بقايا قلب .. بقايا امرأة ؟!( النص كامل ) بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
تاريخ النشر : 2018-08-09
بقايا قلب .. بقايا امرأة ؟!( النص كامل )  بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )


" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
قصة قصيرة ( النص كامل )
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
======================
تنويه :
أحداث وشخوص النص حقيقية .. حدثت على أرض الواقع .. ولا فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .

مقدمة :
إن ما يحدث من أحداث غريبة في النص ليست من ابتكار الكاتب أو من بنات أفكاره وليست هي شطحة خيال كاتب .. ولكنها الأحداث الحقيقية التي حدثت فعلا وعلى أرض الواقع ..
إهداء :
إلى صاحبة الفكرة .. وبطلة النص الحقيقية ..
شكر :
لا يسعني سوى ان أتقدم بالشكر للجزيل لبطلة النص التي سردت عليّ سيرتها .. ووضعت الثقة بي ..
( الكاتب )
----------------------

" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
... مهلا يا سيدي ... مهلا بالله عليك .. ليكن في صدرك بعض المتسع لحديثي .. أم تراك عازفاً عن الاستماع لي ؟؟!!.
لِمَ ذلك يا سيدي وأنت الذي تستمع للجميع ؛ ولعل ذلك كان يرجع إلى رغبتك في الحصول على حكايا جديدة لنصوص جديدة ؟! .
لن أقول بأنك كنت تتصيد الأحداث والحكايا .. لكي تجعل منها نصوصاً دسمة لأدبياتك .. أعرف بأن لديك المخزون الوافر من الحكايا للكثيرين والكثيرات .. وأعرف جيدا بأنك موضع ثقة للجميع .
مهلاً يا سيدي ... مهلاً بالله عليك ..
.. في كل مرة أنت تتحدث ... وتتحدث .. تحكي وتحكي .. تقوم بدور الراوي بدون كلل أو ملل .. وتطلب منا أن نستمع إليك .. وأن نصغي لك .. بل وتقوم بشد انتباهنا وكل حواسنا لمتابعة مجريات أحداث نصوصك .. فلا تكن أنانياً لمثل هذه الدرجة .. فلتستمع هذه المرة لي .. ولنتبادل الأدوار .. فأقوم أنا بدور القاص .. وتقوم أنت بدور المستمع .. المتلقي .. القارئ .
" ... هذه هي أنا يا سيدي ... ولا يهم من أكون أنا ؟؟!! .. فقد أكون " ليلى " .. " هيا " .. " منى " .. أو " دينا " .. فليس هذا هو المهم .. ولكن المهم بأنني أنا .. والمهم بأنني " بقايا امرأة .. وبقايا قلب " ؟؟!! .. أو " بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!.
مالي أراك قد بدأت في التململ في جلستك هكذا ؟؟!! وكأنك قد سئمت سماع الحديث .. رويدك يا سيدي بالله عليك .. فأنا لن أطيل عليك الحديث .. فكم استمعت إليك بدوري كثيرًا .. بدون أن أمل حديثك الطويل الطويل .. فلتستمع لي قليلاً .. فأنا " بقايا امرأة .. وأحمل بقايا قلب " .. قضيتي بأنني أحمل كل معاني البراءة والطيبة .. ومنذ طفولتي المبكرة .. ليس في فترة طفولتي فحسب .. بل وحتى في صبايا ... أحمل قلباً لا يعرف سوى الطيبة .. والحب .. الحب العذري الصادق الطاهر المنزه عن كل شائبة ... هكذا خلقني الله ,, وهكذا كانت مشيئته .. فهل هذا عيب مني بالله عليك ؟؟!!
.. كنت أعتقد ومنذ طفولتي المبكرة بأنني أعيش في مدينة " أفلاطون " .. " المدينة الفاضلة " .. رغم أنني لم أعرف " أفلاطون " هذا ولم أقرأ " المدينة الفاضلة " خاصته .. ولكني جبلت على الفطرة فحسب .
