إلى إبني العزيز..في يوم تخرجك بقلم حسين أبو العردات
تاريخ النشر : 2018-06-13
إلى إبني العزيز..في يوم تخرجك بقلم حسين أبو العردات


إلى إبني العزيز....في يوم تخرجك
بقلم – حسين أبو العردات
ابني العزيز محمد  ما سأقدمه اليوم وأنت تبدأ المرحلة القادمة من صفحات حياتك هي نصائح والدك الذي خاض التجارب وعاصرالأيام… … مشاعر من أصبح أسير مع أول نظرة من عينيك… ولأجل عينيك مستعد أن تحمل الألم… الجوع… الحرمان… بل مستعد أن أجابه العالم بأسره من أجلك… فهل أطمع أن تقرأ كلماتي… أن تصغي، لا أن تستمع، إلى صداها في وجدانك وأنت تنقّل عينيك بين العبارات… إن العمر لو تعلم قصير… قد أكون معك اليوم وغدا من يعلم… فأعطيني  لدقائق قلبك لمن ملكتّه قلبك.
اعلم يا بني إن تربيتك هي شعري الوحيد الذي كتبته… فمنذ ولادتك إلى أن أصبحت على عتبة الرجولة جعلتني أمر بالألم بالسعادة بالحزن بالخوف بالفرح… مشاعر مركبة تظهر وتختفي مع الأيام الحلوة والأيام المرّة… مع الأيام العادية والأيام الصعبة… الضحك… اللعب… الدموع… كلها امتزجت عندي جاعلة خبراتي معك عبرات أجمل شعر أدونه في كتاب حياتي… منذ حملتك بين ذراعي ونظرت إلى ذلك الوجه الملائكي وشعرت بأنفاسك قريبة من صدري تمنيت لو أن الزمن يتوقف وأعيش تلك اللحظات إلى الأبد… تمنيت ألا تكبر وتظل قريبا من قلبي… ولكنك كبرت …وقد لا تذكر… ولكنها لحظات حفرتها في ذاكرتي أرويها بروحي…أعذرني كنت خائف عليك من العالم… من الناس…. من نفسي وأنت نفسي… إنه الخوف ألذي جعلني أتمسك بك… أبقيك بين أحضاني…سامحني إن شددت الوثاق أحيانا… كنت أريد أن أعلمك الكثير… وما زال لدي الكثير… تمنيت أن أحميك من قسوة التجارب وأنا أعلم أن هذه القسوة هي التي ستمنحك القوة وتجعل عودك يستقم… تمنيت أن أبكي عنك… أن أتألم عنك… ولكنني بذلك كنت سأعيش حياتك عنك… إنها من حقك… بحلوّها ومرّها… هي لك كان يجب عليا أن أدعك تدخلها… أن أفك القيد… أن أحررك… بهذا سوف تعود إليّ … فمن ألم الفراق سأضمن حلاوة اللقاء.
