آمال الهجرة من الوطن وآلام الواقع والغربة بقلم سعيد أيمن عيسى
تاريخ النشر : 2018-06-18
آمال الهجرة من الوطن، وآلام الواقع والغربة..
مساء اليوم جلست مع رجل أثقلته هموم الحياة، قارب عمره على السبعين عاما، عاشها مغتربا متنقلا في البلاد العربية والغربية، ليحكي لي عن تجاربه التي أضحت حكايات نتسلى بها في سهراتنا وجلساتنا مع احتساء أكواب الشاي، بدأ حديثه كأنه يرفض فكرة الاغتراب عن الوطن رفضا مطلقا، ولكني قاطعته ببيت شعر كنت أحفظه يقول فيه كاتبه
الفقر في أوطاننا غربة *** والمال في الغربة أوطان
وكم أزعجه هذا البيت وبعدما أشعل سيجارة وسحب منها نفس طويل صار يحكي ويحكي ويحكي..
و بعد أن سمعت منه اتضح لي أن كل الأموال لا تشتري لك الأوطان، ولولا أن الغربة صعبة وسيئة لما سميت بهذا الاسم اللعين، هي كلمة بسيطة كما نرى، ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني الصعبة والمؤلمة والعذابات وهي التي تعني البعد والنزوح والحدة.
ففقرنا في بلادنا كيفما يكون صعب وسيء لا يميتنا، وأيضا لا يجعلنا نخسر كرامتنا، فهذه كيفما كانت بلادنا وهويتنا ولا يستطيع أي كان مركزه أو وضعه أن يخرجنا أو يرحلنا منها قسرا، وفقرنا مشبع بطعم العزة والكرامة والأمان..
يستغرب البعض من كلمة العزة والكرامة والأمان، لماذا تستغرب يا عزيزي؟ نستطيع أن نقول ببساطة حينما تكون في في فلسطين فهذه البلاد المقدسة التي قدسها الله وهي بلاد الثلاث ديانات ومسقط الانبياء والرسل، تقاوم وتكون مرابطا هذا فخر، وحينما تكون في غزة تحديدا هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي يتآمر عليها الأبناء والأصحاب قبل الأعداء، العرب قبل الغرب، المحبين قبل الحاقدين، ف سيعطيك الله ما لا تتوقع لأنك تصبر، وتتحمل، فهل باستطاعة أي أحد من هذا العالم سواء العربي أو الغربي أن يسكن في مخيم الشابورة؟ لا أعتقد،وكلي فخر بمخيم الشابورة هذا المخيم الذي خرج من بين طياته المناضل والشهيد والأسير والجريح والطبيب والمحامي والقائد والصحفي والمعلم والمتعلم، هذه البقعة التي تفتقد أبسط مقومات الحياة الانسانية التي لا تقوم أي حياة أو أي مجتمع بدونها، يا إلهي رغم كل هذا والناس يثبتون دوما أنهم الأجدر بالحياة!! ما القوة التي تعطيهم إياه يا الله؟ هكذا تكون العزة والكرامة يا أصدقائي..
أما الأمان فيكون الأمان وأنت بجانب والدك ووالدتك وأهلك (وهذا يأخذ منحيين المنحى الأول أمان لك والمنحى الأخر أمان لهم، لان وانت بعيد عنهم يشعرون بالتعب وأنت أيضا تشعر بالتعب أكثر) وبالقرب من عائلتك وجيرانك ومحبيك وأنك حتى وإن كنت في البلاد العربية لا تكون هي الوطن البديل وإن ملكت كل أموال الدنيا فلن تكون سوى خادم لهذا المال هناك وعاجلا أم آجلا ستكبر ويستغنون عنك وتعود لبلادك من جديد و بلادك تفتح أبوابها أمامك وتستقبل استقبال الام التي تستقبل ابنها العائد من المعركة..
ومن الأشياء الأكثر صعوبة أنه وأنت في غربتك لا تستطيع أن تقول هذا ملكي فشتري البيت وتعمره وأنت تعرف أنك في يوم من الأيام سترحل منه قسرا، تقود السيارة وأنت تعرف أنها ليست لك، تتزوج وانت تعرف أنك لن تستطع ان تجبر زوجتك على العودة لوطنك معك..
ولكن وأنت في وطنك تقول هذا لي ولا منازع لي عليه، وأكثر الاشياء التي تشعرك بالفخر وأنت بوطنك أن تذهب للقدس مثلا وتلامس جدرانها العتيقة التي تحكي مثلما تحكي لنا تجاعيد أصابع عجوز تجاوز عمره القرن حكاية ألم ومعاناة فجدران القدس العتيقة تروي حكايات حصار و احتلال و جهاد ومقاومة ونضال وانتصارات وشعب عصي على الانكسار يستحق الحياة، فتتمدد وتستلقي على أحد اسوارها وتقول هذه ملكي، هذه لي، لا أحد ينازعني عليه، ومعنى ان هذا ملكي أن احافظ عليه وأقدم له كل شيء ولا أنتظر المقابل، أعطي وأضحي وأبذل كل ما بوسعي، فهذا وطني
و هنا أرضي وتاريخي و تاريخ أجدادي..
أخيرا استذكر بيت الشعر الذي يقول فيه كاتبه: بلادي وإن جارت علي عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا علي كرام
ما رأيكم أصدقائي بهذا الرأي؟ تسعدني مشاركتم الآراء وتبادل وجهات النظر؟ لأستفيد من تجاربكم، وتصويبي إن كنت على خطأ..
وهذا بريدي للتواصل [email protected]
سعيد عيسى