.. منذ كنت طفلة لم أتعد العاشرة من عمري .. عرفت الحب .. نعم ؛ عرفت الحب .. ولِمَ العجب يا سيدي ؟؟!! .. لماذا أراك تقطب جبينك وتزم شفتيك علامات الاستنكار والاستهجان وعدم التصديق ؟؟!! ألا يحمل الأطفال قلوباً في صدروهم أيضا ؟؟!! .. ألا تعرف قلوب الأطفال الحب ؟؟!! فلم العجب والاستهجان إذن ؟؟!! .
كان حباً بريئاً براءة الطفولة ذاتها .. وبراءة الفطرة نفسها ..
تسألني إن كنت جميلة ؟؟!! .. هل أقول لك بأنني كنت جميلة .. بل جميلة جداً .. – وما زلت - .. فهل هذا الجواب يرضيك ؟! .. يبدو بأنك تشبه الآخرين تماماً ... فالكل يهتم بجمال المرأة .. الجمال المظهري .. جمال الجسد .. ولا يهتم أحد بجمال الروح .. وجمال النفس بالطلق ؟؟!! .
نعم ياسيدي .. كنت جميلة جداً .. – وما زلت كذلك – ولعل هذا هو سبب تعاستي وشقائي .. فلا تعجب يا سيدي من قولي هذا .. نعم .. لقد كان جمالي حقاً هو سبب تعاستي وشقائي .
الكل .. الجميع .. ومنذ كنت طفلة صغيرة بريئة .. كانوا يتغنون بجمالي .. وكانوا ينظرون إليّ كدمية .. دمية جميلة يلهون بها لبعض الوقت ربما بدافع التسلية أو حب التملك ثم يلقون بهذه الدمية – الجميلة – جانبا ؟؟!! .
هل تعرف تلك الدمية الغربية التي يطلقون عليها " باربي " ؟؟! .. لعلك تعرفها جيداً أو لعلك سمعت بها على الأقل .. " باربي " هذه هي دمية بلاد الغرب .. وأنا هي دمية بلاد الشرق ؟؟!! .
مالك تعقد حاجبيّ الدهشة هكذا يا سيدي من جديد ؟؟!! .. لك العذر يا سيدي .. فأنت لم ترَ جمالي .. وإلا .. لكنت فتنت بي كما هو الأمر بالنسبة للآخرين .. وذلك رغم أنك رجل عجوز .. فكم من عجوز رأى دمية الشرق فطار صوابه وفقد لبه ؟؟!! ... لا تظن بأني أقول هذا بدافع الغرور والتكبر والخيلاء .. بل هذه هي الحقيقة .
لقد حباني الله جمالاً فريداً .. مميزاً .. وسحرًا خاصا .. وجاذبية رائعة .
كم فتن بي الأصدقاء والأقارب .. والجيران .. كم تمنوا الاستحواذ على هذه الدمية الشرقية واللهو بها ؟؟!! .. ولو لبعض الوقت ؟! .
مالك تنظر نحوي بمثل هذه النظرات الغريبة ؟؟!! .. هل بدأ جمالي يستولي على لبك .. وهل أخذ سحري يستولي على فكرك ؟؟!! .. أم تراك تتمنى في قرارة نفسك أن تحوز على هذه الدمية " دمية الشرق " ولو للحظات ؟؟!! .. كما هو الحال بالنسبة للآخرين ؟؟!! .
لماذا أراك تتململ هكذا من جديد يا سيدي ؟؟!! .. أتراك مللت لعبة الكلام والحديث ؟؟!! ..أم تراك مللت لعبة " تبادل الأدوار " التي قمنا بها ؟؟ .. أم تراك قد مللت لعبة الغواية والعشق للدمية الشرقية الجميلة ؟؟!! ...
صبراً يا سيدي بالله عليك .. فنحن ما زلنا في البداية .. في بداية الرواية .. فما زال عندي المزيد والمزيد من الحديث إليك .
الجمال نعمة وهبة ربانية بالنسبة للأخريات .. ولكنه بالنسبة لي فقد انقلب الجمال من نعمة إلى نقمة .. فكان جمالي مصدر القلق والنقمة بالنسبة لي ..
رويدك يا سيدي .. رويدك .. سأبدأ معك الحكاية .. ومن البداية .. فلا تعجب يا سيدي مما سأرويه لك وما أقصه عليك ..
