" أنت طالق يا إبراهيم "..بقلم: حمدان العربي
تاريخ النشر : 2018-06-17
" أنت طالق يا إبراهيم "..بقلم: حمدان العربي


السلطان سليمان ، السلطان العاشر للإمبراطورية العثمانية ، إذ كان قال يوما لوزيره الأول أو صدره الأعظم وصهره وأقرب شخص إليه ، " أنت طماع ، يا إبراهيم ..." .
قد تكون أيضا السلطانة خديجة ابنة السلطان سليم الأول و شقيقة السلطان سليمان قالت لزوجها ، إبراهيم باشا "أنت طالق يا إبراهيم"...
إبراهيم ، قبل أن يصبح باشا و الصدر الأعظم واليد اليمنى لأعلى سلطة في إمبراطورية الأرض و البحار التي وصلت اليهما راية الاسلام ، هو ابن صياد وصل إلى تلك المناصب بنفس وصول "الجارية الكسندرا" ، قبل أن تصبح "السلطانة هيام"...
شخصيتان ابتسم لهما القدر بصحبة الحظ ما لم يبتسما لأحد بهذا القدر . ابن الصياد بيع كما بيعت "الكسندرا"، كما تباع العبيد في أسواق النخاسة لتكون تلك الأسواق ممرا مفرشا بسجدات من الذهب نحو قصور الباب العالي ...
الأول إبراهيم باشا الفرنجي (أو البرغلي) ، احتل عقل السلطان سليمان و الثانية الجارية الكسندرا أو ( السلطانة هيام) ، تربعت على قلب وعواطف سلطان الباب العالي. و أصبحا قطبين يتصارعا خفية وعلنا و ينصبا لبعضهما البعض المكائد و كل الوسائل لديهما كانت مشروعة حتى القتل مع سبق الإصرار و الترصد سما أو شنقا...
في هذا الصراع المرير كان السلطان سليمان يقف على مسافة واحدة بين عقله و قلبه و لا يريد إغضاب أو خسران طرف على حساب طرف اخر...
بدون أدنى شك ، السلطان سليمان ، تلك الشخصية القوية والحكيمة والذي كان يملك بكل خيوط الحكم كان يعلم علم اليقين بنوايا كل طرف من الطرفين المتصارعين ...
وبدون أدنى شك أيضا ، كان يعلم بنوايا ونوازع الخفية لصدره الأعظم ، ابن الصياد السابق ، الذي تعاظمت عنده شهية "هل من مزيد.." . و لماذا لا ذلك المزيد يكون "كرسي العرش نفسه" ...
إبراهيم باشا حامت حوله أقاويل وهمسات ، لا يُعرف مدى مصداقيتها ، بأنه "باطني" ، بمعنى يخفى ما يُبطن . حتى تم تشكيك في إسلامه وانه لم يتخلى عن مسيحيته...
و تظاهره بالإسلام فقط من اجل الاحتفاظ بقربه من السلطان و بالتالي من مناصبه العديدة و المتنوعة . حتى انه هناك ظهرت ، في ذلك الوقت آبيات شعرية ، من بينها ( في المعنى) : بأنه هناك إبراهيم ،( يعني به سيدنا إبراهيم عليه السلام ) ، حطم الأصنام... وإبراهيم اخر ( يعني به إبراهيم باشا) نصب الأصنام...
نفس الشهية عند "السلطانة هيام" ، تلك الجارية التي فقدت أهلها وكانت تظن أن عجلة الحياة توقفت بنسبة لها، لكن عجلة الحياة الحقيقة بدأت من لحظة فقدانها لأهلها لتنقلها إلى قصور الباب و بالتالي في أحضان السلطان سليمان لتصبح السلطانة الحاكمة بأمرها الكل ينحني أمامها...
