الــتـــلاعــب بالـــعـقـــول بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2018-06-13
الــتـــلاعــب بالـــعـقـــول بقلم:حسن زايد


حـســـن زايـــد .. يكتب :

الــتـــلاعــب بالـــعـقـــول

من الأمور العجيبة أن ينساق الإنسان وراء تسريبات إخبارية مكذوبة ومفبركة ، ولا يكتفي بمجرد معرفة الخبر دون معرفة مصدره ، ولا مدي الثقة فيه ، وإنما تمتد يده ليكون مشاركاً في صنع هذا الخبر وشيوعه وانتشاره بين مرتادي مواقع التواصل الإجتماعي . وينتشر الخبر المفبرك انتشار النار في الهشيم ، حيث ينتقل من مرتاد إلي آخر ، رغبة في إحراز الأسبقية في الإتيان بالتائهة من مخبأها ، وفي كل انتقال للخبر يفجر مجموعة من التعليقات السلبية ، والتي لا تقف عند حدود السلبية التي قد يظهرها التناول الموضوع للأمر ، وإنما تمتد إلي الشتائم والسباب ، بما يعكس تدني المستوي الأخلاقي .

بالقطع هذه الأخبار المكذوبة لم يجري دسها من باب التسلية ، وتزجية وقت الفراغ ، وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي لا يروق للبعض الترويج لوجودها ، باعتبارها أكذوبة ، وتعليق فشلنا في أعناق الآخرين فقد جري صناعتها بمنتهي الجدية لتحقيق غاية ما ، هذه الغاية يجري قراءتها من واقع ما تحدثه مثل هذه الأخبار في المجتمع . وما تحدثه في المجتمع من مشاعر سلبية تجاه السلطة الحاكمة ـ أياً كانت هذه السلطة ولو كانت من الملائكة الأطهار ـ ينعكس بالضرورة علي قدرة هذه السلطة علي الإمساك بدفة المجتمع ، وإدارة شؤونه ، وحسن وسلامة وكفاءة أداءه ، ويفقدها القدرة علي الإختيار بين البدائل المتاحة ، واتخاذ القرار المناسب في المكان والزمان المناسبين .

وقد استوقفني خبران لا يروق للإنسان بلعهما ، ولا استساغتهما ، ولا مضغهما ، ولا التعامل معهما من الأساس ، لأن الخبر في ذاته مفضوح . الأول : أن مجلس النواب المصري قد وافق علي قانون فرض رسوم قدرها 150 جنيها علي تصريح دفن الموتي . ورئيس مجلس النواب يصرح بأن هذا القانون يصب في مصلحة المواطن . وقد نفي المتحدث الرسمي لمجلس النواب صحة الخبر . ولكن هناك هوة زمنية فادحة ما بين ظهور الخبر وتداوله ، وبين نفيه وتكذيبه . هذه الهوة تجعل الخبر يفعل فعلته ، ويأتي بثماره العلقمية ، مما يفقد النفي ، والقول بعدم صحة الخبر أهميته ، وأثره في معالجة التشوه العقلي والنفسي الذي جري ، فضلاً عن إمكانية تكذيبه أو عدم تصديقه ، أو الميل إلي عكس اتجاهه .

الثاني : خبر سفر عدد من أعضاء البرلمان إلي روسيا ؛ لتشجيع الفريق المصري لكرة القدم . وذلك علي نفقة البرلمان . وأيضا جري نفي الخبر وتكذيبه من قبل المتحدث الرسمي لمجلس النواب . وقد جاء النفي متأخراً كالعادة ، بعد أن تم تمرير الخبر بسرعة البرق عرضاً وعمقاً ، عرضاً بعدد الناشرين ، وعمقاً بعدد المعلقين .

ويزداد تأثير مثل هذه الأخبار علي الناس ، باعتبارهم مستفزين من الأصل من الإرتفاع الجنوني ـ غير المنضبط ـ المنفلت للأسعار ، علي نحو التهم بالفعل ـ بنهم شديد ـ الدخل المحدود الذي يتحصل عليه المواطن من الطبقة المتوسطة وما دونها . ورفع رواتب الوزراء ، وأعضاء مجلس الشعب ، ورفع أسعار معظم الخدمات التي تقدمها الحكومة ، والإعلانات الإستفزازية ، وخاصة اعلانات التبرعات ، وأجور الممثليين ولاعبي الكرة . فضلاً عن قضايا الفساد ونهب المال العام والرشا والتهرب الضريبي .

ومثل هذه الأخبار تسقط فوق رأس المواطن ، فوق الزيت وهو يغلي ، وبمجرد سقوط الخبر المكذوب في الزيت المغلي ، ينضج سريعاً ، ويستوي ، ويطلب الأكال .

حسن زايد