فلقد طرق الحب باب قلبي مبكراً .. بل لعله مبكرا جداً .. لقد كان ذلك عندما كنت طفلة ؟؟!! لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري بعد .
.. كان طفلا يكبرني ببضع سنين فحسب .. كان حب الطفولة والبراءة .. كنت أشاركه لهوي ومرحي وسعادتي .. وأسراري .. وقلبي .. وكم امتدحته على مسمع من رفيقاتي اللواتي قمن بالإلحاح عليّ بعمل تعارف بينهن وبينه .. وببراءة الطفولة وعفويتها قمت بالواجب نحو إجراء التعارف بينهم .. وقد كان ..
.. فبعد أسابيع قليلة اكتشفت .. اكتشفت مدى جسامة الخطأ الذي أوقعت فيه نفسي ؟؟!! .
إذ أنه بدأ يستلطف إحدى صديقاتي ويميل إليها كثيرًا ؟! .. وفي نفس الوقت أخذ بالابتعاد عني شيئا فشيئاً ؛ حتى قاطعني نهائياً لصالح صديقتي ؟! .
صدمة نفسية وعاطفية حادة وشديدة أصابت قلبي الغض وطفولتي المبكرة وحبي العذري العفيف .. واهتزت ثقتي بنفسي .. وبمفهوم الصداقة .. ومفهوم الحب .. فكرهت صديقتي .. وكرهت حبيبي .. وكرهت نفسي وكرهت كل الشباب والرجال .. وكرهت الحب .
.. ولكن ؛ يبدو بأن قلبي الصغير – الكبير – كان لديه المتسع للصفح والغفران والنسيان ومداواة الجروح ..
فبعد أقل من عامين بدأت أستعيد ثقتي بنفسي .. واستعاد قلبي عافيته وأبدى استعداده لقبول الحب من جديد ؟؟!! .
.. مع بداية تفتح براعم الحب في قلبي من جديد .. كنت ألتقي به .. كان يمت لي بصلة القرابة من ناحية والدي .. فأحببته .. وبادلني الحب الجنوني ...
الصدمة الثانية القاسية في حياتي لم تلبث أن وصلت سريعًا ... ؟؟!!

يتبع



" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
( الجزء الثاني )
قصة قصيرة
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
======================

" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
( الجزء الثاني )
الصدمة الثانية القاسية في حياتي لم تلبث أن وصلت ... ؟؟!!...
.. لم تكن من الحبيب .. ولكنها كانت من جراء ذلك الحدث الجلل نتيجة الحدث المفاجئ بوفاة شقيقي البكر إثر جلطة دماغية مفاجئة وهو ما زال شاباً لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره ..
الشاب الذي كان يمت لي بصلة القرابة والذي كنت أبادله الحب وقف إلى جانبي يشد من أزري لتجاوز المحنة وخروجي من الصدمة العنيفة بفقدان أخي .
واستمر الحب ملتهباً بيننا لسنوات وسنوات حتى بلغت الثامنة عشرة من عمري .. وأزف الوقت الذي كان يتحتم فيه عليّ مغادرة البلد الذي نشأت فيه وترعرت .. لكي انطلق لحياة جديدة مليئة بالمغامرات والأفراح والأحزان في وطني وبلدي الأصلي .. ولم ينقطع حبل الود والحب ما بيني وبين الحبيب القريب . ولخشيته من أن يفقدني .. أو أن يعجب بي أحد سواه من الشباب فأفتن بهم .. خاصة وأنني كنت قد التحقت بالجامعة ؟؟!! فقام بطلب يدي من أبي لخطبتي .. وتم ذلك بالفعل وعشت أحلى وأجمل أحلام يقظة يمكن أن تتخيلها أي فتاة مع الشاب الذي تعشقه .
... وبدأت التجهيزات والتحضيرات لبيت الأحلام والفرح والسعادة الزوجية .. لتحقيق الحلم الكبير وإخراجه إلى حيز الوجود ..
