التعليم التحرري نحو مجتمع آمن بقلم إسراء المدلل
تاريخ النشر : 2018-08-09
تتبع الدول المتقدمة طُرقاً متطورة في التعليم، ساهمت في تطوير أطراف العملية التعليمية فيها ككل، حيث قامت هذه الدول بتخصيص ميزانيات مرتفعة، وإعداد استراتيجيات ضخمة ساهمت بشكل أساسي في نقلة نوعية نحو التميز في قطاع التعليم مما منَحَها مكانة رفيعة بين الدول الأخرى, وأصبحت مثالاً يحتذى به، وشواهد عصرية على أهمية إتباع الطرق الحديثة في التعليم، وعلى رأسها التعلم التفاعلي أو التحرري
ولا يمكن أن يسمى التعليم تحررياً إلا أذا قام على الفرد نفسه، وحرر عقله ورسخ فيه مفاهيم التفكير الإبداعي، وساعده على استخلاص حل مشاكله بنفسه. ويعتمد التعليم التحرري أساليب حديثة كثيرة، منها التعلم من خلال اللعب أو الممارسة أو المشاهدة, كما يرتكز على العديد من المبادئ أهمها التعاون و المشاركة والحوار والتكامل وتقبل الآخر والتسامح. ويتجنب الأساليب التقليدية في التعليم، كالتلقين الذي يبث الملل داخل الفصول الدراسية، و يحدُ من إشراك الطالب في العملية التعليمية، لأن عدم إشراكه فيها يجعله مُتلقِ للتعليم و ليس طرفاً فيه، مما يحد من صقل مهاراته وقدراته أو الاستفادة منها
ويرى العديد من المختصين في التعليم التحرري أن أهم مشكلات التعليم وأخطرها في قطاع غزة تتمثل في اكتظاظ أعداد الطلبة في الفصول الدراسية، حيث أن الفصول لا تغطي احتياجات الطلاب، و من المتوقع أن يكون في العام الدراسي( 2018- 2019) 267.000 طالب وطالبة في المدارس الحكومية، وهذا مؤشر على زيادة 14.000 طالب و طالبة عن العام الماضي، فبالتالي نحن بحاجة إلى 20 مبنى دراسي جديد، سيفتتح منها 9 أبنية مدرسية جديدة فقط، ما يعني أنه لدينا عجز في بناء 11 مدرسي، و يتوقع أن يكون عدد المدارس في قطاع غزة مع بدء العام الدراسي المقبل 409 مدرسة، وعدد الأبنية المدرسية 290 مبنى.
كما تقف العديد من المعيقات الأخرى أمام تطبيق أساليب التعلم التحرري في القطاع، منها حاجة المدارس إلى الحدائق وغرف اللعب، والصالات الرياضية، وصفوف التربية الخاصة، وغرف التوجيه والإرشاد النفسي، وحاجتها أيضاً إلى شاشات العرض المتطورة اللازمة لعرض البيئات التي يصعب وصول الطلبة إليها، مما يعيق الطالب في استخلاص المعلومة أو استكشافها بذاته، وضعف التنظيم المتواصل للرحلات التعليمية بسبب العائق المادي. كل ذلك أثر على امكانية تطبيق مبدأ التعلم بالمشاهدة والممارسة
لا بد من التنويه إلى ضرورة توعية الأهالي بمدى فعالية الوسائل الحديثة في التربية والتعليم، لأن غياب الثقافة المجتمعية أدى إلى صعوبة مشاركة الأهالي في التعامل مع مشاكل أبنائهم، بل أيضاً إلى التسبب بها في بعض الحالات، حيث أن إشراك الأهالي في التربية والتعليم والإرشاد بشكل مباشر يساعد على حل المشاكل لدى الطلبة
كما ويعتبر تعزيز المشاركة المجتمعية والدمج للمتعلمين مع البيئات المختلفة المحيطة بهم, من أساسيات تحقيق تعليم تحرري, حيث لابد من التعاون مع كافة المؤسسات والمنظمات والمبادرات المجتمعية التي من شانها أن تشارك الطالب في التعلم والاندماج. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك تجربة مؤسسة عبد المحسن القطان, ومؤسسة تامر للتعليم المجتمعي وكذلك مؤسسة الكنز وتجربة مسارات في فلسطين.
بات من الواضح أن اعتماد نظام التعلم التحرري والتفاعلي في التعليم يتطلب بيئة آمنة ومستقرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن الاحتلال الاسرائيلي يشكل عائقاً لا يستهان به أمام تطور قطاع التعليم في فلسطين، والعديد من القطاعات الأخرى
وللخروج من هذه الأزمات والحيلولة دون حرمان الطلبة من المستقبل، يجب العمل بكافة السُبل وعلى كافة الأصعدة للتخلص من مشكلة التدني الشديد في الميزانيات المخصصة للتعليم في فلسطين لتحسين البيئة التعليمية الصفية والمدرسية وتزويدها بالإمكانيات الازمة لمواكبة التطورات المعاصرة في التعليم ، وتوظيف معلمين مدربين وقادرين على تعزيز طرق وأساليب تعليمية تعلمية تتيح للطالب الحرية في المشاركة والتفاعل مع البيئة المحيطة, إلى جانب أهمية رفع وعي الأهالي وثقافتهم بأساليب الحوار والتفكير الناقد ليتمكنوا من بناء جيل واعي ومستقل بفكره وطريقته ومتحاور. وإن السعي نحو تحقيق ذلك لهو حاجة ملحة للوصول بطلبتنا إلى بر الأمان، ولصناعة نهضة متكاملة وضمان مستقبل مشرق في فلسطين
ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ
مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية