هل تستقيم معارضة "صفقة العصر" مع التزام أوسلو؟ بقلم معتصم حمادة
تاريخ النشر : 2018-08-17
هل تستقيم معارضة "صفقة العصر" مع التزام أوسلو؟ بقلم معتصم حمادة


معتصم حمادة
الخطوات «العملية» الوحيدة التي نفذتها القيادة الرسمية في وجه «صفقة العصر» أنها عطلت قرارات المجلسين المركزي والوطني
■.. بالعودة إلى «صفقة العصر»، والتي تعيش المنطقة في ظل تداعياتها، لا بد من التأكيد مرة أخرى، أنها ليست خطة تفصيلية مرسومة مسبقاً، ستطرح إلى طاولة المفاوضات، بل هي مشروع سياسي اقليمي من عناصره تصفية المسألة الفلسطينية تمهيداً لإقامة «السلام» في المنطقة، ودمج اسرائيل فيها، وإقامة حلف اقليمي في مواجهة إيران، لمحاصرتها وإعادة تأهيلها وإدخالها تحت هيمنة المشروع الأميركي. مشروع سياسي يتم تطبيقه خطوة خطوة، إلى أن تتوفر عناصر نجاحه بالكامل. وبالتالي فإن معاندة هذا المشروع ومعارضته، لا تكون بالبيانات فقط، ولا بالكلام ولا بإشهار العداء للولايات المتحدة وإسرائيل، بل في مواجهة خطوات هذا المشروع، خطوة مقابل خطوة، وإلا فما قيمة المعارضة اللفظية الكلامية والمشروع يشق طريقه، ويدب على الأرض، ويخلق الوقائع الميدانية، إن في الحالة الفلسطينية، أو في الحالة الاقليمية؟
نسوق هذا الكلام تعليقاً على ردود الفعل من قبل بعض الأطراف، التي اتهمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالتشويش على القيادة الرسمية، في معارضتها «لصفقة العصر» وباعتبار هذه القيادة، هي «الطرف الوحيد» الذي مازال يعرقل «الصفقة».
* * *
نعيب على هذا الكلام، أن القيادة الرسمية الفلسطينية كانت في مقدمة الأطراف العربية التي رحبت بإعلان ترامب عن «صفقة العصر» في الرياض. وأعلنت أنها إلى جانب العربية السعودية في كل ما تتبناه اقليمياً. وأن القيادة الرسمية كانت تتلهف على ضرورة الكشف عن «الصفقة»، وأنها راهنت على أن «الصفقة» سوف تحمل لها حلاً للمأزق السياسي الذي أدخلت فيه القضية الفلسطينية خلال أكثر من ربع قرن من المفاوضات العبثية والعقيمة. وأن هذا الرهان الرسمي الفلسطيني كان في واد، بينما كانت الأطراف الفلسطينية الأخرى في وادٍ آخر، تحذر من خطورة الرهان على الولايات المتحدة، وتطالب بتطبيق قرارات المجلس المركزي المجمدة بقرار فردي من رئيس السلطة منذ 5/3/2015. إلى أن ولدت «الصفقة»، بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، فأسقط بيد القيادة الرسمية واعترفت أنها كانت «صفعة» لها، وليست صفقة، ووعدت برد «الصفعة».
ومنذ ذلك التاريخ، وهي تردد الكلام نفسه، بينما «الصفقة » تدب على الأرض: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. نقل السفارة الأميركية إلى القدس. الاعتراف بالاستيطان و«بحق» إسرائيل بضم المستوطنات. الدعوة إلى حل وكالة الغوث وشطب حق العودة. اقتطاع جزء من التمويل الأميركي للسلطة بما يعادل رواتب الأسرى وعائلات الشهداء. فرض الحصار على مكتب م.ت.ف في واشنطن.
ومازالت المشاورات بين العواصم العربية المعنية وبين الثنائي الأميركي كوشنر-غرينبلات، تشكل وسيطاً بين القيادة الرسمية وبين الولايات المتحدة. إلى جانب الخط المفتوح على مصراعيه بين جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية ووكالة المخابرات الأميركية في واشنطن، بإعتراف رئيس السلطة شخصياً.
مقابل كل هذه الخطوات، لا شيء من القيادة الرسمية سوى البيانات والتصريحات. لا خطوة واحدة في مواجهة الخطوات الأميركية. بل هناك «تفهم» للنصائح الأوروبية، والنصائح العربية بعدم تصعيد الموقف الكلامي مع إدارة ترامب، بذريعة أن الحل في الشرق الأوسط، لن يكون إلا تحت رعاية الولايات المتحدة، وأن واشنطن هي وحدها الطرف المؤهل للضغط على اسرائيل للقبول بالتسوية القادمة.
