عاشت سوريا منذ نهاية الحكم العثماني نظما سياسية مختلفة ومراحل انتقالية عديدة. أفضت هذه التغيرات الى نشوء أنظمة سياسية مختلفة ملكية منها و جمهورية، فدرالية منها أو مركزية. في هذه المادة سنحاول عرض التطور التاريخي للمركزية واللامركزية في سوريا.
- من نهاية الإمبراطورية العثمانية إلى استقلال سوريا.
بعد انهزام الجيش العثماني وانسحابه من سوريا في أكتوبر 1918، دخلت الجيوش العربية بقيادة الأمير فيصل إلى دمشق. اقتصر حكم فيصل على سوريا الداخلية، فقد كان الإقليم الجنوبي أي فلسطين تحت السيطرة البريطانية، بينما كانت الساحل تحت سيطرة الجيوش الفرنسية. في هذه الظروف، افضى المؤتمر السوري العام لسنة 1919 الى استقلال سوريا وتنصيب فيصل ملكا على البلاد(1). وفي 8 آذار 1920 أعلن المؤتمر السوري قيام حكومة مدنية وتم صياغة دستور للمملكة حيث شكل الدستور من 177 مادة. نصت المادة الثانية على أن : «المملكة السورية تتألف من مقاطعات تشكل وحدة سياسية لا تقبل التجزئة» . في حين جاءت المادة السابعة والعشرون لتؤكد على لامركزي سياسية واسعة على أسس جغرافية واضحة في الحكم : «الحكومة العامة للمقاطعات السورية تتألف من هيئة الوزارة وهي المسؤولة أمام المجلس النيابي العام». ونصت المادة الخامسة والستون على أن يتم انتخاب المجلس النيابي في كل مقاطعة أعضاء لمجلس الشيوخ بنسبة ربع نوابها في المجلس النيابي العام ويعين الملك عدداً مساوياً لنصف عدد الأعضاء المنتخبين(2).
صدر الدستور رسمياً في 13 تموز/يوليو 1920 لكن لم تعمر مملكه فيصل طويلا، فقد طبق الدستور لمدة خمسة عشر يوما.ً دخلت الجيوش الفرنسية بقيادة الجنرال غورو في تموز 1920 العاصمة دمشق معلنة عن نهاية الحكم الملكي بعد الانتصار العسكري في ميسلون ومطبقا بذلك مقررات اتفاقية سان ريمو أبريل 1920 التي أعطت حق الانتداب لفرنسا في كل من سوريا ولبنان، ونصيب وبريطانيا كان كل من فلسطين والعراق.
رأى الجنرال الفرنسي غورو أن سورية تضم أديانا وقوميات ومذاهب مختلفة فأسس ست دول: دولة حلب (1920) ودولة دمشق (1920 ) ودولة العلويين ( 1920)المشكل من طرطوس واللاذقية وتلكلخ والحصن بالإضافة إلى مصياف.
بالاضافة الى إنشاء دولة لبنان الكبير(1920) بعد أن قام غورو بفك أربع أقضية وهي بعلبك و البقاع وراشيا وحاصبيا عن دمشق. وفي 1921 تم إنشاء دولة الدروز (3).وفي السنة نفسها تم الإعلان عن حكم ذاتي للواء اسكندرون وذلك تحت الضغط التركي. كان لكل دولة علما واعياد وطنية وبرلمان ودستور. فمثلا نصت المادة 27، من دستور دولة جبل العلويين على أن يقود السلطة حاكم بقيادة مجلس تمثيلي(4). في أواخر عهد الجنرال هنري غورو وبالتحديد في 28 يونيو 1922 تم إعلان الاتحاد الدستوري على أساس فدرالي بين كل من دولة حلب ودولة دمشق ودولة جبل العلويين. تم تشكيل مجلس اتحادي يضم ممثلين عن دولة حلب ودولة العلويين ودولة دمشق. وفي 28 حزيران 1922 تم تشكيل الحكومة الثانية تحت حكم الانتداب الفرنسي برأسه صبحي بركات العابد وهي أول حكومة فيدرالية في تاريخ سوريا. لم يتم تأسيس دولة سوريا إلا في سنة 1925. فقد ضمت حلب ودمشق، في حين حافظت كل من جبل العلويين والدروز على حكم ذاتي واسع إضافة إلى لواء الإسكندرون.