واليوم وأنت تبدأ فصل جديد من تاريخ حياتك أريدك أن تدرك بأنه ما زال أمامك طرقات تسلكها… أبواب تقصدها … عالم تكتشفه … قد تختار طريق تكملة مسيرة العلم أو تختار طريق العمل إنه قرارك ولكن تذكر أن كلماتي لك هي لتساعدك لا لتأسرك… لتساندك لا لتثقل عليك… إنها كتبت لك ومن أجلك فأحفظها في قلبك… في وجدانك… يا بني إحفظ الله في قلبك يحفظك… أحب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يسهل عليك التمسك بطريقه…فالحياة سوف تفاجئك بمغريات وضغوط كي تسقط في ظلمات الحرام… سوف تواجه من يحاربك… من يريد أن يثنيك عن إبداعاتك… أن يسرقها أو يقتلها… فلا تدع هذا يفجعك أو يشل تفكيرك… استخدم إيمانك… استخدم العقل والمنطق والحكمة واعتمد على الله سبحانه وتعالى… وإن خذلك من يفترض أنهم مسلمون اعلم أنهم ليسوا الإسلام وإن خذلوك هم فرب العزة لن يخذلك… اعتمد على الخالق لا المخلوق في مسيرتك… كن قائدا لا تجاري أحد دون التأكد والسؤال والمراجعة… فكر مليا قبل أن تتخذ أي قرار لا تستعجل فالناتج قد يدمرك… لا تختار عملا من أجل المال فقط فما ستحصل عليه هو المزيد من المال وتخسر الاستمتاع بحياتك… أحب العمل فهو ما سيلازمك لا المال… إن المال يذهب بنفس السرعة التي يأتي بها… لا تختصر الطرق أو تختار الأسهل وتتخلى عن مبادئك من أجل ذلك… فالحياة صعبة وتحتاج إلى إرادة وإصرار ومثابرة ومجهود وتعب وعرق… ولكن الناتج يدوم أكثر… وتكبر دائرة المنفعة عليك وعلى من حولك ومن سيأتي بعدك… اعمل على تنمية ثقافتك ولا تركز فقط على تخصصك أو عملك…اقرأ…اقرأ…اقرأ كل ما هو قديم… اقرأ كل ما هو حديث… اقرأ في الفلسفة في الأدب في الشعر في التاريخ في علم النفس في علم الاجتماع نوع جدد ابحث… وأعلم أن كل العلوم تصب في نهر واحد وتنمي شخصيتك وقد تدهشك الفائدة التي ستجنيها في تخصصك أو عملك من أفكار إبداعية أو حلول لم تكن لتخطر على بالك لو أنك سجنت عقلك بين جدران نوع واحد من المعرفة… لا تخاف من الفشل فلولا الفشل لما ظهر النجاح… احترم الآخرين وقدر آرائهم وإن اختلفوا معك ولكن نمي علمك وقدراتك في الحوار والمناظرة كي تستطيع أن تدافع أو تشرح ما تؤمن به… وتذكر يا بني أن الكلمات تجرح… تقتل… فأوزن كلماتك… اختارها جيدا قبل أن تتلفظ بها… فمتى خرجت لا تستطيع أن تستردها… وتواضع للناس يرفعك الله… ولا تحكم على الناس بما يملكون بل بما يقدمون للمجتمع… للإنسانية… واعلم أنك مهما تعلمت ومهما كبرت يظل ما لديك نقطة في بحر ما لدى الكثير غيرك… فلا تخجل من البحث والسؤال… اطلب العلم والمعرفة طوال حياتك فستجدها عند الساقي وعند الأستاذ… عند الحارس وعند العالم… عند الصغير وعند الكبير… عند الشاب وعند الكهل… كلّ لديه ما يفيدك فلا تستهين بأحد… وحافظ على وقتك باختيار كيفية قضاءه… صادق الوقت وأجعله في مصلحتك تكسب… ولا تعادي أصدقائك وأحبابك أو تهملهم فلا تعلم متى تكون كلماتك لأحدهم هي آخر الكلمات معهم… فالحياة لا تدوم فتندم وتتمنى أن يعود بك الزمن وتغير معاملتك… وآمن بقدراتك وبنفسك ولا تدع أي إنسان أن يقلل من شأنك أو يمس كرامتك… أحب الناس نعم… عاملهم بالحسنى نعم… ولكن أبدأ لا تكن ضعيفا.
وبالنهاية تذكر بأنك مني وأنا منك… فاجعلني فخور بك… وإن كتب لنا العمر الطويل ستجدني دوما بجانبك أشد من أزرك… وإن لم يكتب لا تيأس… لا تحزن… فأنا في دمك… أنا في أنفاسك… أغمض عينيك… طوق معصمك بأصابعك… هل تشعر بنبض قلبك… هل تشعر بي؟ إني أسكن قلبك ولن أتركك وحيدا طالما أنت تحملني بين أضلعك.