حوار مع الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي
تاريخ النشر : 2018-07-28
حوار مع الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي


حوار مع الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي
   
                

•    حاوره (عزالدين المناصرة – القاهرة – 1965)

أحمد عبدالمعطي حجازي، أحد أعلام حركة التجديد في الجمهورية العربية المتحدة، وهو يكاد يتلاقى مع صلاح عبدالصبور في المرتبة الشعرية، حيث حمل الاثنان مسؤولية التجديد في الشعر العربي في الجمهورية العربية المتحدة، وهو كذلك يلتقي مع السياب ونازك الملائكة والبياتي في العراق. أحمد حجازي صاحب دواوين (مدينة بلا قلب – أوراس – لم يبق إلا الاعتراف). نقدم اليوم هذا الشاعر الكبير لقراء الأفق الجديد.
•    أستاذ حجازي، أين ولدت، وهل لك أن تعطينا موجزاً لحياتك وعملك؟
أحمد: ولدت في بلدة "تلا" محافظة المنوفية سنة 1935، ونلت دبلوم المعلمين في التربية 1955، ثم عملت في الصحافة سنة 1956 محرراً بروز اليوسف، كما عملت محرراً في جريدة الجماهير الدمشقية، التي كانت تصدر أيام الوحدة. وأنا الأن أعمل رئيساً للقسم الأدبي بمجلة روز اليوسف.
•    ألا تقرأ بعض محاولاتك الشعرية الأولى؟
أحمد: لي قصيدة أولها:
ضقت ذرعاً بمعبد السفاح        بالضحايا بهذه الأشباح
بالزهور، التي تعودت الفأس        فضلّت عن أفقها اللمّاح
ضقت ذرعاً بها، فأيان مرساي        إلهي، وأين أين مراحي
•    يظهر في هذه القصيدة الطابع الرومانسي، فهل تأثرت في بداية حياتك الشعرية بالرومانسيين؟
أحمد: طبعاً تأثرت بالشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، وأبو القاسم الشابي، ومحمد عبدالمعطي الهمشري، أما من القدماء فأحببت: طرفة بن العبد – أبو نواس.
•    متى بدأت التجديد في شعرك، وهل نقرأ مثلاً على تجديدك في المرحلة الأولى؟
أحمد: بدأت أكتب الشعر الجديد على طريقة المقطوعة وهي بداية التجديد. ولي قصيدة قديمة كتبتها سنة 1953، اسمها – بكاء الأبد – نشرتها مجلة "الرسالة الجديدة"، منها: (عندما أبدعني الغور السحيق... من فنون الليل والصمت العميق... طوحت بي كفّة فوق طريق... ضائع النجمة مجهول الرفيق... لست أدري وأنا صمت وليل... كيف أشدو كيف أعطيه الشروق... حين يفلت تراب المعبد... بدموع من شعاع الأبد... أنا لم أقتل ولن تسرق يدي... قبل خلقي فلماذا عذبتني... يد ربي في الطريق الأسود...).
•    ما هي أسباب دواعي التجديد عندك باعتبارك ركناً من أركاته؟
أحمد: مرَّ الشعر العربي، بعد توقف الإبداع الرومانسي، إما بموت أعلام الشعراء الرومانسيين، وإما بتوقفهم عن كتابة الشعر، أو بردّتهم إلى شعر المناسبات- بأزمة خطيرة. وبالتحديد ظهرت هذه الأزمة في السنة التي انتصف عندها هذا القرن. فلقد توفي قبل هذه السنة عدد كبير من الشعراء الرومانتيكيين، أمثال (علي محمود طه – محمد عبدالمعطي الهمشري – أبو القاسم الشابي – التيجاني يوسف بشير). أما من بقي حياً من أعلام الرومانتيكية كإبراهيم ناجي، فلقد ارتد في إنتاجه إلى شعر المناسبات، الذي يُقال في المدح والرثاء وتحية الإخوان، وبدأ الشعر يفقدجمهوره. بل ويفقد حتى نفسه، لأن الشباب الذين ظهروا في تلك السنوات – سنوات الأزمة الشعرية – كانوا أحد فريقين، استمر امتداداً للمرحلة الرومانتيكية، ولكنه لم يستطع أن يبدع فيها كما أبدع أسلافه، وفريق آخر، كان يعيش في ظروف اجتماعية وثقافية وسياسية، جعلته يرفض تلك النظرة الرومانتيكية للحياة والفن، ويبحث عن شيء جديد. خاصة وأن هذه الظروف كانت حبلى بالإرهاصات السياسية والثقافية، إرهاصات الثورة في كل المجالات. وفي الشعر بالذات كانت محاولات التجديد، التي بدأت في مصر، قد تبلورت في العراق على أيدي: السياب – نازك الملائكة – البياتي، ودخلت مصر لتنضم إلى كل المبررات، التي بنى عليها الشعراء المحدثون حركتهم الجديدة في الشعر. إن التطور السياسي والعقلي، هو الأساس في قيام حركة الشعر الجديد، لأن قانون هذا التطور، يقول: (إن الإنسان يستطيع أن يجعل الحلم حقيقة)، ومن هذا القانون، بدأ المثقفون الجدد يرون أن النشاط العقلي، ليست مهمته، نظم الأحلام ونثرها لإعادة نظمها ونثرها، ولكن مهمته، هي البحث عما يزخر به الواقع الملموس من دلالات. وهكذا أصبح على الشعر العربي أن يأخذ مادته وصورته من واقع الحياة اليومية، وهو مطلب بجا عسيراً جداً في الإطار القديم، الذي انفصل قروناً طويلة، وابتعد جداً عن الحياة اليومية، التي كان يحتقرها الشعراء القدماء، ويرون أنها غير جديرة بإلهامهم، فاستلهموا أسلافهم يجترون ما في الدواوين في جو ثقافي محدود جداً، جعلهم يقتنعون بتقليد الزخارف، دون أن يصلوا إلى جوهر التراث القديم. والذي لا شك فيه أن حركة البعث الكلاسيكية، التي يتزعمها البارودي، نجحت في تنحية التقليد السطحي، ووجهت أنظار الشعراء إلى ما في التراث من أصالة وجدية، كما أنه لا شك في أن الحركة الرومانسية، قد أعطت للشعر مفهومه العام الحقيقي، وهو أن يكون تعبيراً عن ذات الشاعر كفرد خاص لا كفرد مكرر. ولكن كل هذه المحاولات كانت تحتاج إلى محاولة أخرى حاسمة تعيد الشعر إلى حضن الحياة اليومية. وهذا ما فعله الشعراء الشبان المجددون. وقد وجدوا أن كثيراً من صور الحياة اليومية بمدلولاتها وأسمائها، يأباها الإطار القديم بوقاره وغنائيته وتركيباته، التي كان لا مفر من تحطيمها، حتى تفصح اللغة من جديد عن عرقها الحي الذي علاه الصدأ. هذه هي دواعي التجديد بصورة عامة، وتجربتي لا تخرج عن هذه الصورة إلا في بعض الملابسات الخاصة.
•    ما رأيك في الحركة الشعرية الصاعدة في الجمهورية العربية المتحدة؟
أحمد: إنها حركة نشيطة، وإن كانت الطبقة الثانية من المجددين لم تحتل بعد مكانها المرجولها كما فعلت الطبقة الثانية من المجددين في العراق. أما الطبقة الثانية عندنا في مصر، فمنهم: محمد عفيفي مطر – محمد إبراهيم أبو سنة –كمال عمار.
•    هل استطاع الأديب أن يعيش من أدبه؟
أحمد: بعض الأدباء، وليس منهم شاعر واحد. عندما يستطيع الشاعر أن يضع شعره في أشكال أخرى غير القصيدة قد يعيش من أدبه. فلو استطاع الشاعر أن يكتب المسرح مثلاً وغيره منأدوات النشر الجماهيرية، لتمكن من أن يعيش من شعره.
•    ما رأيك في المسرحية الشعرية في الجمهورية المتحدة؟
أحمد: اعتبر أن عبدالرحمن الشرقاوي، أحسن من كتب المسرحية الشعرية، مثل مسرحياته: مأساة جميلة، والفتى مهران، وهي في طريقها للظهور على الخشبة.
•    وعزيز أباظة؟
أحمد: لا يعرف البناء الفني للمسرحية، ومفهومه للشعر متخلف، وقدرته على البناء المسرحي قدرة محدودة.
•    ما هي العلاقة بين الفن والأخلاف بمعناها العادي؟