بعد وصول الجبهة الشعبية الى الحكم في فرنسا، بعد فوزه في انتخابات ماي 1936، بدأت الحكومة الجديدة بمحادثات مع الكتلة الوطنية من أجل استقلال سوريا. أفضت الاجتماعات إلى توقيع المعاهدة الفرنسية السورية وتم الإقرار بدستور 1936 وتم تقسيم سوريا بموجبها إلى محافظات محلية بالاستناد إلى المادة رقم 109 من الدستور السوري الجديد (5).
- من الاستقلال إلى حكم انقلاب البعث
بعد استقلال سوريا عن فرنسا وخروج آخر جندي فرنسي من سوريا في 17 نيسان 1946، سارعت النخب السياسية القومية العربية في كل من حلب( حزب الشعب) ودمشق ( الحزب الوطني) إلى تطبيق سياسة مركزية مع هيمنة واضحة للحزب الوطني . أدى الاستياء الشعبي من هذه النخب من جهة والسياسات المتبعة وهزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 في فلسطين إلى سخط عام. مهددت هذه الأجواء لانقضاض حسني الزعيم في مارس 1949 على الحكم معلنا لأول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا وثاني انقلاب عسكري في العالم العربي. عطل حسني الزعيم العمل بالدستور السوري وحل البرلمان، وفوض كافة صلاحيات التشريع لنفسه وحل جميع الأحزاب و أغلق معظم الإذاعات و الصحف والمجلات وباشر حكما عسكريا دكتاتوريا مركزيا يقوم على شخص الزعيم. أجريت انتخابات لتعيين رئيس الجمهورية فكان الزعيم المرشح الوحيد وفاز بنسبة 99.% (6).أعلن الزعيم عن تكوين لجنة لتعديل الدستور برئاسة أسعد الكوراني وزير العدل، فتم وضع دستورا جديدا لسوريا يزيد من هيمنة السلطة المركزية على الحكم(7).
لم يدم حكم الزعيم طويلا، ففي 13 أغسطس 1949 أطاح به سامي الحناوي، المحسوب على حزب الشعب، في انقلاب دموي شهد إعدام كل من حسني الزعيم ورئيس الوزراء محسن البرازي. وجدت بريطانيا ضالتها في سامي الحناوي المقرب من حزب الشعب برأسه رشدي الكيخيا. فكان هدف الحزب اقامة وحدة على أساس فيدرالي بين سوريا والمملكة العراقية بقيادة نوري السعيد(8).
وفي 19 ديسمبر 1949 قام الشيشكلي بانقلابه الأول والثالث في تاريخ سوريا. قام الشيشكلي بتهيئ مشروع دستور جديد للبلاد. أثارت المادة المتعلق باعتبار الإسلام دينا للدولة جدلا كبيرا. كان الإخوان يريدون مادة تشير إلى دين الدولة، وأخيرا وفي يوليو 1950 تم إقرار المادة المتعلقة بدين رئيس الدولة، حيث تنص على أن تكون ديانة رئيس الجمهورية هي الإسلام. جاءت المادة الأولى لتزايد علي الطابع العربي للجمهورية السورية لتؤكد على أن سوريا جزء من الأمة العربية. عزّز الدستور الجديد من استقلالية القضاء، باستحداث المحكمة الدستورية العليا وقلص الدستور الجديد من صلاحيات رئيس وسحب منه حق نقض المراسيم والقوانين الصادرة وزاد من صلاحيات البرلمان.
