هل الليبراليون في الخليج خلايا نائمة؟ بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2018-07-10
هل الليبراليون في الخليج خلايا نائمة؟ بقلم:عادل بن مليح الأنصاري


هل الليبراليون في الخليج خلايا نائمة؟

عادل بن مليح الأنصاري

في بداية القرن التاسع عشر استخدمت كلمة (ليبرالية) على أولئك الذين تبنوا الانفتاح على الأفكار الجديدة في الإصلاح , الديني ثم السياسي لا حقا , ولكن الخضوع لتعاليم الكنيسة أساس كان قد أصابه شيء من الوهن خاصة في بداية الثورة الصناعية والعلمية , فتوجهت أدوات الليبرالية نحو الاقتصاد كمحرك أهم للحياة اليومية للعالم الجديد , ولو أمنا بدورها الباهت دينيا لن نتردد في القول أن الليبرالية عند ولادتها لم تكن إلا بنت السياسة أولا , ويجب أن نعترف أن الليبرالية لا يمكن أن ننظر إليها من وجهة نظر عالمية , بل هي ذات وجهين مختلفين من حيث البيئة التي تنمو فيها , وهنا نقصد البيئة الغربية التي احتضنتها والبيئة العربية التي تلقتها بكل تشوهاتها الواضحة وحتى الخفية , وهذا ليس بمستغرب , فالعرب بعد سباتهم العميق إبان أواخر الحكم العثماني وحتى غرقهم الأعمق في البحث عن الذات والبحث عن موضع قدم في هذا العالم المتفجر , تجمدت ثقافتهم ورؤيتهم للعالم والتي ذهب بها الحنين والتمسك بحبال الماضي من تواصل تاريخي للكيانات الإسلامية منذ العصر النبوي والخلافة الراشدة ومرورا بالعصر الأموي والعباسي ثم العثماني , وبين الخروج في موجات تحررية بدأت باسم العروبية وانتهت بالمناطقية البحتة , ربما حتمية التاريخ وفرضية التغيير التي كانت وما والت سنة الله في خلقه هي التي تمنعنا من الخوض في تساؤلات تاريخية ( ربما كلامية أو سفسطائية ) حول جدلية كون أيهما أفضل للعرب عبر تاريخهم المتأخر وبعد مرورهم بتغيرات تاريخية ربما بعضها مرير ومليء بالعظائم , من سقيفة بني ساعدة مرورا بموقعة الجمل وحتى احتلال صدام حسين للكويت , أيهما أفضل هل كان الأجدر بهم الوقوف مع خلافة بني عثمان وخاصة في أواخر أيامها ضد ما حاكته الصهيونية العالمية لها ( كونها قائدة ورمز الأمة الإسلامية والوارثة قيادة المسلمين منذ العهد النبوي مرورا ببني أمية ثم بني العباس ) كما علمونا في مدارسنا , وكيف تغنينا ذات زمن بمحمد الفاتح وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم " ولنعم الأمير أميرها " , والسلطان سليمان القانوني والسلطان عبدالحميد والذي درسونا أنه رفض بيع فلسطين للصهاينة رغم حاجته للمال وقتها ) , أم أنهم صنعوا تاريخا جديدا في حركات التحرر من بني عثمان ( والتي يراها البعض خيانة للإسلام قبل أن يكون خيانة لبني عثمان ) , هل نملك الرؤيا الصادقة والواضحة فيما كتبه التاريخ عن تلك الحقبة , هل أحسن العرب بتفجير حركات التحرر في الوقت الذي يجب عليهم الوقوف مع دولة الخلافة والحفاظ على التاريخ المتوارث للخلافة الإسلامية ؟
أم هل أحسن العرب في التحرر من قيود التخلف والتبعية والظلام الذي تسلل إليهم في أواخر عثرات دولة الخلافة ( حياة الرجل المريض ) ؟

هناك صورة ربما تكون غير واضحة المعالم لتلك الفترة يمكن استنتاجها من المنطق مع الكثير من الأحداث التاريخية الكثيرة والمتناثرة بين سطور كتاب التاريخ في تلك الفترة , فالصهيونية توارت عن وجه التاريخ طويلا في العهد النبوي والخلافة الراشدة ودولة بني أمية ثم بني العباس , وربما مما يُلفت النظر أن الضعف الإسلامي بدأ مع ظهور ( القوة الناعمة ) للفرس خاصة في أواخر الدولة العباسية , وكأنهم بدأوا مشروع إسقاط الخلافة لتكمله الصهيونية بعدهم بعدة قرون وخاصة في أواخر خلافة دولة بني عثمان , هنا نرى وجه أخر للتاريخ ربما كان ضبابيا أو حرص كاتبوا التاريخ على عدم تسليط الضوء عليه كثيرا , فبني عثمان ومن ورائهم أمة محمد إما أنهم ضحية مرحلة تاريخية غريبة رسمت سقوطهم وضعفهم , أم أنهم كانوا ضحية تخطيط شيطاني رسم تلك النهاية , ( وإن كنا نرجح الثانية ) , ففي أوج ظهور النهضة الأوربية وظهور المخترعات ( وخاصة الحربية ) وتفجر براكين العلوم والثقافة والتقدم والبناء الشامل في أوربا وروسيا , وظهور النظريات والدراسات النفسية والتاريخية والعلمية , وانطلاق السيل الجارف من العلوم الرياضية والفيزياء وكل مناحي الحياة العسكرية والثقافية والاجتماعية , في ظل هذه الغيمة التحولية في حياة الغرب , كان حراس الأمة الإسلامية مشغولون بوأد الثورات ومحاولات الخروج من العباءة الخلافية , وكل له مبرراته وأسبابه وظروفه ( وأشياء أخرى ) , وربما كما تقول بعض الدراسات أن منها انشغال حراس الخلافة بالتمتع بقصورهم وحياتهم الخرافية , ومحاولة فرض الطاعة والسخرة على الأتباع المقهورين في كل أرجاء العالم العربي ( خاصة ) , والحرص على الانتقام بأبشع الصور حرصا على لُحمة الأمة من التفكك .
وهناك صورة خيالية وربما ( سينمائية ) لدولة الخلافة في حال لو أنها حافظت على قوتها وكسبت قلوب الرعية بالخلق الإسلامي الرفيع والتواضع والعدل ونشر السلام وبناء الأخلاق والإنسان والمدن , ومع كونها القوة العظمى الوحيدة في هذا العالم المتحضر الحديث وخاصة في بدايات نموها , حين كانت تملك مفاتيح العلم والثقافة والتصنيع والمساحة الهائلة والتنوع العرقي والثقافي والمعرفي , والثروات المختلفة عبر تلك المساحات الشاسعة , واستأثرت بظهور النظريات وتطبيقاتها والتصنيع الحديث والدراسات الحديثة وأطلقت براكين التحول العلمي والثقافي والإنساني في هذا العالم الحديث , وتفرغت لفتح معاملها وجامعاتها ومكتباتها لكل عبقري يظهر في أي مكان , هل هناك أدنى شك في ظل هذا التصور الخيالي أن تسيطر دولة الخلافة على العالم قبل ظهور أمريكا وروسيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول الشرق الصناعي الحديث ؟
هو مجرد خيال إنساني , ولكنه ليس بمستحيل الحدوث , فكل الشواهد والدلالات كانت تهيء صفحات التاريخ لتلقي تلك الظواهر , أليس من الممكن أن بعض العقول ( الشيطانية ) تخيلت هذا السيناريو وقررت الوقوف ضده ومحوه من خيالات التاريخ ؟

نحن لا نأتي بجديد (هنا) فهناك دراسات وأراء وتحليلات تعرضت لشيء من هذا القبيل ( ربما ) فهذه أفكار وتأملات ليست حكرا على أحد , وهي ليست من الواقعية ببعيد أو تخالف المنطق البسيط .
نعود ونقول لن نسترسل كثيرا حول تلك التأملات فيمكن للخيالات أن تنطلق بلا نهاية في تلك الطريق (المؤلمة والمؤسفة ) , فمن منا يُجزم أو يتسلل إليه الشك في أن الصهيونية العالمية انتصرت على أمة الخلافة ووضعت بروتكولاتها الخفية فوق بروتكولات التاريخ والمنطق .
ولكن سنة الله في البشر ماضية ولن يقف ضدها عقل أو بشر , يقول تعالى : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) , ولن تتوقف الحياة عند أعتاب مجتمع أو نظام أو دولة , فلنا في خير عصور البشر خير العبر , فالمجتمع النبوي وبوجود خير البشر انتهى ولحقته صنائع البشر وصراعاتها كأي مجتمع أو نظام أو إمبراطورية مرت تحت عجلات التاريخ .

نعود لمحور فكرتنا هنا , لن نتتبع فلسفة الليبرالية ولا تعريفاتها ولا تاريخ ظهورها فكل ذلك ميسر في خيوط الشبكة العنكبوتية , ولكن سنتطرق لملاحظات (ربما) تكون هامشية حول أفكار الليبرالية و (ربما) تكون ذات مدلولات معتبرة .
فالليبرالية ظهرت كفلسفة سياسية أطلقها الأوربيون كمفردة مديح للسياسيين التقدميين والحريصين على حقوق الإنسان في التمتع بحريته , أما في أمريكا فأول ما ظهرت كانت تعني الأفراد الذين يحاولون استغلال السياسة لتمرير مصالحهم , وإن كان البعض يراها كما يراها الأوربيون , فالليبرالية تكاد تتفق الرؤى نحوها أنها تتبنى الدفاع عن الحريات وخاصة حريات الأفراد ضد ( استغلال السلطة ) .
ربما من المهم وباختصار شديد , الإشارة هنا إلى أن تنظير كل من (لوك) و ( هوبس) أدى إلى تحرير الفرد عبر الثورتين الفرنسية والأمريكية من الخضوع ( للملك ) و ( الكنيسة ) .
وانطلقت تفاعلات النظريات الليبرالية أولا في تغيير وجه الاقتصاد وترك الحرية للأفراد في إدارة مشاريعهم والتمتع المطلق بثرواتهم , كما وضع رموز الليبرالية الخطط لتغيير المناخ السياسي والاقتصادي في أوربا , فتفجرت الثروات نتيجة لحرية التجارة , ولكنها انصبت بين يدي كبار التجار والصناعيين وتركت العمال أكثر فقرا , هنا ظهرت سياسات اليمين الجديد التي سخرت من الليبرالية باعتبارها طائشة ومندفعة .

الذي يهمنا هنا أن الليبرالية ( بوجهها الاقتصادي ) أثبتت فشلها كنظريات وكتطبيق بشكل تحرري بعيد عن القيود التي حلم منظروها بأن تُكسر على أيديهم , ولم يكن ( وجهها الديني ) مؤثرا كثيرا في تلك الحقبة أو البيئة الصناعية المتفجرة .

ولكن هل نكون غير منصفين لو قلنا أن الليبراليين (الخليجيين) أقحموا ثقافة الليبرالية في عقولهم بعد أن ( استفرغها ) الغرب ؟
( الليبرالي الخليجي) وفي ظل أنظمة حكم وراثية قبلية قبلتها شعوبها بكل ما فيها من أنظمة وتاريخ كميراث عائلي وثقافي وبيئي وجدوا أنفسهم تحت عباءته أبا عن جد , لم ولن يتجرأوا في إظهار الوجه ( الليبرالي ) , ولكنهم تسللوا للوجه الباهت من النسخة الغربية لليبرالية ألا وهو ( الدين ) , فعزفوا بخفاء وتدرج وحياء على أوتار مثل ( المعتقدات , الموروثات , وأحيانا الدين بكامل كيانه ولكن بطرق إيحائية يمكن التنصل من تبعات طرحهم إذا ما بلغت القلوب الحناجر , ولا يخفى على أي متابع من تسليط أفكارهم الليبرالية نحو خلخلت بعض القيم الدينية المتوارثة منذ عقود , وأحيانا يتعللون بعدم وضوح الأدلة عليها , وهم يعلمون أن العرف والمجتمع لن يتخلى عنها , ولكنهم يثملون بكأس المقاومة والتحدي وربما الإصرار لإثبات الذات والفكر ووجهة النظر , وقد ساعدهم في ذلك نمو قاعدة تمكنت من وسائل إعلامية مختلفة تساندهم وتتبنى فكرهم , وهم غالبا ( جبناء ) فبمجرد أن تُسلط الأضواء على بعض طفراتهم يسارعون بالتنصل من فكرتهم ويحاولون تغيير مسار مقاصدهم ( طبعا في حدود معينة ) , أما الوجه الآخر لليبرالية ( السياسي ) والذي يُعتبر الوجه الأكثر بروزا في الليبرالية الغربية , فهم يخفونه جملة وتفصيلا , ولكن من فلت منهم بأفكاره وتبنيه لتلك الليبرالية التي ترنحت حتى في بعض الدول الغربية فهو أطلق العنان لذلك الوجه ( السياسي ) دون مواربة , بل وحتى أظهره بعنف واندفاع يرقى لدرجة الانتقام والتشفي والتمني بزلزلة الأرض من تحت أقدام مجتمعاتهم البعيدة .
لا يمكن لأي عاقل أو منصف أن يجزئ الفكر الليبرالي بين ( سياسي أو ديني ) فهما وجهان لعملة واحدة , بل ربما الوجه ( السياسي ) أكثر وضوحا من الوجه ( الديني ) بمراحل كما تبين من رموزهم البعيدة عن يد السلطة .

ويبقى السؤال الأهم , هل ( الليبراليون الخليجيون ) يتسكعون حول فكرة التجديد والتحديث ونبذ بعض العادات الدينية والقبلية والثقافية التي تعود من وجهة نظرهم لفترات مظلمة أقحمتها بين ديننا و بين عاداتنا , وينبغي للمجتمع اتباعهم في نبذها , وينأون برقابهم عن التعرض لأفكار التجديد والتغيير (السياسي) خوفا من السلطة القوية والمتمكنة من ولاء المجتمع ؟

ليس هنا مكان لمناقشة هل يملك ( الليبراليون الخليجيون ) الحق في تغيير مجتمعاتهم ( دينيا وسياسيا ) , وهل نظرياتهم الليبرالية أساسا هي مثالية وذات مردود ثقافي وحضاري مهم لمجتمعاتهم التي مازالت تتمسك بعادات وتقاليد توارثوها أبا عن جد ونمت في نظام أسري لم يتغير منذ الآف السنين , وهل يملكون الحق في فرض نظرياتهم على المجتمع رغما عنه ؟ هل يعتقدون أنهم يملكون ثقافة وتحضرا يفتقده أغلب أبناء تلك المجتمعات ؟

أخيرا ,,,
هل ( الليبراليون الخليجيون ) خلايا نائمة تنتظر الفرصة لإظهار الوجه الأخر لتطبيق نظرياتهم ؟