الأيام تمضي سراعاً والموعد يقترب بسرعة أكبر .. وإخراج الحلم الوردي الجميل إلى حيز الوجود أصبح قاب قوسين أو أدنى .. فشعرت بأنني أصبحت أشارك الملائكة في السماوات العلا .. وأنافس العصافير شقشقة؛ والطيور زقزقة .. فما هي سوى أيام قلائل وسأنتقل بعدها إلى عش الزوجية والسعادة الأبدية .. والانتقال إلى حيث النعيم والخلود اللامتناهي .
قمت وخطيبي .. حبيبي .. زوجي وشريك حياتي الذي سيكون كذلك بعد عدة أيام .. عدة ساعات .. قمنا سوية باختيار كل ما يتطلبه بيت الزوجية من أثاث وأدوات ولوازم .. تلك الأشياء التي كنا نقوم سوية بتنسيقها وترتيبها في عش الزوجية المنتظر.
.. شعرت بأن عش الزوجية تنقصه بعض الأشياء من الكماليات اللازمة لكي يصبح الجنة ذاتها ولكي تكتمل السعادة .
قمت بالتسوق – منفردة – لشراء كل ما يلزم وما لا يلزم .. والسعادة الغامرة تسيطر على نفسي وقلبي ووجداني .
بعد انتهائي من عملية التسوق المضنية ؛ قررت أن أذهب بها إلى عش الزوجية لكي أقوم بترتيبها وتنسيقها بطريقتي وبذوقي الخاص .. ولكي أجعل منها مفاجأة لخطيبي وحبيبي عندما يحضر إلى هذا العش الجميل بعد أيام قلائل ..
ولجت إلى المنزل بخفة الفراشة ورشاقة الطيور وسعادة الملائكة .. وضعت الأشياء جانباً لكي أستريح لبعض الوقت على الأريكة في الصالون .. ولالتقاط أنفاسي والتفكير بكيفية وطريقة ترتيب الأشياء وتنسيقها في الأماكن التي ستبدو فيها أجمل .
ثمة صوت تناهى إلى مسامعي بما يشبه الهمس .. أصخت السمع بشكل جيد .. فتحققت من الأمر ؟؟!! .
كان الصوت صوته ... والهمس همسه .. فأنا أعرف جيداً جمال صوته ورقة همساته وروعتها ... كان مصدر الصوت هو حجرة النوم التي سنقضي فيها أسعد لحظات العمر؟؟!! ...
شعرت بمدى حبه لي .. وتأكدت بأنه يحبني بشكل جنوني وبأكثر مما كنت أتوقع .. فها هو قد سبقني للوصول إلى هنا لتقديم المفاجأة الرائعة لي .. فلا بد أنه قد أحضر الأشياء والأشياء الأخرى الجميلة والتي أحس بأن تسوقها سيسعدني كثيرًا فأرادها لي مفاجأة جميلة ؟؟!! ...
هتفت في سري بما يشبه الهمس : " كم أنت رائع يا حبيبي ... كم أحبك يا حبيبي .. " ..
نهضت من مكاني بخفة الفراشة كي أفاجئه وهو في حجرة النوم يقوم بترتيب الأشياء وتنسيقها ..
وبعد لحظات يسيرة كنت أقوم بفتح باب الحجرة كي تكون المفاجأة أجمل وأروع ...
.. وقد كانت كذلك بالفعل ؟؟!!
قلبي كاد أن يتوقف عن الوجيب .. أو لعله قد فعل ذلك فعلًا ... الارتعاش والرجفة سيطرت على كل حواسي .. وعلى نفسي وروحي من هول المفاجأة ؟؟!!...
وقبل أن أسقط على الأرض مغشيًا عليّ .. كنت أتمتم بحروف وكلمات متداخلة وكأنها تأتي من وراء الجبال أو من داخل القبور ... :
" .. يا لها من مفاجأة حقًا ... لا يمكنني أن أصدق ما تراه عيناي ؟؟!! " .
ثمة مشهد يغشاه الضباب الكثيف يطاردني بقوة وقسوة .. فمن خلال الضباب الكثيف الرهيب المخيف أرى صورته .. صورة حبيبي .. خطيبي .. زوجي المستقبلي .. وهو ينظر نحوي مشدوهًا رائغ البصر .. يتمتم بتلعثم :
" أهي أنت ؟؟!! "
نعم .. إنها أنا أيها الحبيب الغالي .. أيها الخطيب الوفيّ .. لقد أتيت إلى هنا لكي أجعل الأمر مفاجأة جميلة بالنسبة لك .. ولكنك قدمت لي مفاجأة مختلفة .. لم تخطر لي على بال ؟؟!! ..