مع نهاية عهد الشيشكلي، الذي هرب من سوريا في سنة 1955 بعد احتجاجات شعبية ضد حكمه، تم العودة إلى دستور 1950 و بدأت ولأول مرة في تاريخ سوريا بعد نهاية الانتداب الفرنسي في تطبيق جانب من اللامركزية. ثم صدر قانون التنظيمات الإدارية الجديدة رقم 496 لعام تاريخ 21/11/1957. وتبنت المجالس المحلية إلى جانب المجالس البلدية وتضمن هذا إحداث مجالس المحافظات والمناطق والقرى والقيام بانتخابات محلية على كافة المستويات. لكنها لم تطبق بشكل تام ولم تفتح المجال لتطوير وتوسيع هذا القانون(9).
في 22 فبراير 1958، أعلنت الوحدة بين سوريا ومصر على أساس فدرالي، بعد أن اضطر الساسة في دمشق الارتماء للحضن المصري بعد التهديدات الإقليمية الآتية من الحدود الشمالية. حشد الرئيس التركي عدنان مندريس جيشه على طول الحدود السوري مهددا باجتياح سوريا. امام التهديد التركي، سارعت الحكومة السورية إلى إبرام اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، ليتطور الأمر إلى قيام الوحدة بين مصر وسوريا على أساس اتحاد فيدرالي ووضع دستور جديد للجمهورية العربية المتحدة. يعطي الدستور سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية، فهو رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة أما الوزراء فهم مجرد منفذين للسياسة العامة. يدعو الرئيس الى مجلس الأمة للانعقاد ويفضى دورته وله حق في حل المجلس وتشكيل مجلس أخر، وله حق اقتراح القوانين والاعتراض عليها وإصدارها ولا يحق لمجلس الأمة إلغاء أي قرار أو قانون يصدره رئيس الدولة إلا بأغلبية الثلثين. جاءت المادة 13 لتؤكد أيضا صلاحيات الرئيس، « يتولى السلطة التشريعية مجلس يسمى مجلس الأمة، يحدد عدد أعضائه ويتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية، ويشترط أن يكون نصفهم على الأقل من بين أعضاء مجلس النواب السوري ومجلس الأمة المصري».
وجاءت المادة 17 ليكرس من صلاحية رئيس الدولة "يدعو رئيس الجمهورية مجلس الأمة للانعقاد ويفض دورته". وايضا المادة 38 « لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الأمة. فإذا حل المجلس وجب تشكيل المجلس الجديد ودعوته للانعقاد خلال ستين يوماً من تاريخ الحل.»
في سنة 1960، زاد انفراد جمال عبدالناصر بالحكم وقام بتوحيد برلمان الإقليمين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة، وتمت في السنة نفسها، الإعلان عن الادارة المحلية عبر القانون رقم 124 والذي نص على مسمى الإدارة المحلية. بموجب هذا القانون تم إنشاء ثلاث مستويات في الإدارة المحلية المحافظة – والمدينة – والقرية بالإضافة إلى تشكيل مجلس مشترك من التنفيذيين والشعبيين يرأسه رئيس معين ووكيل المجلس من الشعبيين يحل محل الرئيس ويمارس اختصاصاته أثناء غيابه. في الاقليم الجنوبي للمملكة العربية المتحدة -سوريا- تم الإعلان عن تطبيق الإدارة المحلية بموجب القانون 152 الصادر في 29 آب 1961.
لم تدم الوحدة بين سوريا ومصر، ففي يوم 28 أيلول 1961 أعلن مجموعة من الضباط السوريين بقيادة النحلاوي عن الانقلاب على الحكم في سوريا وأدت بذلك إلى نهاية الوحدة بين مصر وسوريا. وتم إنشاء حكومة جديدة تسمى حكومة الانفصال. اتت حكومة الانفصال لتقوم بإصدار المرسوم رقم 79 القاضي بإلغاء القانون رقم 152 المتعلقة بتطبيق قانون الإدارة المحلية.