أحمد: علاقة الفن بالأخلاق، علاقة قائمة فعلاً، ولكن ليس بمعناها الاجتماعي المحدد، وإنما باعتبارها التزاماً خاصاً يلزم به الفنان نفسه، فكل فنان لا بد أن تكون له أخلاق يلتزمها في سلوكه وفي شعره، ولا شك أن هذه الأخلاق، مهما كانت صورتها، ستكون إنسانية لأن الحاجة إلى الأخلاق أساسً حاجة اجتماعية.
•    يعتمد الشعر على التجربة والانفعال، فهل من يستعمل الرمز والأسطورة يكون صادقا؟
أحمد: الشعر يعتمد على ثقافة الشاعر. وثقافة الشاعر نفسها، تتصل أشد الصلة بالثقافة القومية، فإذا كان الرمز والأسطورة عنصراً حياً من عناصر ثقافة الشاعر، تولّد شعر بدون تعمد أو افتعال، ووصل إلى جمهور الشاعر بدون عسر أو مشقة.
•    انفصلت الأشكال الشعرية إلى الشعر العمودي، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر. ما رأيك فيما يسمى بقصيدة النثر؟
أحمد: لا يوجد شيء اسمه قصيدة النثر، إلا إذا قلنا إن هناك قصيدة الرسم، وقصيدة النحت، وقصيدة القصة القصيرة، أو قصيدة المسرح. ففي كل هذه الأنواع يوجد الشعر بنسب متفاوتة، حتى لتوصف بعض مدارس اللوحات حين تحلل بأنها، شعرية، وحتى ليوصف مسرح تشيخوف وأسلوبه في القصة القصيرة، بأنه شعري. وذلك لاحتوائها على عنصر الشعر، الذينعثر عليه حين نبحث خلف صور الحياة الكثيرة عن معنى عام، يذكرنا بأفراح الإنسان أو أحلامه أو مآسيه. وبهذا المعنى، فالشعر موجود في كل فن، ولكن فن الشعر فن يتميز بطريقة خاصة في البناء والتركيب، لا يتحقق الشعر بدونها والوزن من أهم عناصر فن الشعر، فكل كلام غير موزون ليس شعراً، وإذاً فما يسمى بقصيدة النثر ليس من الشعر في شيء. وليس بالنثر، وسوف تثبت التجربة والزمن، أنها كانت بدعة لا تسد إلا حاجة منشديها.
•    ما هو الطقس الشعري، الذي تكتب فيه أشعارك؟
أحمد: كل قصيدة أكتبها في أجواء متعددة، ولكني على أي حال، أحب الكتابة وأنا كثير الحركة، وأغلبها في النهار، وأستطيع أن أؤخر كتابة أجزاء القصيدة إلى أيام مختلفة.
•    وهل تستطيع الاحتفاظ بانفعالك لعدة أيام بنفس القوة الأولى.
أحمد: نعم أستطيع الاستمرار في الانفعال بنفس القوة، كما أستطيع استرجاع نفسي الأول.
•    ما رأيك في شعر نكبة (فلسطين)، وهل استطاع أن يصل للمستوى الذي نتوخاه؟
أحمد: إلى الآن شعر النكبة الفلسطيني ليس شعر نكبة، ولكنه شعر مناسبات فردية ذاتية، شاعر النكبة حتى الآن لا يستلهمها، وإنما يستلهم همومه الخاصة، وأنا لا أريد أن أقول أن شعر النكبة، يجب أن يتحول إلى شعارات عامة حماسية، تعود بنا إلى مفهوم شعر المناسبات. ولكني أريد أن أقول أن نكبة العرب في فلسطين،خليقة بأن تنشئ روحاً عامة من البكاء والتمرد تحتضن الهموم الخاصة، فيخرج الشعر ذاتياً وقومياً في الوقت نفسه. بل إني أقول إن نكبة فلسطين، خليقة أن تنشئ حركة كبرى في الفن والأدب، لا تلهم الشعراء والفنانين العرب وحدهم، وإنما تلهم كل شاعر وفنان، يهتم بمصير الإنسان في العالم. ولكن الإنتاج الحالي،يبشر في ظل ظروفنا العربية الحالية، بقيام مثل هذه الحركة، وقد برز في الصف الأول من شعراء النكبة: فدوى طوقان – يوسف الخطيب – معين بسيسو – هارون هاشم رشيد – أبو سلمى. هذه أسماء من قرأت لها في مجلة الآداب البيروتية أو قرأت دواوينهم، وأنا لا أعرف كل شعراء النكبة، لذا فأرجو المعذرة.

___________________
•    مجلة الأفق الجديد، القدس، فلسطين، العدد السابع، عام 1965.