.. من بين سحب الضباب الكثيفة .. تبدو صورته الجميلة – البشعة - .. يبدو كشيطان من شياطين جهنم .. يبدو عاريًا ؟؟!! في مشهد شيطاني رهيب .. تشاركه المشهد الآثم امرأة عارية مطموسة المعالم ؟؟!! .
كيف له أن يجعل من مخدع الزوجية الطاهر الشريف مرتعًا لرجس الشيطان وميدانًا للإثم والخيانة وارتكاب الفاحشة ... كيف له أن يمارس معها أسوأ صور الخيانة والإثم ؟؟!!
آه يا سيدي .. وألف آه .. كم هو مؤلم هذا ... لا بد بأنك تشاركني نفس الشعور بالألم والفجيعة للمشهد الرهيب .. من الإثم ورجس الشيطان .
لقد كانت الصدمة شديدة على نفسي ولبي ووجداني ... فلم يستطع عقلي وفكري وقلبي أن يستوعبها بالمطلق .. فتم نقلي إلى المستشفى للعلاج ... فأي علاج سيجدي نفعًا لمثل حالتي هذه ؟؟!! ..
تمنيت لم أنني كنت عمياء .. كفيفة العينين كي لا أرى مثل هذا المشهد .. ومثل هذا الكابوس المخيف ...
الأزمة النفسية الرهيبة كانت تستدعي الاستنجاد بالطبيب .. ولم يكن الطبيب عاديًا .. بل كان " طبيب نفسي " ؟؟!! .. والذي حاول بدوره وبكل جهده علاجي من الأزمة النفسية الحادة الرهيبة .. ورحت أتساءل في سري :
" أتراني أصبحت مجنونة ؟؟!! " ..
ورحت أتساءل ..
" هل هذا الذي يدور من حولي مجرد حلم .. خيال .. وهم تخيل .. كابوس ؟؟!!
وكم تمنيت أن يكون الأمر كذلك .. أن أكون قد أصبت بالجنون فعلاً .. أو أنني أعيش كابوسًا مخيفًا .. أو أنني أهذي .. فهذا كله سوف يكون أهون بكثير من واقع الهوان ومعاناة الذل وألم الخيانة ...
وليس بالأمر الغريب بعد ذلك أن أفقد ثقتي تمامًا بكل الرجال .. كل الرجال بلا استثناء .؟؟!! .
تعلقت بأبي أكثر فأكثر ... فهو وحده الذي يمثل الفضيلة والشرف والطهارة .. فأصبح صديقي ورفيقي ومؤنسي ... ورفضت قيام أي علاقة بالعالم الخارجي بالمطلق .
العلاج كان عندي مزدوجًا .. فهو نصف علاج يقدمه لي " الطبيب النفسي " .. أما النصف الآخر والأهم فهو ذلك العلاج النفسي الفاعل الرائع الذي كان يقدمه لي والدي ..
ومع مرور الوقت استطعت أن أستعيد جزءًا لا بأس له من ثقتي بنفسي .. وأخذت بالخروج من الدائرة الضيقة .. ومن القوقعة المخيفة ..
وبدأت في تكوين علاقات اجتماعية وصداقات في حدود ضيقة مع بعض الأصدقاء من زملاء الجامعة .. وكانوا صحبة طيبة رائعين وطيبين.. أحببتهم بصدق وأحبوني كثيرًا .. واستطاعوا مساعدتي على الخروج من صمتي وتجاوز الأزمة النفسية ووقفوا إلى جانبي وبدون أن أخبرهم بقضيتي ..
.. ظل الجرح عميقًا عميقًا في نفسي وقلبي وروحي .. وظل يقف حائلاً قويًا في وجه أي حب جديد .. ويجعلني عازفة عن قبول أي حب .. أو أي قلب .
