"بطاقة هويّة"
المحامي حسن عبادي
حضر حفل الافتتاح المئات من محبّي الفن، فأبناء شعبنا يعشقون الفنّ والحياة كباقي أبناء البشر رغم المتاعب اليوميّة والمُنغّصات، وشعرت بغبطة خلال تجوالي بين لوحات فؤاد، سرحت بين لوحات الخرائط التي تصوّر الحقول الصفراء المحيطة بقريته مصمص، وحواره ومناجاته لقصائد محمود درويش في لوحاته: جواز سفر، في حضرة الغياب، ما وراء الحدود وغيرها، ولوحات السجّاد التي تنبض بفنٍّ معماريٍّ وزخرفة مركّبة وصرخةً وجوديّة مدوّية حين نشاهد على تلك السجّادة المُعدّة للصلاة والتعبّد والتواصل مع الربّ سفينة دمار حربيّة أو جرّافة هدّامة أو طيّارة دمار شامل باسم الدين والله! وتبقى الطبيعة ملجأه ليصوّر بريشته جمالها حين يرسم الصبّار على مراحله – ذلك الذي لم يُزهر بعد، المُزهر والناضج بثماره المشتهاة بمذاقها الحلو وبواسطة صبّارياته يرسم لوحة تشظّي، حارّ، بقايا من صبر اللجّون، صبّار في خلفيّة الذاكرة، لقالق في جدار الصبّار فيرمز لقضيّة شعب هُجّر وانتكب – فالصبّار أينما ألقيته خلق من نفسه ولنفسه جذورًا ونما من جديد.
تخلّل المعرض لوحات بتقنيّات منوّعة: بألوان زيتيّة على قماش، أكريليك على قماش، ألوان زيتيّة على خشب، ألوان زيتيّة وأكريليك على قماش، ألوان زيتيّة على ورق دوبلكس وغيرها بأحجام مختلفة.
شدّتني رسوماته للطبيعة المجرّدة: أًفق، ترحال الأرض، شجرة زيتون، حقل زيتون، أشجار زيتون، شجرة القلوب وغيرها التي أخذتني إلى هناك... إلى أماكن وأزمنة... وأمل.
كذلك رسم بريشته البورتريهات لشخصه، للعائلة والغيريّة فأبدع، انتقل لرسم اللوحات السياسيّة، شيء لا بدّ منه في عالمنا، فجاءت سوداويّة ساخرة، معبّرة، ولاذعة: لوحة صرخة، حرب غير طاهرة، حصار مع منظر طبيعيّ مفتوح ولوحات أخرى "بدون عنوان"؟!؟ لفت انتباهي وجود كثير من اللوحات بدون عنوان، رغم مقولتها القويّة الجامدة وتساءلت – هل خاف فؤاد، رغم جرأته، من عَنونَتها وتركها تصرخ صرختها؟
شارك فؤاد في عشرات المعارض، الفرديّة (ومنها: بين المخفيّ والمكشوف، حنين إلى الضوء، بين الشخصيّ والسياسيّ، عودة إلى الفضاءات المترامية، ملك ليومٍ واحد، ذاكرة مرئيّة) والجماعيّة (ومنها: إيقاع، جروح وضمّادات، ومضات، قهوة سمراء، لا تروا لا تخافوا، عِناق، لون جليليّ، أرض، نقطة انطلاق نائية، جذور الهويّة، التحام، وخمسة، خمسة، خمسة) في البلاد وخارجها، وله مئات الأعمال واللوحات نتاج عشرات السنين.
يقول فؤاد الذي ولد في قرية مصمص المثلّثيّة: "منها استمدّيتُ إلهامي: من عالم الطفولة بين أسيجة الصبّار، والبيت القديم، وعبق الزعتر، وحقول الكِرسنّة، وذكريات خاطفة لجدّي وجدّتي، وقطعان الأبقار والأغنام في مواسم الحصاد، وكروم الزيتون".
وجدت في لوحاته إنسانيّة وحياة، هويّة وانتماء، رسالة وتحدّ، معاناة شعب وحكاية وقضيّة... وأملًا، تعبيرًا عن مواطِن وأبعادِ المُعاناة التي نعايشها، بما في ذلك البُعد الجمعيّ، فجاء اشتغاله الفنّي وثيق الصّلة بمجتمعه وقضاياه، بمُجمل حمولتها، على حدّ قوله.
لفت انتباهي مرافقة افتتاح المعرض "كتالوج" راق مهنيّ التصميم بعنوان "خرائط الذاكرة" ، بثلاث لغات: العربيّة،العبريّة والإنجليزيّة، يشمل بعض أعمال الفنّان في مجال الفنّ التشكيليّ ويجسّد تطوّر أسلوبه ويبدأ بقصيدة "بطاقة هويّة" لمحمود درويش، ترافقها ترجمة للغتين العبريّة والإنجليزيّة:
"سجِّل! أنا عربي
جذوري...
قبلَ ميلاد الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّح الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتون
... وقبل ترعرع العشبِ
.....
سجّل.. برأسِ الصفحة الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحم مغتصبي
حذار.. حذار.. من جوعي
ومن غضبي"