- سوريا البعث
وفي عام 08/03/196 قام حزب البعث العربي الاشتراكي بانقلاب على الحكم في سوريا، وأعلن المجلس الوطني لقيادة الثورة عن حالة الطوارئ (10). في 3/09/1963 أعلن البعث عن المرسوم التشريعي رقم 146 والذي من خلاله صدق على إلغاء المرسوم التشريعي رقم 79 تاريخ 8/11/1961 واعاده العمل بقانون التنظيمات الإدارية رقم 496 بتاريخ 21/12/1958. مهد هذا الانقلاب إلى فترة مهمة من تاريخ سوريا بسيطرة حزب البعث على كل السلطات في سوريا وتطبيقه نظاما مركزيا وشموليا. وفي 25-4-1964 تم وضع دستور مؤقت لسوريا التي كرست مبدأ الحزب الواحد وتقسيم السلطة إلى قسمين :السلطة الإدارية : صفة إدارية بحتة والسلطة السياسية : يضم المجلس الوطني للثورة بالإضافة إلى مجلس الرئاسة. يتولى المجلس الوطني للثورة السلطة التشريعية، ويراقب أعمال السلطة التنفيذية (11).
وبعد اعتلاء حافظ الأسد الحكم وقيامه بما يسمى بالحركة التصحيحية، أصدر قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 15 لعام 1971 مع تشكيل المجالس الشعبية المحلية للمحافظات والذي يعد خطوة إيجابية نحو تطبيق المركزية في سوريا (12)! بموجب هذا القانون تم إحداث ست وحدات ادارية متمتعة بالشخصية المعنوية وهي : المحافظة، المدينة، البلدة، الوحدة الريفية، القرية التي عدد سكانها /5000/ خمسة آلاف نسمة فأكثر. وحددت المادة 8 عدد أعضاء المجالس المحلية فيما يلي (13):
– مجلس المحافظة من 30 إلى 100
– مجلس المدينة من 20 إلى 50
– مجلس البلدة أو الوحدة الريفية أو القرية من 10 إلى 25
فيما جاءت المادة 25 حول دور المحافظ « يكون في كل محافظة محافظ يعين ويعفى من منصبه بمرسوم ويعتبر من أعضاء السلطة التنفيذية»
وجاءت المادة 36 حول اختصاصات مجلس المدينة أو البلدة المتمثلة في حدود السياسة العامة للدولة وخطتها بجميع الأعمال التي تؤدي الى تطوير المدينة أو البلدة (قيادة وتوجيه اعمال الأجهزة التابعة للمدينة أو البلدة لتحسين العمل فيها عن طريق المكتب التنفيذي وممارسة الرقابة على سائر نشاطاتها النظر في خدمات البلدية ومرافقها،القيام في نطاق المدينة أو البلدة بالمهام المناطق بمجلس المحافظة والمتعلقة بالشؤون الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والتموينية، والاقتصادية وغيرها، تحديث مرافق المياه والنقل في المدينة أو البلدة واستثمارها,م – اقرار مشروع الموازنة ورفعه للتصديق عليه من قبل السلطات الاعلى….)
وبعد أن أعلن حزب البعث على دستور سنة 1973 نصت المادة 129 بشكل صريح على الإدارة المحلية «مجالس الشعب المحلية هي هيئات منتخبة تمارس سلطاتها في الوحدات الإدارية وفقاً لأحكام القانون». أما المادة (130) من دستور 1973 فقد نصت على تأسيس مجلس الشعب المحلي في سوريا «يحدد القانون اختصاصات مجالس الشعب المحلية وطريقة انتخابها وتكوينها وحقوق أعضائها وواجباتهم وجميع الأحكام الأخرى المتصلة بها»(14). وجاء في المادة العاشرة، "مجالس الشعب مؤسسات منتخبة انتخاباً ديمقراطياً يمارس المواطنون من خلالها حقوقهم في إدارة الدولة وقيادة المجتمع."