" الطبيب النفسي " بدوره .. كان لا يزال يقوم بواجبه الإنساني .. فيستمر معي بالمعالجة النفسية والطبية والعقاقير .. وكان من ضمن تلك الأدوية والعقاقير علاج كيماوي يعتمد على مادة " الكورتيزون " الذي جعل مني فتاة بدينة جدًا .. وغير مرغوب فيها في عالم الرجال ..
الكثير من عبارات التهكم والسخرية كانت تتناهى إلى مسامعي من قبل بعض الشباب .. وهذا ما هز ثقتي بنفسي من جديد .. وما كاد أن يسبب لي بانتكاسة نفسية جديدة .. فقمت من جانبي بعمل الرجيم .. لإنزال وزني وتجميل قوامي .. وإراحتي نفسيًا ... فحقق هذا بعض النتائج المتواضعة .
.. وتأبي المصائب أن تأتي فرادى ؟؟!!!
فلقد كانت الضربة القاسمة التي قسمت ظهري .. وليس ظهر البعير ... فلقد أصبت بصدمة شديدة ومن العيار الثقيل .. بل الثقيل جدًا ... فقد .... ؟؟؟!!!
... يتبع



" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
( الجزء الثالث – الأخير - )
قصة قصيرة
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
======================

" بقايا قلب .. بقايا امرأة " ؟؟!!
( الجزء الثالث – الأخير - )
.. وتأبي المصائب أن تأتي فرادى ؟؟!!!
فلقد كانت الضربة القاسمة التي قسمت ظهري .. وليس ظهر البعير ... فلقد أصبت بصدمة شديدة ومن العيار الثقيل .. بل الثقيل جدًا ... فقد توفي صديقي الأثير ورفيق دربي الكبير .. ومن تعلقت به كثيرًا وأحببته كثيرًا .. فكانت الضربة أشد إيلامًا وكانت الكارثة الحقيقية التي وقعت فوق رأسي وقوع الصاعقة المميتة التي أتت على البقية الباقية من قوتي النفسية والجسدية المنهارة .. وشعرت بأنني قد انتهيت تمامًا .. وعشت حالة من الضياع والتوهان المخيف ...
فلقد توفي سندي وظهيري وركيزتي وصديقي .. رفيق دربي وحبيب حياتي .. " والدي " – رحمه الله .. وعشت حالة من إنكار الذات وفقدان الأمل في الحياة والثقة في النفس .. فأهملت دروسي وواجباتي وجامعتي .. وأخذت بالفرار والهروب من المحاضرات ... وأصبت بحالة من اللامبالاة وصلت إلى حد اللامبالاة المطلقة ..
غريزة " حب الانتقام " تملكتني بشكل جنوني .. وبدأت بتصرفات طيش وحمق أشبه ما تكون بنوبات الجنون .. بل لعلها كانت الجنون ذاته ؟؟؟!! .
فلقد أخذت بالتقرب إلى الشباب ... وأجعلهم يصلون إلى درجة التعلق بي فأتلذذ بعذاباتهم ... وأحس بنشوة الانتقام الغريبة ولعلها كانت ما يطلقون عليه " السادية " ؟؟ !! التي تتحدثون عنها .. وهي التلذذ بآلام الآخرين .. ثم أقوم بإهمالهم وتركهم يقاسون العذابات ويعانون الموت كمدًا وقهرًا .. فأهملهم تمامًا كما كنت أهمل ملابسي القديمة .. وكلما أهملت ثوباً آخر ... أقصد كلما أهملت شابًا آخر .. وجرحته بعمق في قلبه ونفسه .. كلما شعرت باللذة والسعادة أكثر فأكثر ؟؟!! .
وقد شعرت بالفعل بأنني قد تقمصت شخصية " شهرزاد " في " ألف ليلة وليلة " .. ولكن بطريقة عكسية ؟؟!!
حيث صور لي جنوني وصورت لي ساديتي الأمور على عكس حقيقتها .. فأبدلت الأدوار ما بين " شهريار " الملك الظالم المنتقم .. و " شهرزاد " الضحية المظلومة .. فجعلت من " شهرزاد " سيدة الموقف وسيدة الانتقام .. التي أرادت أن تنتقم من كل الرجال .. وتقصمت بدوري شخصيتها ؟؟!! .
