دور الكنيسة الانجيليّة في توجيه السياسة الأمريكيّة المنحازة لإسرائيل بقلم د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2018-08-10
دور الكنيسة الانجيليّة في توجيه السياسة الأمريكيّة المنحازة لإسرائيل بقلم د. كاظم ناصر


العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التحالفيّة المميّزة تثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب والأسس التي قامت عليها ومكّنتها من الاستمرار، وزادتها قوّة وصلابة منذ أيام إدارة الرئيس هاري ترومان التي اعترفت رسميّا بالدولة الصهيونيّة فور الإعلان عن إنشائها عام 1948، وحافظت على تلك العلاقات الخاصة معها جميع الإدارات الأمريكية المتلاحقة ومن ضمنها إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.
لا شك أن المصالح السياسيّة والاقتصاديّة والاستراتيجيّة للولايات المتحدة وإسرائيل لعبت دورا هاما في تكوين هذه العلاقات التحالفيّة المميّزة لكنها ليست وحدها وراءها، وإنما هناك عوامل دينيّة عقائديّة وظّفت فيها رؤى توراتيّة، ووقفت وراء هذا التوظيف كنائس بروتستانتية عديدة تأثرت بالأصوليّة اليهوديّة وتحالفت معها، ومن أهمّها مجموعة الكنائس الإنجيليّة التي يطلق عليها اسم الكنيسة " الأصوليّة الإنجيليّة، أو الصهيونيّة المسيحيّة."
" الصهيونية المسيحية " هو الاسم الذي يطلق على الكنائس البروتستانتية الأصوليّة المتعصّبة التي تدعم وجود إسرائيل وتركّز على تعليم الإنجيل المقدّس ونشره وتفسيره، وتضم عددا كبيرا من المسيحيّين قد يصل إلى مئات الملايين حول العالم؛ وتتمتّع اليوم بانتشار واسع في الولايات المتحدة الأمريكية التي تضمّ أكبر عدد من السكّان المسيحيين في العالم من بينهم 80 مليون أمريكي ينتمون إلى هذا التجمع الكنسي الإنجيلي ويشكلون % 25 من عدد سكان الولايات المتّحدة.
يؤمن اتباع الكنيسة الإنجيليّة أن هناك ثلاثة إشارات ستتحقّق قبل عودة المسيح عليه السلام إلى الأرض وهي: قيام دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، واحتلال مدينة القدس وتهويدها، وإعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى؛ وبعد تحقيق تلك الإشارات ستقع معركة "هومجدون " أو " هر مجدون " وهي كلمة عبرية تعني " جبل مجدو" التي تنبّأت بها التوراة، والتي ستكون المعركة الفاصلة بين الخير والشر، وإن قوات الشر الكافرة ستدمّر فيها، ويظهر المسيح عليه السلام في أرض المعركة ويخلّص الجنس البشري من الدمار، ويحكم العالم مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة.
الكنيسة الإنجيليّة الأمريكيّة معروفة بدعمها لإسرائيل؛ إنها تملك الآن 1400 محطة تلفاز وإذاعة، والعديد من الصحف والمجلات ووكالات الأنباء، وتدير المصرف الأمريكي المسيحي من أجل إسرائيل الذي يموّل شراء الأراضي العربية وبناء المستوطنات في كل بقعة من فلسطين، وتشرف على منظمة جبل المعبد التي أوكلت إليها مهمة جمع التبرّعات والتخطيط لإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم، وتهيمن على عدد من منظمات المجتمع المدني، وتضم في صفوفها العديد من رجال المال والأعمال والكونجرس والشخصيات السياسيّة والدينية الهامّة مثل مايك بنس نائب ترامب، والقساوسة بيلي جراهام، وهال ليندزي، والقسين الراحلين جيري فالويل وبات روبرتسون، ونجحت في التغلغل في المجتمع الأمريكي، ولعبت دورا هاما في اختيار رؤساء الولايات المتحدة منذ جيمي كارتر عام 1976 الى دونالد ترامب عام 2016
أتباع هذه الكنيسة يتجاهلون الشعب الفلسطيني وحقوقه، ويقومون بدور هام في توجيه السياسة الأمريكية في المنطقة وخلق رأي عام أمريكي مؤيد لإسرائيل؛ لقد نجحوا في الضغط على الرئيس دونالد ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية اليها؛ وانّهم يبذلون كل جهد ممكن لإقناع أتباعهم بأن دعمها دينيّا وسياسيّا واقتصاديّا وعسكريّا وثقافيّا واجب مسيحي باركه الله وعليهم الالتزام به.