وجاء الفصل الثالث، حول مجالس الشعب المحلية بالمواد التالية :
المادة مائة وتسعة وعشرون" « مجالس الشعب المحلية هيئات تمارس سلطتها في الوحدات الإدارية وفقاً للقانون. 2- تحدد الوحدات الإدارية وفقاً لأحكام القانون.»
المادة المائة والثلاثون "«يحدد القانون اختصاصات مجالس الشعب المحلية وطريقة انتخابها وتكوينها وحقوق أعضائها وواجباتهم وجميع الأحكام الأخرى المتصلة بها.»
لم تطبق هذه المواد وضلت حبرا على ورق، بل ثبتت حزب البعث علي السلطات في سوريا، فأفرغت هذه المواد من محتواها. أسس البعث في سوريا ليس فقط دولة مركزية بل دولة المخابرات، تمارس فيه الدولة سيطرة خانقة على المجتمع وعلى الحياة السياسية
والاقتصادية وحتى الاجتماعية. يقود حزب البعث الدولة والمجتمع، وتعتمد بنية السلطة على شخص الأسد، الذي يخص باختصاصات تشريعية ويرأس المجلس الأعلى للقضاء ويعين أعضاء المحكمة الدستورية.....(15)
- المرسوم التشريعي 107 لسنة 2011 (16)
جاء المرسوم رقم 7 لسنة 2011 في مرحلة كانت تشهد فيها سوريا موجة من الاحتجاجات التي بدأت أولى شرارتها في درعا للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية في سوريا. أمام تنامي موجة الاحتجاجات وانتشارها في اغلب المدن السورية، شعر النظام السوري بالخطر فسارع الى تنفيذ حزمة من الاصلاحات. وفي صيف 2011 أعلن الأسد عن المرسوم التشريعي 107 لسنه 2011.
كما جاء في المادة/2/ فان هدف القانون هو تنظيم انتخاب أعضاء مجلس الشعب وأعضاء المجالس المحلية. وجاء في الباب الثاني حول الوحدات الإدارية بالمواد التالية :
المادة (7):
1- تتكون الجمهورية العربية السورية من وحدات ادارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري وهي المحافظة، المدينة، البلدة، البلدية
2- يجوز أن يكون نطاق المحافظة مدينة واحدة ينوب عنها مجلس واحد، في هذه الحالة يتمتع مجلس المحافظة ومكتبه التنفيذي "فضلاً عن اختصاصاتهم " باختصاصات مجلس المدينة ومكتبه التنفيذي.
3- تضم إلى المدن والبلدات والبلديات مع مراعاة الحدود الإدارية للمحافظات والمناطق والنواحي جميع القرى والمزارع التي لا تتبع أي مدينة أو بلدة أو بلدية ولايزيد بعدها على 15 كم عن حدود مخططها التنظيمي العام المصدق على أن تحقق فيما بينها الرباط الطرقي او الجغرافي وتمثل هذه القرى والمزارع في مجلس المدينة أو البلدة او البلدية وفقاً لأحكام هذا القانون.
وجاء الفصل الثالث، حول اختصاصات المجالس المحلية بالمادة (30):« تختص المجالس المحلية في نطاق السياسة العامة للدولة بتسيير شؤون الإدارة المحلية فيها وجميع الأعمال التي تؤدي إلى تطوير المحافظة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً بما يتماشى مع التنمية المستدامة والمتوازنة في مجالات التخطيط، الصناعة، الزراعة، الإقتصاد والتجارة، التربية، الثقافة، الآثار، السياحة، النقل والطرق، الري، مياه الشرب والصرف الصحي، الكهرباء، الصحة، الشؤون الاجتماعية والعمل، الخدمات والمرافق، المقالع والثروة
المعدنية، إدارة الكوارث والإطفاء، إدارة وتنظيم السير ومراكز إجازات السوق، البيئة، الرياضة والشباب، المشاريع المشتركة بين الوحدات الإدارية.»(17)
- دستور 2012 (18)
جاء تطبيق الدستور السوري في ظروف متوترة، وحرب اهلية طاحنة، إذ كانت المواجهات تدور بوتيرة متصاعدة بين أطراف الحرب في سوريا. كان نظام الأسد يقوم بقمع المدنيين ويشدد الحصار على المدن ويقوم بانتهاكات عدة لحقوق الإنسان.