الأيام تتوالى تباعًا .. والسنون تنقضي سراعًا .. وأنا أرفض أي شاب يتقدم لخطبتي والزواج مني .. وأرفض حبه .. ولا أقبل به سوى ضحية أتلذذ بعذابه وآلامه ؟؟!! .
وأخيرًا .. وجدت سلوتي فيه .. ؟؟!!
" الإنترنت " .. و " الفيس بوك " .. ومن سواه يكون سلوتي في هذا الموقف العصيب ؟؟!! .
قمت بالإنضمام إلى أحد ( الجروبات ) التي وجدت بأن لها صدىً في نفسي وميول ، فوصلتني رسالة من المسؤولين يطلبون فيها أن أعطيهم رأيي في موضوع معين وقضية عامه كان قد تم طرحها للنقاش على ( الجروب ) ..
الموضوع .. موضوع النقاش والحوار ذاته .. شد انتباهي بشدة وجذبني إليه بقوة .. وبالفعل . فقد قمت بالتعبير عن وجهة نظري بصدق وصراحة .. في موضوع النقاش المطروح للحوار .. ويبدو بأنه قد كان لوجهة نظري فعل السحر في أعضاء ( الجروب ) .. فلقد فوجئت برسالة تصلني ( على الخاص ) من أحد الأعضاء يطلب رأيي ووجهة نظري في موضوع آخر معين .. كتبه بنفسه ويود نشره في ( الجروب ) ..
ثمة علامات استفهام عديدة وضخمة راحت تمر في خاطري وذهني .. محورها الرئيس .. لماذا أنا بالذات ؟؟!! .
قمت بالرد على رسالته .. برسالة شكر لتلك الثقة التي أولانيها .. واستمرت المراسلات بيننا ... فطلب مني أن أقوم بإضافته كصديق عندي .. فقمت بتلبية مطلبه .. وتحدث معي على " الماسنجر " ... واستمر الحديث والتواصل بيننا طويلاً .. حتى صارحني ذات يوم بحبه لي وتعلقه الشديد بي ؛ وذلك منذ أول يوم تم التعارف فيه بيننا ... وصارحني بأنه قد رأى بي الحبيبة والزوجة وأم أولاده التي كان يحلم بها طويلاً ؟؟!! .
بالطبع .. وتحت تأثير الصدمة النفسية الحادة التي كنت لا أزال أعانيها .. لم أصدق ما كان يقوله .. واعتقدت جازمة بأنه لا يختلف عن بقية الشباب .. وأنه يتخذ الأمر للتسلية وتمضية الوقت ليس إلا ..
بطريقة ما .. ازداد إعجابي بالشاب مع مرور الوقت .. وشعرت بصدق مشاعره وحبه لي .. فشعرت بميول غريب نحو الشاب .. ولكن بحذر شديد .
ولم ألبث أن استسلمت في النهاية لخلجات قلبي ولواعج نفسي وطرقات الحب الشديدة التي راحت تدق باب قلبي بشدة وعنف رغمًا عن أنفي .. وثمة شعور غريب سيطر على كياني ونفسي بأنه الحب الحقيقي الذي ظهر أخيرًا والذي سوف ينسيني جميع أحزاني ويداوي كل آلامي وجراحاتي .. وسوف ينسيني كل همومي وآهاتي .. وكل ذكرياتي القديمة .. والذي سيعيد لي ثقتي في نفسي والتي فقدتها طويلاً ... وبأنه سوف يكون لي الأب والأخ والصديق والحبيب والزوج .
واتفقنا على كل شيء .. ولم يبق سوى تطبيق بنود الاتفاق وإخراجها إلى حيز التنفيذ وأرض الواقع .. ولكي يصبح الحلم حقيقة .
واستمر الأمر على هذا المنوال لمدة تزيد على السنوات الأربع .. على أمل تحقيق الحلم والأمل بحضوره إلى بلدي من أجل طلب يدي رسميًا ...
وقد حدث ..
.. لقد بر الشاب بوعده وبر بعهده .. وأتى إلى بلدتي خصيصًا من أجلي .. وكدت أطير من الفرح .. فها هو حلم حياتي يتحقق أخيرًا .. وها هي الفرحة تدق أبواب قلبي من جديد ..
