نظرة على ثلاث لوحات من مدارس فنية وحقب زمنية مختلفة تحمل العنوان ذاته "زحل يلتهم ابنه"
تاريخ النشر : 2018-09-06
هنالك الكثير من اللوحات التي تشترك بالعنوان ذاته ويربطها المضمون ذاته ايضا، استعرض هنا مثلا لثلاث لوحات من عصور فنية مختلفة، تحمل العنوان "زحل يلتهم ابنه"، سأتطرق طبعا للأسطورة التي شكلت الهاماً للفنانين كي يتسابقوا على تجسيد حدثها، على الرغم من وجود فترات زمنية هي ليست بقليلة بين اللوحات لدينا هنا، الا انه يجمعها وحدة الفكرة وترابط الأهداف القابعة خلفها..
هنا لدينا ثلاث لوحات تصوّر الإله الروماني زحل، (او كرونوس عند الإغريق)، والذي كان ايضا كبير الآلهة، وهو يلتهم ابنه ، وذلك على إثر نبوءة جاءت له على أن أحد أبناءه الستة سيطيح به ويخلعه عن عرش الالوهية، كما فعل هو مع والده، الملك الظالم أورانوس!! على الرغم ان الأسطورة تقول انه اكثر ظلما من ابيه!! الا ان كرونوس قد يكون طبّق المثل الشائع "تغدى فيهم قبل ما يتعشو فيه"!!
طبعا لكي يدافع كرونوس عن عرشه والوهيته، أقام حصناً منيعاً وضخماً كي يحميه من هجمات ابناءه في المستقبل، لكن الفكرة والاستسلام للمبدأ لم تعد تقنعه فيما بعد!! فاتخذ قرار بعد ذلك بأكله ابناءه وكل مولد جديد يولد!! لذلك، اصدر امرا لزوجته رَيا ان تقوم بتسليمه كل مولود، فيأخذ كرونوس بابتلاعه بعد ان تسلمه له زوجته رَيا دونما رحمة، رأفة، او حتى شفقة!! وتكرر الحدث مع كل مولود جديد حتى فاض الكيل مع رَيا وقررت هذه المرة خداع كرونوس والا تسلمه رضيعها مهما كلّف الامر!! فحين أدركها المخاض ووضعت مولودها السادس، اتت بحجر ولفته بقطعة قماش كي يوهم كرونوس بانه الرضيع الجديد!! وبعثت به الى زوجها الذي شرع بالتهامه ظنا منه انه ابنه!! نقلت رَيا رضيعها الى احد الجزر البعيدة (كريت)، كي يعيش مع حوريات الجبل، وحينما اصبح شابا يافعا، قويا وجسورا، أوعزت له أمه فكرة الانتقام من والده!! وقام بإجبار أبيه على استفراغ إخوته من بطنه!! رفض كرونوس، ولكن زيوس استطاع ان يخدع ابيه وجعله يشرب الخردل الذي اخرج ما في أمعاءه، ليكون من بينهم اخوته!! وتقول رواية اخرى أن زيوس شقّ بطن ابيه وأخرج إخوته بنفسه!! وبعد ان كبر الإخوة دارت بينهم جميعا معارك شديدة، سواءا بين كرونوس واتباعه من ناحية، او بين زيوس واخوته من ناحية اخرى، طبعا استطاع زيوس النفاذ والانتصار في جميع معاركه!! وهكذا تحققت النبوءة، وخلع كرونوس عن عرشه، وأصبح بعدها زيوس الحاكم وكبير الآلهة، فهو الذي يحكُم آلهة جبل الأوليمب باعتباره "الأب الوريث"!!
هنا أبدع كل فنان في تصوير وحشية الحدث على طريقته الخاصة!! فتصطدم اعيننا مثلا باُسلوب بيتر بول روبنز الذي تعتبر أعماله مثالا صارخا على المدرسة الباروكية في فن التصوير، حيث كانت تجمع بين أسلوب المدرسة الإيطالية وواقعية المدرسة الفلامكنية!! او اُسلوب جيوفاني باتيستا تيبولو المتميز بالتصوير الذي يعطي إنبهاراً باللوحة ككل، وبالألوان الحية المتألقة!! او لوحة فرانسيسكو دي جويا والتي تعتبر اشهرهن وأكثرهن رعباً!! حيث ابدع في تصوير كرونوس وكأنه قد اصابه مس من الجنون بعيونه الجاحظة المخيفة!! طبعا هذه اللوحة كما الكثير من لوحاته تعد انعكاسا لحالته النفسية والمزاجية التى سبقت وفاته، وما صاحبها من فقده لحاسة السمع، واضطرابه الشديد، وتأثره أيضا بالاضطرابات الأهلية التي كانت السائدة في أسبانيا آنذاك، ففي تلك المرحلة اتسمت أعمال جويا بألوانها القاتمة!! واشخاصها المخيفون والمرعبون!! وتركيز موضوعاتها إلى كل ما هو غريب وقاس.. وهمجي ايضا!!

معلومات عن اللوحات الآنفة (بإمكانكم معرفتها عبر نسخ العنوان واسم الفنان على الانترنت):
Artist: Francisco Goya
Title: Saturn Devouring His Son
Year: c. 1819–1823
Medium: Oil mural transferred to canvas
Location: The Prado Museum, Madrid, Spain

Artist: Peter Paul Rubens
Title: Saturn or Saturn Devouring His Son.
Year: c. 1636
Medium: Oil mural transferred to canvas
Location: The Prado Museum, Madrid, Spain

Artist: Giambattista Tiepolo
Title: Saturn Devouring His Son
Year: c. 1745
Medium: Oil mural transferred to canvas