ورغم اقرار المرسوم رقم 107 لسنه 2011 ووضع دستور جديد لسوريا لسنة 2012. لم يسفر الدستور الجديد بتغييرات كبيرة ،سوى بالمزيد من السيطرة والتحكم في السلطة تحت غطاء آخر. ورغم حذف المادة 8 المتعلقة بحزب البعث فإنه لا يزال يخفي وراءه نظاما اوتوقراطيا والتفرد بالحكم بمفردات ملتبسة رغم حرصه على استخدام كلمات الديمقراطية والحرية. لقد قابل الدستور الجديد انتقادات واسعة من شخصيات معارضة وحقوقية و أكاديمية لعدة اعتبارات. لم يأتي الدستور الجديد بأي تغيير في اسم الجمهورية إذ ظلت الصبغة العربية لا تفارق اسم الجمهورية ولم يأتي الدستور بأي جديد حول علمانية الدولة. لايزال دين رئيس الدولة هو الإسلام. بالاضافه الي انه كرس مبدأ عدم فصل بين السلطات وظل مسألة صلاحيات رئيس الدولة محط انتقادات كبيرة إذ بموجب الدستور بإمكانه التدخل في السلطات التشريعية والقضائية ويمكن لرئيس الدولية تعيين رئيس الحكومة وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة وهو رئيس مجلس القضاء العالي. ويكون الرئيس وحده مسؤولا عن حل مجلس الشعب ويقوم ايضا بوضع السياسات العامة للدولة. ولم يعرف الدستور الجديد أي مكرمة بحق بقية المكونات الأخرى غير المكون العربي، اذ لم يقر بوجود الشعب الكردي وحقوقه المشروعة ولا بحق القوميات الاخرى كحقوق السريان كلدو اشور.
ورغم تطبيقه لمبدأ المركزية الإدارية فإنه بقي محافظا على مركزية سياسية شديدة. ورد في الدستور السوري بعض المواد حول المجالس المحلية والإدارة المحلية :
المادة الثانية عشرة «المجالس المنتخبة ديمقراطياً على الصعيد الوطني أو المحلي مؤسسات يمارس المواطنون عبرها دورهم في السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع..»
أما الفصل الثالث ،حول مجالس الإدارة المحلية بالمواد التالية المادة الثلاثون بعد المئة «تتكون الجمهورية العربية السورية من وحدات إدارية، ويبين القانون عددها وحدودها واختصاصاتها ومدى تمتعها بالشخصية الاعتبارية واستقلالها المالي والإداري.» في حين المادة الحادية والثلاثون بعد المئة «يرتكز تنظيم وحدات الإدارة المحلية على تطبيق مبدأ لا مركزية السلطات والمسؤوليات، ويبين القانون علاقة هذه الوحدات بالسلطة المركزية واختصاصاتها وإيراداتها المالية والرقابة على أعمالها، كما يُبين طريقة تعيين أو انتخاب رؤسائها، وكذلك اختصاصاتهم واختصاصات رؤساء المصالح فيها.»