السعادة تغمرني من أخمص قدميّ وحتى قمة رأسي .. فها هو المشهد الرائع يتراءى أمامي .. وها هو حبيبي .. وزوج المستقبل يطلبني رسميًا من والدتي وإخواني ويقوم بخطبتي رسميًا ..
اتفق مع والدتي وإخواني على كل الأمور واستجاب لكل مطالبهم .. المتعلقة بالزواج .. وعشت حلم السعادة لتجهيز الأمور بشكل جيد وتجهيز كل ما يتطلبه أمر الزواج وإحضار عائلته وذويه للمشاركة في حفل الزواج البهيج .. فبت أعد الأيام والليالي وأحسبها بالدقيقة والثانية .. أتعجل مرورها بسرعة كي يتم تحقيق الحلم بسرعة وبدون أي تأخير ..
ستة شهور أو ما يزيد .. والأمر ما زال بين مد وجزر .. انتظار وأمل .. وهو يسوف ويماطل في إتمام تنفيذ الإجراءات التي تم الاتفاق عليها بشتى الحجج والمبررات ؟؟!!
كدت أن أعترف بأن حبي له كان وهمًا وضربًا من ضروب الخيال .. بل ومن ضروب الجنون .. وشعرت بأن أحلامي كلها ذهبت أدراج الريح ..؟؟!! وأن كل ما كان لم يكن سوى سراب ووهم وخيال .. وبدأت الأفكار السوداء تتناوشني بشدة من كل حدب وصوب ...
وبدأت الشكوك تساورني وتقض مضجعي .. ومما زاد الطين بلة ؛ بأن أحد أقارب والدي قد قام بزيارة سرية لبلد الحبيب والخطيب والزوج المنتظر .. فاكتشف كذب وخداع وألاعيب الشاب .. وبأن كل ما قاله لي ولأمي وإخواني كذب محض .. ولا يمت للحقيقة بصلة ؟؟!!
فكانت الصدمة الجديدة .. بل لعلها كانت " الضربة القاضية " .. أو لعلها " رصاصة الرحمة " .
فتحاملت على نفسي .. واستطعت أن أستوعب الأمر رغم فداحة المصاب وهول الصدمة .. وقررت أن أقوم بتغيير نمط حياتي بشكل جذري .. وإلى الأبد ..
فاتبعت حمية شديدة من أجل إنقاص وزني أكثر فأكثر .. وقمت بتغيير نمطية حياتي وتفكيري وأفكاري .. وطريقة ارتدائي للملابس وللزينة خاصتي ..
وقررت أن أعيش بقية حياتي .. بشكل مختلف تمامًا .. خاصة وأنني شعرت بأنني مجرد .. " بقايا قلب ... و بقايا امرأة " ...
.. أرجوك يا سيدي ... أرجوك أن لا تبكي من أجلي .. بل أرجوك .. أن تصلي من أجلي ..
... مهلا يا سيدي ... مهلا بالله عليك .. ليكن في صدرك بعض المتسع لحديثي .. أم تراك عازفًا عن الاستماع لي ؟؟!!.
لِمَ ذلك يا سيدي وأنت الذي تستمع للجميع ؛ ولعل ذلك كان يرجع إلى رغبتك في الحصول على حكايا جديدة لنصوص جديدة ؟؟!! .
لن أقول بأنك كنت تتصيد الأحداث والحكايا .. لكي تجعل منها نصوصًا دسمة لأدبياتك .. أعرف بأن لديك المخزون الوافر من الحكايا للكثيرين والكثيرات .. وأعرف جيدا بأنك موضع ثقة للجميع .
مهلاً يا سيدي ... مهلاً بالله عليك ..


(( انتهي النص ... ولا زالت كلمات بطلة النص تطاردني بقوة وقسوة :
.... وقررت أن أعيش بقية حياتي .. بشكل مختلف تمامًا .. خاصة وأنني شعرت بأنني مجرد .. " بقايا قلب ... و بقايا امرأة " ...
.. أرجوك يا سيدي ... أرجوك أن لا تبكي من أجلي .. بل أرجوك .. أن تصلي من أجلي .. )) ..