( قصص من الذاكرة)..." يا واحد الموسخ"بقلم: حمدان العربي
تاريخ النشر : 2018-05-23
( قصص من الذاكرة)..." يا واحد الموسخ"بقلم: حمدان العربي


صديق عزيز علي ، اعرفه منذ الطفولة وأجزم إني الوحيد الذي يعرف جزء من أسراره . قلت جزء رغم الصداقة المترامية الأعماق ..
انه ببساطة رجل كتوم ، كان يقول لي إذا عرف الناس أسرارك تصبح كالبيت بأبواب بلا أقفال يدخلها كل من هب ودب بدون استئذان. كان ينصحني دائما عندما انوي السفر شرقا قل للمحيطين بك أنك مسافر غربا وقد شرح لي حكمة ذلك...
رغم اختلافنا في الرؤى لم يمنع ذلك من الارتباط بصداقة متينة ، لأني كنت احترمه واثق في صداقته . عزيز النفس حتى تحسبه متكبرا لكنه في الحقيقة شخصا متواضعا إلى أقصى درجة لا يمكن تخليها...
عيب هذا الصديق العزيز أنه عصبي يثور كالبركان الهائج لأتفه الأسباب ثم يخمد كأن شيئا لم يكون وعندما يغضب يردد أي عبارة مهما كانت نابية أو غير لائقة . كل الناس الذين يعرفونه يتجنبوه في تلك اللحظات. رغم هذا العيب الموجود فيه إلا أن خصاله الحميدة لا حصر لها يصبح هذا العيب رياضيا قيمة مهملة لا قيمة لها ...
كريم إلى درجة أنه يصبح عبدا من أكرمه ولو بشيء لا قيمة له ويبقى يتذكر ذلك الكرم مهما طال به الزمن . الأمانة و النزاهة ، حتى أن خصومه في العمل كانوا يطلقون عليه "الرجل النزيه". وبسبب هذا النزاهة كان مجبرا على ترك منصبه والانكفاء في بيته وهو في أعز شبابه...
كان يقول لي دائما تأكدت أن الله عز وجل استجاب لدعائي المتكرر "العفاف و الكفاف" ، لأن طوال حياتي العملية لم أدخر حتى "قيمة الكفن" ، رغم ذلك ولا يوم مددت يدي لأحد ...
كان شجاعا إلى حد التهور ، في اجتماعات مع رؤسائه في العمل الوحيد الذي كان يرفع صوته ويدافع عن أفكاره ويفرضها فرضا وإذا رُفضت يمتنع عن توقيع محاضر تلك الاجتماعات ،حتى لُقب ب "المتمرد النزيه" ...
من خصاله الحميدة ، أنه يغضب ولكنه لا يحقد . إذا غضب من شخص وعندما يسمع أن ذلك الشخص وقع في مشكلة أو ظُلم يسارع إلى نجدته و مساعدته بكل الوسائل...
هذا الصديق العزيز سمعت أنه طلق زوجته تعجبت من الأمر وسألته عن السبب وأجزم أنني الوحيد الذي سألته هذا السؤال الشخصي بحكم صداقتنا كما ذكرت ، لأن لا أحد يجرؤ على ذلك . قلت له أعرفك أنك عصبي ويكون تلفظك بتلك "الكلمة الغليظة" نابعة من نوبة عصبية ...
قهههه طويلا ، قبل أن يجيبني ،قائلا : "لا يا صديقي ، هذه أول مرة في حياتي زالت نوبات الغضب وأنا اتخذ قرار مصيري كهذا " ، مضيفا بلغز (فهمته فيما بعد) : "من الذي يقصد الآخر ، الشخص هو الذي يقصد المزبلة أم المزبلة هي التي تقصد الشخص". أجابته ، طبعا المزبلة مكان ثابت والشخص هو الذي يقصدها ...
فهمت فيما بعد أنه دخل في شجار لفظي مع زوجته ، من نوع "النسوة المنكدين" ، قذفته بعبارة مشينة ، قائلة يا " واحد الموسخ".رد عليها بهدوء غير معهود ، قائلا لها : " هذه أول مرة ، طوال حياتنا الزوجية ، أسمعك تتكلمين بحكمة أهنئك عليها ... " ، مضيفا لها :" لو لم أكون وسخا لما قصدت المزبلة"...
سألته ، لما لا تتزوج يا صديقي وأعتبر ذلك من الماضي المقيت . أجابني : " لا أخاف من الزواج قدر خوفي من المزابل، في عصر لا فرق بين النظافة و الأوساخ". وهكذا ضاعت عقود من الزواج في ثنايا "أوساخ اللسان" ... قلت "قصص من الذاكرة" ...

بلقسام حمدان العربي الإدريسي
23.05.2018