خاتمة
من خلال التجارب العديدة التي عاشتها سوريا، نستنتج أن سوريا عاشت عدة تجارب في تطبيق الفدرالية واللامركزية، ابتداءً من دستور الملك فيصل ومرورا بالاتحاد الفدرالي السوري لسنة 1922 وقوانين الإدارة المحلية لسنة 1957 وتجربة الاتحاد الفدرالي بين مصر وسوريا، ووصولا لقانون الإدارة المحلية لسنة 1971. بالتالي يمكننا القول بأن نموذج اللإدارة المحلية التي يطرحها النظام السوري لحل الازمة السورية ليست وليدة اليوم، بل عاشت سوريا في تاريخها نموذجا واسعا من اللامركزية السياسية المتمثلة في دستور الملك فيصل 1920.
وبالتالي، لا تزال تجربة الإدارة المحلية تحتاج لمزيد من الإصلاح والتحديث وتكييفها مع الواقع السوري مع أخذ بعين الاعتبار السنوات السبعة التي عاشتها سوريا من دمار وقتل. في ظل ما أفرزته الحرب الاهلية السورية من احتقان عرقي وطائفي، فان شكل المركزية للدولة ولا شكل اللامركزية الادارية التي يطرحها النظام غير كافية، وغير قادرة على مواجهة التحديات الراهنة والمقبلة، بالاضافة أنه لن تكون بمقدورالدولة المركزية قيادة وتحمل المسؤولية اليوم بإعادة إعمار سوريا.
لقد أثبت نظام الحكم، بمرجعية قومية ودينية واحدة أنه غير مناسب لسوريا المتعددة القوميات والأديان ولذلك لجأت مكونات الشمال السوري إلى تطبيق تجربة الإدارة الذاتية في الشمال السوري والتي برهنت عن فعاليتها في الحفاظ على النسيج السوري ونجحت الإدارة في تخفيف تبعات الحرب ومآسيها عن شعوب المنطقة، بل وفرت الأمن والاستقرار ومهدت الطريق نحو نظام مجتمعي يدير نفسه بنفسه إذا يمكن تطبيقه في كل أرجاء سوريا . يطرح مشروع تجربة الإدارة المحلية لقيم المواطنة الحقيقية وتفعيل دور كل المكونات مع دور بارز للمرأة، وحفاظا على وحدة سوريا في هذه المرحلة، مع تحويل نظام الحكم من نظام مركزي إلى نظام لامركزي. ففي وجود مكونات متعددة قوميا وعرقيا ودينيا ومذهبيا ولغويا وثقافيا لا يمكن للمركزية أن تكون نموذجا لسوريا الغد. لذلك تشكل تجربة الإدارة الذاتية أهم الأسس التي يبني عليها المشروع الديمقراطي المبني على أخوة الشعوب وعلى الدفاع عن سوريا الوطن والدولة.
باقر الكردو
المواجع :
1- محمد رضوان الأتاسي- هاشم الأتاسي حياته وعصره
2- دستور المملكة السوريــة العربيـة الصادر 1920
3- محمد رضوان الأتاسي- هاشم الأتاسي حياته وعصره
5- قانون الاداراه المحليه المحامي يوسف نيرباني
6- محمد رضوان الأتاسي- هاشم الأتاسي حياته وعصره
7- أسعد الكوراني أسعد الكوراني -ذكريات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت 8-محمد معروف- أيام عشتها 1949- 1969 الإنقلابات العسكرية و أسرارها في سورية
9- اللامركزية الإدارية في سورية و قانون الإدارة المحلية -- خالد عيسى
10--قـراءة في الدسـتور الســـوري، بقلم : جـان حبـش*
11-قـراءة في الدسـتور الســـوري، بقلم : جـان حبـش*
12- خالد عيسى- اللامركزية الإدارية في سورية و قانون الإدارة المحلية -
- 13قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 15 تاريخ 11/5/1971 والمعدل بالقانون رقم 12 تاريخ 20/6/1971 وتعديلاته/
14-دستور سوريا 1973
15-- L exception syrienne:
16-المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 قانون الإدارة المحلي
17-المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 قانون الإدارة المحلية
18- دستور الجمهورية العربية السورية