وإذا كانت السلطانة هيام حققت أمنيتها ووصلت إلى هدفها وأنجبت أمراء كانوا سندا لها في تلك الأمواج الآتية من المؤامرات و الدسائس التي تطبخ في رواق القصور و "حرملكها" ( الحرملك) ...
فان الحظ عبس عبوسا لا مثيل له في وجه جارية أخرى ، ناهد دوران ، مرت على أحضان السلطان لكنها عجزت بالاحتفاظ بحرارة تلك الأحضان وبقت جارية حتى موتها رغم أنها أنجبت ولي العهد الإمبراطورية قبل أن تُعصف به "دسائس هيام"...
السبب ، أن هيام كانت تملك الجمال و الدهاء و الثانية "المغبونة" كانت تملك أيضا الجمال، لأن لولاه لما كان لها حظ في المرور على الممر الذهبي و الوصول إلى أحضان السلطان...
لكن ذلك الجمال كان مصحوبا بالغباء والتهور في ميدان كل شيء ملغوما بالدسائس و كل خطوة غير محسوبة تؤدي بصاحبها إلى خارج أبواب القصور ، هذا إذا كان محظوظا ولم يجد نفسه داخل أبواب المقابر...
هذا ما حصل فعلا " للجارية المغبونة" ، رغم أنها كانت تملك ورقة قوية تتمثل في ابنها ولي العهد ، إلا أنها خسرت تلك الورقة كما خسرت "دفئ أحضان السلطان" ، وأنهت حياتها بقرب من قبر ابنها داخل أسوار و أبواب مقبرة...
وكانت هذه من الجولات الساحقة التي حققتها "الجارية الكسندرا" على خصمها العنيد "إبراهيم باشا". لقد خسر إبراهيم باشا ، وليا للعهد كان يراهن عليه ( كما تشير مصادر تاريخية) ، لكي يتربع هو (أي إبراهيم باشا) ، على سلطة القرار . أنه كان يدرك أن قوة و شخصية ولي العهد المنتظر لن تكون كقوة و نفوذ السلطان ، من السهل التأثير عليه . وبذلك يكون الصدر الأعظم لقد حقق بالكامل المبتغى...
ولو تحقق ذلك لكانت هزيمة شنعاء لسلطانة الهيام ولكانت حزمت حقائبها إلى المجهول ، قد يكون ذلك المجهول حياة ذل في قصر مهجور أو تحت قبر قد يحمل رقما بدل اسما...
قد يكون هذا هو السبب الذي كان يرعب و يخيف السلطانة هيام و كانت ترى في كل الوسائل مشروعة لتجنب هذا المصير المجهول المخيف ، الذي لو تحقق لعصف بكل إنجازاتها الاستثنائية من أهمها إجبار السلطان على إعتاقها لتصبح امرأة حرة و الزواج منها شرعيا ، وهي حالة خاصة لم تحصل في النظام السائد آنذاك ...
وأنهت تلك الإنجازات بالتخلص من ولي العهد و إرساله إلى قبرا مشنوقا على يد والده السلطان سليمان لتجاوره والدته " نهاد دوران" مدى حياتها حزنا وغبنا...
والانجاز الأهم الآخر للسلطانة "ذات الجمال و الخبث و الدهاء" ( هيام) ، التخلص من منافسها وخصمها العتيد و العنيد "إبراهيم باشا" ، الذي كان مصيره نفس مصير ولي العهد والمرور على حبل مشنقة السلطان ...
بذلك "إبراهيم باشا "، الذي صعد السلم سريعا بنفس سرعة "السلطانة هيام" ، لكن المهم ليس في سرعة الصعود لكن في كيفية السقوط ...
وسقوط الباشا كان بشكل مريع يكون بنفس تأثير يوم قالت له "السلطانة خديجة" ، "أنت طالق يا إبراهيم" ، لتذكره أنه مجرد عبدا عندها رغم كل تلك الألقاب و المناصب ...


بلقسام حمدان العربي الإدريسي
26.02.2016