بدر شاكر السياب فلسطين بين هموم الشاعر وآلامه بقلم: د. محمد عبدالله القواسمة
تاريخ النشر : 2018-08-09
بدر شاكر السياب
فلسطين بين هموم الشاعر وآلامه
د. محمد عبدالله القواسمة
من المعروف أن الشاعر بدر شاكر السياب صاحب ديوان "أنشودة المطر" وديوان "غريب على الخليج" عاش حياة مليئة بالألم والحزن؛ ففي قرية جيكور مسقط رأسه توفيت أمه كريمة وهو في السادسة، وتزوج والده بعد ثلاث سنوات من وفاتها، وتركه في بيت جده لأبيه الذي أرسله إلى البصرة لإكمال تعليمه الثانوي، وأقام في البصرة عند جدته لأمه التي توفيت بعد أن انتهى من تعليمه، ثم انتقل السياب إلى بغداد ليدرس في دار المعلمين العالية، ثم يدخل في أتون السياسة؛ لتأخذه عدة مرات إلى السجن والطرد من العمل، ثم الهرب إلى الكويت، ثم العودة إلى العراق عندما أصبح فيصل الثاني ملكًا، لكن المرض العضال يتسلمه عام1960 ليقضي عليه بعد أربع سنوات، وهو لمّا يتجاوز الثامنة والثلاثين.
مع هذه الأوجاع والظروف القاسية التي واجهها الشاعر على المستوى العام والخاص فإنه ينتبه إلى القضية الفلسطينية، ويشارك عام 1946 في المظاهرات التي انطلقت ضد السياسة البريطانية في فلسطين. وتجلى في شعره رفض الظلم في كل مكان سواء في بلده العراق أم في غيرها من بقاع العالم. وفلسطين قضية عادلة تعرض أهلها للظلم والعذاب على يد الحركة الصهيونية، التي أقامت الكيان الصهيوني على أرضها. فلعل قصيدة "المومس العمياء" لا تعبر عن الحالة السيئة التي وصل إليها العراق على المستوى الاجتماعي والسياسي بل أيضًا عن الحالة التي كان يرزح تحتها العالم العربي كله؛ فإن حالة اغتصاب تلك المرأة العمياء في القصيدة تشبه حالة اغتصاب الأرض العربية في فلسطين، وكان على العرب الاستجابة لصراخها من منطلق القومية العربية.
لا تتركوني فالضحى نسبي
من فاتح، ومجاهد، ونبي
عربية أنا: أمتي دمي
خير الدماء... كما يقول أبي
وفي قصيدة طويلة، هي "قافلة الضياع" يتناول بدر شاكر السياب المأساة الفلسطينية التي تمثلت في ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم وإحلال اليهود مكانهم. يقول مصورًا ما حدث:
الليل مجهض والسفائن مثقلات بالغزاة
بالفاتحين من اليهود
يلقين في حيفا مراسيهن _ كابوس تراه
تحت التراب محاجر الموتى فتجحظ في اللحود
وإذا كان السياب في هذه القصيدة يغرق في الحزن والألم لما حل بالشعب الفلسطيني فإنه في قصيدة عنوانها" في يوم فلسطين" يتحول من وصف الحالة، حالة التشرد وقسوة المعتدي إلى حالة متفائلة بانتصار العدل على الظلم، وعودة الحق إلى أصحابه. ها هو يتحدث عما جرى للقدس من إبادة لأهلها على يد اليهود وبريطانيا، إبادة تُذكّر بما فعله هتلر باليهود، ثم يعود ليخاطب فلسطين بروح قوية متفائلة:
والقدس ما للقدس يمشي فوقها صهيون بين الدمع والأشلاء
ما هتلر السفاح أقسى مدية يوم الوغى من هتلر الحلفاء
يا أخت يعرب لن تزالي حرة بين الدم المسفوك والأعداء
ثارات أهلك في دمانا تلتظي هيهات ليس لهن من إطفاء
والنصر للشعب الذي لا ينثني عن عزمه، والصولة النكراء
أجلُ الطغاة بكل حد صارم ما أن يزيل العار كالإجلاء
لقد كان بدر شاكر السياب عربيًا قوميًا في شعره، وبخاصة ذلك الشعر الذي جادت به قريحته قبل أن يلم به المرض، وتنتهي حياته في المستشفى الأميري في الكويت عام 1964.
لقد برزت قضية فلسطين من بين القضايا التي اهتم بها لتزيد من همومه وأحزانه. لقد تألم السياب لما حل بفلسطين، وتحدث في شعره عن تشرد أهلها في نكبتهم الأولى عام 1948، ولكنه لم يعش حتى يرى نكبتها الثانية في حزيران عام 1967. تُرى، ماذا كان يمكن أن يقول لو عاصرها بل ماذا كان يمكن أن يقول لو عاصر نكباتنا المتلاحقة في فلسطين وغيرها!
[email protected]