حكايات في زمن الوهم بقلم د. محمود عبد المجيد عساف
تاريخ النشر : 2018-06-20
حكايات في زمن الوهم بقلم د. محمود عبد المجيد عساف


حكايات في زمن الوهم
بقلم د. محمود عبد المجيد عساف

تعددت التفسيرات حول ظاهرة التباهي الافتراضية (على مواقع التواصل) أو الحقيقية بما هو وجود وما هو غير موجود بما يملك الشخص أو لا يملك، لكن لم يكن واحداً من هذه التفسيرات ينم عن سلامة النفس لمن يمارسه، حيث اعتبره معظم علماء الاجتماع أنه آفة اجتماعية خاصة لفئة الشباب، وأنه صورة من صور الهروب من العزم على التغيير، ونوع من أنواع الضعف الإنساني ودليل على هشاشة الشخصية وربما خوائها، وربما نوع من أنواع الغرور الذي يصيب النفس، الذي وإن كان خفي في النفس فهو جلي في السلوك.
لكن ما أردت الحديث عنه في هذا المقال فهو التباهي الباعث على التمني (ما يتمنى أن يكون عليه الشخص) وهو ظاهرة تدل على ضعف الشخصية، وحالة من النقص الذي تعتري الذات.
أشفق حد الحزن على تلك التي تتباهى من خلال حديثها أو على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي بعلاقات سعيدة (رسمية - غير رسمية) بشخص، وهي تجبر على أن تتجرع معه حلاوة الرحيق المختوم، وتتلوع ندماً يوماً بعد يوم على ما آل إليه حالها، أو تصدر صورة لحال يخالف حقيقة حالها.. وأشفق أيضاً حد اللوعة على من يدعي القدرة على الكتابة، وتعنف صفحته بالكلام المقفى وأبجديات العاج وهو سارق له.. على كل من يحاول أن يتجمل أو يحرف عقله ولسانه ليواكب الآخرين كي لا يشعر بالنقص أمامهم.
أحتقر أولئك الذين ينسبون جهد الآخرين لأنفسهم، ويختفون وراء ساتر الحظ الذي  خدمهم ليكونوا في مواقع تجبر الناس على احترامهم، فيتباهون بما ليس لهم أو منهم، ويعيشون الوهم ويورثون الزيف في المشاعر والأحاسيس.
أحتقر تلك التي تتباهى بقوتها المصطنعة، وعدم انكسارها أو تأثرها بمن حولها، وهي في نفس الوقت تموت كمداً وحسرة وتبحث عما يبرر مواقفها بحجة قوة الشخصية، وبأنها المرأة الحديدية القادرة على الانتقام... وأشفق على أولئك الذين ذهبوا ضحية تقمص أدوار لا تمت لقناعاتهم بشيء، لكنها كانت الطريق الأقصر لشهرتهم التي ألقت بهم إلى التهلكة. 
أحتقر جداً أولئك العاجزون عن الحصول على شهادات علمية رصينة لقلة حيلتهم، وضعف جهودهم، ويتمسحون ببرامج تمنحهم شهادات ملونة بألقاب مزيفة، وعقول فارغة ليبارزوا بها أوهامهم.
أشفق جداً على تلك التي آخر همها ثوب زفاف وخاتم ذهبي في أصبعها لتظهر بأنها الأسرع إلى حياة لم تدرس أبعادها جيداً، وعلى ذلك الذي يتباهى بصوره في بلد هرب إليها بأنانيته دون الالتفات إلى وجع أمه في غيابه أو ما كلف الأمر أبيه، فقط ليخوض تجربة السفر ويحصد اعجابات اللاهثين وراء أحلامهم بمثلها.
هذه صور من مواقف شتى، تلقى السبخ على الروح والقار على القلب، فتخيل معي ما هو موقف ذلك الذي يصور ذاته كاتباً ويضع قلمه بجوار فنجان القهوة مشعلاً سيجارته، يحاول أن يوهم نفسه بأنه ذلك الفذ الذي يصنع منه الحروف أغاني وهو لا يجيد القراءة ... تخيل معي ما هو موقف تلك التي تسور نفسها بعبارات أحلام مستغانمي وتشتري الروايات وتصورها على حسابها الشخصي على الفيس بوك لتقنع نفسها أنها قاب قوسين أو أدنى من الانتصارات على الحب .
جميل جداً أن تسعى إلى الأفضل، وأن تقاوم لأجل البقاء والظهور، وأن تجتهد لتكون في المكانة التي تستحقها أو تطمح لها، وأن تحدث بنعمة ربك، لكن بما يضمن عدم جرح الآخرين أو يخدش صدقك مع ذاتك، فصراحتك وصدقك مع ذاتك يعني أن تكون واضحاً فيما تريد، مؤمناً بالفروقات بين الناس بتجنب الصراع النفسي والشعور بالازدواجية بين القول والفعل، ولا تخدع غيرك أو تصدمهم بك، فيبقى التعامل معك على نفس الوتيرة دون تملق أو خداع .

أعلم أن مقالاتي باتت وخزاً للكثيرين، لكني أحاول أن أتحسس أصل الوجع بين الناس، فمجتمعنا الذي لا يخشى من الحرام بقدر ما يخشى من قلة المقام، ويخشى الفقر ويمد يده جهاراً ليأخذ ما ليس له، ويساند الباطل الداعم للذات على حساب الحق المحقق للسلام والإنسانية، بات يشكل الازدواجية والخداع والوهم المشتت للنسيج الاجتماعي، والممزق للعلاقات التي نبذل الكثير في سبيل الحفاظ عليها.
كن صادقاً مع نفسك... كن أنت