هذا على الجانب الأميركي. أما على الجانب الاسرائيلي، فالأمور كما يبدو، على أحسن حال. فالتنسيق الأمني مستمر كما هو عليه حتى بعد قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني. وكذلك مازال الاعتراف بإسرائيل قائماً. ولم يمسه أي تغيير. والارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي في تطور إلى الأمام. والمباحثات، خلف الجدران، بين الوزراء الإسرائيليين، ونظرائهم في السلطة، تتناول تطوير العلاقات المالية، واستحداث المزيد من المشاريع الاقتصادية المشتركة، ما يعمق ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وتبعيته له. وهذا بالضبط ما تدعو له «صفقة العصر»، التي تنص على استبدال المشروع الوطني (الاستقلال والسيادة) بالمشروع الإسرائيلي أي السلام مقابل الاقتصاد، كما كان قد طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
رداً على هذا، نزلت الجماهير الفلسطينية إلى الشارع منذ 6/12/2017، تاريخ إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. وتطورت الأمور في قطاع غزة، منذ 30/3/2018 في مسيرات العودة وكسر الحصار. واتخذ المجلس المركزي في 15/1/2018 سلسلة قرارات تعيد تحديد العلاقة مع إسرائيل، عطلتها القيادة الرسمية. ثم أعاد التأكيد عليها المجلس الوطني في 30/4/2018، ومازالت القيادة الرسمية تعطلها. ودوماً في إطار الرهان على الوعود الأوروبية ووعود بعض العواصم العربية، بعدم اتخاذ أية خطوة عملية ضد إدارة ترامب، التي يؤكد مبعوثوها إلى المنطقة، أن «صفقة العصر» تحتفظ للقيادة الرسمية بمقعد، إلى جانب المقعد الإسرائيلي. فأين المعارضة في كل هذا كما يدعي من تنطحوا لتشوية مواقف الجبهة الديمقراطية؟ ولماذا تجاهل دور الحركة الشعبية، وكل القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية، وقرارات المجلس المركزي والوطني، والادعاء أن القيادة الرسمية هي «وحدها» من يعارض (!) «صفقة العصر»؟ ولماذا يتجاهل هؤلاء أن القيادة الرسمية هي التي تعطل قرارات المجلسين المركزي والوطني التي من شأن تطبيقها أن ينتقل بها من المعارضة الكلامية إلى المعارضة الميدانية؟
* * *
ما هو مطروح أعلاه لا يدخل في باب الأحاجي أو المعادلات الرياضية المعقدة. بل هي تساؤلات تجد إجاباتها فيها.
• القيادة الرسمية بين خيارين: إما المفاوضات السياسية خياراً وحيداً، دون غيره، وإما الجمع بين الكفاح في الميدان بكل أشكال المقاومة، والعمل السياسي والدبلوماسي
• القيادة الرسمية بين خيارين: إما المفاوضات الثنائية المباشرة مع إسرائيل (كما جاء في كلمة رئيس السلطة في افتتاح المجلس الوطني) وإما مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة وإشرافها، وبموجب قراراتها ذات الصلة.
• القيادة الرسمية بين خيارين: إما التمسك باتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، والتزاماتهما، وإما التزام قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني، بكل ما يتطلبه ذلك من إجراءات ميدانية.
• القيادة الرسمية بين خيارين، إما العودة عن انقلاب 13/9/1993 على البرنامج الوطني، وإما مواصلة السياسة الانقلابية، بكل ما تستتبعه هذه السياسة من انقلابات مستمرة ضد المؤسسة الوطنية.
• القيادة الرسمية بين خيارين: تغليب المصالح الفئوية الطبقية الاجتماعية للبيروقراطية الممسكة بالقرار، كما يمثلها «المطبخ السياسي» ومن هم حوله، وبين تغليب المصالح الوطنية، بكل ما يستدعيه هذا من إعادة صياغة التحالفات الوطنية والاجتماعية، وصياغة العلاقات الإقليمية.
الواضح أن القيادة الرسمية، ما زالت عند خياراتها التي ذكرناها أعلاه، وترفض الإنتقال إلى الخيار الوطني البديل.
وحتى لا نتهم بالتجني. دعونا نقرأ معاً ما جاء في عمود حسن البطل (14/8/2018) في «الأيام» الفلسطينية, وهو الصحفي الذي يجيد بعبارات قليلة شرح الأمور ووضع النقاط على الحروف.
يقول إن نسف اتفاق أوسلو، سيقود إلى نسف السلطة الفلسطينية ونسف القيادة الرسمية الفلسطينية في م.ت.ف. وبالتالي يستبعد أن يتم التخلي عن أوسلو. كما يستغرب أن نطالب القيادة الرسمية بفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي.
إذن مصلحة «السلطة الفلسطينية» بما هي خيار سياسي مع بقاء أوسلو. ومصلحة القيادة الرسمية في م.ت.ف مع بقاء أوسلو.
هكذا يقول أحد المقربين من السلطة وقيادتها.
وهو ما يدعونا للسؤال: كيف يمكن معارضة «صفقة العصر»، والالتزام في الوقت نفسه باتفاق أوسلو؟
ألا يفسر هذا السؤال الأسباب الحقيقية التي تقف خلف قرار القيادة الرسمية تعطيل قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني، والتغطية على هذا بافتعال معركة كلامية مع «صفقة العصر»، ليست سوى إثارة للغبار في العيون.■