تواضع المعلومات في كتاب "الأساطير والخرافات عند لعرب" محمد عبد العيد خان
تاريخ النشر : 2018-07-05
بقلم: رائد الحواري
تواضع المعلومات في كتاب
"الأساطير والخرافات عند لعرب"
محمد عبد العيد خان
قليلة هي الكتب التي تناولت الاساطير والخرافات عند العرب في الجزيرة العربية، ويعود ذلك إلى أن الإسلام ألغى كل الأفكار والمعتقدات القديمة، وقدم فكرة توحيد كفكرة كاملة وحيدة، فلم يعد العرب في الجزيرة العربية بحاجة إلى الأفكار السابقة، وكما أن العرب لم يدونوا أفكارهم الدينية قبل الإسلام ـ إذا ما استثنينا بعد الأبيات الشعرية ـ لهذا استند العديد من الباحثين على ما جاء عن المعتقدات الدينية العربية، على الشعر الجاهلي، وعلى ما كتب عنهم من قبل الأقوام الأخرى، إن كان من خلال الرسائل أو ما دونه المؤرخون عنهم، كما أن الأثار التاريخية المكتوبة محدودة جدا، كل هذا يجعل ما يقدم عن مجتمع الجزيرة العربية محدود ومتواضع بالمعلومات التي تقدم، على النقيض من المناطق الأخرى، إن كانت في الشام أو العراق أو مصر.
كل هذا يجعلنا نتفهم تواضع المعلومات التي يقدمها "محمد عبد المعيد خان" في كتابه "الأساطير والخرافات عند لعرب" حتى اننا نجد أحيانا خطأ معرفي عند الكتاب، كما هو الحال عندما تحدث عن "مردوخ والبعل" فهو يقدم عبادة الإله البعل على الإله مردوخ: "... كما أن ميردوخ ورث سلطان آشور ونفوذه بعد ما أصبحت بابل عاصمة البلاد، وكان يعرف باسم بعلو كما كان يعرف باسمه الحقيقي الذي هو ميردوخ على السواء، وقد صار نابوبولاصر ونابوناهيد في عصر حمورابي اعظم آلهة الكلدانيين شوكة" ص118، فنجد الكاتب يجنح بعيدا في تقديم المعلومات، بحيث قدمها بصورة مشوهة ومختلطة وخاطئة معا.
الإله" مردوخ" أقدم من الإله "بعل" كما أن الأول عُبد في العراق والثاني في بلاد الشام، كما أن الدولة البابلية سبقت الدولة الآشورية بقرون، والآشوريين لم يعبدوا "مردوخ" بل عبدو الإله "اشور" وقدموه على بقية الآلهة الأخرى، ونجد الكاتب يقدم لنا "نابوبلاصر ونانونائيد" كآلهة، علما بأنهم ملوك الدولة البابلية الثانية، والأخير كان آخر ملك بابلي والذي تم إزالة ملكه على يد الفرس، في حدود 525 ق م، ويصر الكاتب على هذا الخطأ عندما قال: "وقد رأينا أن بعل تمتع بصفات متعددة، ومرت عليه طقوس مختلفة، فأصبح بعل هذا مردوخ في بابل نفسها" ص123، كل هذا يجعل المعلومات التي قدمت في الكتاب غير صحيحة، وتمثل حالة الضعف وعدم تمكن الكاتب من معلوماته، فبما أن الكتاب يتحدث عن الأسطورة والخرافة كان من المفترض أن يلم بشكل واف ومقبول عن المعتقدات والآلهة والتي عبدت في المنطقة.
وينزلق الكاتب أكثر في الخطأ عندما قال: ".... وفي هذا ما يدل على أنه كان يسمى بعلا عند بني إسرائيل، وقد يكون له علاقة بأم هبير هو من ألقاب تيامات البحر الأسطوري عند البابلين" ص124، "بعل" إله كنعاني خالص، رغم أن الإسرائيليين ذكروه في توراتهم، فهو إله كنعاني فينيقي، كما أن "تيامات" تعد الآلهة الأم والتي تم صرعها من قبل الإله "مردوخ" ومن جسدها تم خلق الكون والسماء، حسب ما جاء في الملحمة البابلية "في العلا عندما" والتي تعد أول ملحمة كاملة في تاريخ البشرية، فهي تسبق الإله العربي "هبل" بأكثر من ألف وخمسمائة عام.
كل هذا يجعلنا نتأكد بأن الكاتب لم يكن موفقا بتاتا في تقديم المعلومات عن الديانات القديمة، وأن معلوماته مشوه وخاطئة وبحاجة إلى تصحيح، لكنه كان موفقا عندما تحدث عن تأثر العربي بالبيئة الصحراوية التي عاش فيها، يقول: "في هذه البيئة نشأ العربي الجاهلي العصبي المزاج، السريع الغضب، الذي يحب الحرية والمساواة، والذي يثور على كل سلطة، ويهيج من كل شيء تافه، ويفضل الإيجاز على الإطناب، فهو يضرب المثل في جوامع الكلم، ويتصور الأشياء كما هي، ولا يسمح لخياله أن يتجاوز حدود الحقائق فلا يلونها بألوان قصصية" ص30، هذه الأثر أنعكس على طريقة تفكيره بالحياة وبمحيطه، ولهذا نجده يقول: "قلت سابقا أن العربي قليل الابتكار، ولم أقل إنه عار من الخيال دائما، إلا أن التصور أو الخيال التصويري هو الغالب والمسلط على حياته العقلية، وهذا الخيال التصوري يولد الأسطورة التصورية، كما يصنع الخيال الأساطير الاختراعية، ولذلك نرى العربي يمثل نجوم السماء بما يشاهده في البيداء، وينقل شكل حياته الاجتماعية البدوية على رقعة السماء، غير أنه لا يخترع الأساطير مثل اليونان، ... بل نجده يربط الصور بعضها ببعض كربط حياته اليومية، فهو يرى في السماء صورة الراعي وكلبه" ص47، وهذا ما يجعلنا نقول أن الكاتب نجح في المقدمة وأخفق في الخاتمة، وكان يمكن له أن يكون أكثر توفيقا، لو تريث قليلا واطلع على الديانات القديمة بشكل واف، لكن يبدو أنه استعجل في تقديم كتابه للجمهور، فوقع فيما وقع فيه، خاصة إذا علمنا أن الكتب التي تناولت الديانات القديمة في بلاد الشام والعراق كثيرة ومتوفرة في الأسواق، ويمكن لأيا كان أن يطلع عليها، ويأخذ معلومات تجعله قادر على تجنب الوقوع في الخطأ، وهذا ما يحسب على الكاتب وعلى الكتاب.
الكتاب من منشورات دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1981.