده تسعى لاحياء وتطويرالسياحة الداخلية وتوثيق المواقع التاريخية والتراثية والطبيعية الفلسطينية .... وما مداخلتي هذه الا جزء من هذا الحق بالتوثيق ولكنها من باب  ان  تحث اصحاب القرار والمؤسسات ذات الاختصاص ان تهتم بهذا الامر وتعمل على ابراز هذه الاثار والمواقع في مضمونها الفلسطيني والعربي والمسيحي  والاسلامي والانساني لاننا نري في الجانب الاخر من يسعى لطمس هذه الجوانب  واظهار جانب وحيد بدون وجه حق فلنبادر بقوة قبل فوات الاوان وقبل ان نصبح كالهنود الحمر لاسمح الله.
****  ناشط فلسطيني مجتمعي محلي وعالمي يعمل في المجال الصحي  ومقيم حاليا في مدينة البيرة في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة.