أياماً معدودات بقلم:سلامة عودة
تاريخ النشر : 2018-06-13
أياماً معدودات بقلم:سلامة عودة


أياماً معدودات:
قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون"
بدأت الآيات بفريضة الصوم التي كانت على من قبلكم، وهي ثلاثة أيام من كل شهر، ولم تحدد بشهر كما حددها رب العالمين بصيام شهر رمضان، ثم أشار النص القرآني إلى أنها أيام معدودات، وهي محددة من البداية بشهر رمضان كاملاً، ونصب أياماً على تأويل فصوموا أياماً معدودات، وكلمة معدودات تدل على أنها تدخل ضمن الحالة النفسية التي يتنعم بها الصائم، وهو يدرك أهمية الوقت بساعاته ودقائقه وثوانيه، وما نلحظه لدى الصائم أنه يعرف عدد الأيام التي صامها في رمضان، ونجد دفة الحديث تدور على عدد أيام رمضان التي صامها المؤمن، وأنها تشكل الخمس منه، ثم السدس وهكذا دواليك، إلى أن يصل إلى النصف ، وكأنه يتابع منازل القمر التي تبدأ بالهلال ثم التربيع ثم البدر؛ ليعود بحسابه فلا يقول رقماً بعد النصف، وإنما يقول بقي من الشهر الفضيل أربع عشر ليلة، أو أربعة عشر يوماً، وكأني به يبدأ بالعدّ التنازلي مواكباً القمر الذي يغادر نصاعة البدر؛ ليدخل إلى التربيع ومن ثم إلى الهلال، فالمحاق، فأفول الشهر.
ونجد الصائم عند دخول العشر ليال الأخيرة يبدأ بالقول: ما نصومه لا نعيده، في إشارة إلى انتهاء أسبوع الشهر، ويبدأ العدّ التنازلي لدى الصائم ؛ ليبشر بولادة هلال العيد، ويحظى بجائزة الصيام، في يوم الجائزة.
ثم نجد حياة إيمانية تتعامل مع الجسد والروح، والإرادة ، فهناك من يعمل في الحر ولا يفطر ويجاهد الجسد الذي يحتاج إلى الطعام والشراب، ويتغلب عليها بالروح الإيمانية، ويكون سلاحه الإرادة والعزم والإصرار والتغلب على ملذات الجسد خدمة لملذات الروح الإنسانية، فتراه يعرق ويظمأ ولا يأبه بالعناء الجسدي أمام الراحة النفسية التي تستوطن جسده في رمضان، وهنا تظهر النفس وهي تتوشح بلباس الجسد، ويكمن الفرق بينهما.
ففي الصباح يتعود الجسد على تناول رتابة الحياة من طعام وشراب وشهوات، وعند الظهيرة تبدأ هذه الملذات بالتضاؤل التدريجي، وما أن يحل المساء تجده قد تناول المصحف وجلس على فراش العبادة، وهنا تتغلب النفس على الجسد، وتظهر حياة الملائكة التي تنهض على العبادة، ولا تفكر في ملذات الجسد، وما إن يؤذن لفطور حتى تجده مقبلاً على إرضاء الجسد ، والنفس تبدأ بالتراجع أمام شهوات الجسد، لكنه عندما يتعود على الصيام وبعد مرور ردح من زمن الصيام، نجده يتشبث بالحياة النفسية ويربأ بنفسه عن الحياة الجسدية، ويصبح الصيام ديدنه إلى العبادة، والدليل أنه عند انقضاء الشهر لا يود أن يتناول شيئاً من ملذات الدنيا، إلا بعد فترة من الزمن.
فالصيام وقاية ، وجنة، فهو يقي الجسد من ملذات الدنيا، ويكمن ذلك في إحداث التوازن بين متطلبات النفس ومتطلبات الجسد، وحتى يبقى التوازن على نهجه ، يطلب منه صيام الستة أيام من شوال ، وثلاثة أيام من كل شهر خلال أيام السنة، فهو يصوم شهر الفريضة ، وشهر التطوع لو ضربنا الثلاثة أيام في أثني عشر شهراً على التقريب.
فهذه العناية الإلهية بالإنسان في البعدين : الجسدي والنفسي، تجعل الحياة تتلون بألوان السعادة التي تأتي من الصيام والإفطار، ويشعر عندها المؤمن بحلاوة الإيمان، وهدف الوجود الذي يقوم على وقاية الجسد والحفاظ على هذه النفس الذي تتنوع بين لوامة وراضية ، وأمارة بالسوء، ولكن اللوامة والراضية هي التي تتوزع بين الجسدية والنفسية على حد سواء.