صوم رمضان كما فرضه الرحمن بقلم:ياسين عبد الله السعدي
تاريخ النشر : 2018-05-20
صوم رمضان كما فرضه الرحمن بقلم:ياسين عبد الله السعدي


هدير الضمير
صوم رمضان كما فرضه الرحمن
ياسين عبد الله السعدي
الصوم لغة هو الإمساك عن الكلام والطعام والشراب فلا يتكلم المرء ولا يأكل ولا يشرب وهكذا يقال له في اللغة: (صائم)، كما ورد ذلك في قوله تعالى في الآية 26 من سورة مريم: (... إني نذرت للرحمن صوماً ...) أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام. وأما في اصطلاح الشرع فهو الإمساك عن المفطرات.
فُرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة، قال تعالى في الآية (185) من سورة البقرة: (... فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...). وفي تفسير الطبري في رواية للنسائي، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). يبدأ صيام شهر رمضان بتحري القمر من شخص عدل وإبلاغ القاضي بذلك أو بإكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين لما روي عن ابن عمر رضي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏: (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاثِينَ‏)‏.
يرتبط الصائم بالمكان الموجود فيه، بمعنى مراعاة فروق التوقيت، فتقوم بالإفطار مع أذان المؤذن بالمسجد الذي بجوارك وليس الذي بالراديو أو بالتلفزيون.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور). والنية عند بعض الفقهاء بالفعل وليس بالقول.
رمضان شهر مبارك
نزل القرآن الكريم على محمد، صلى الله عليه وسلم، في شهر رمضان المبارك ولذلك له تقدير كبير في نفوس المسلمين يستعدون له ويتجهزون للعبادة والطاعة وصيام النهار وقيام الليل؛ بالتهجد ولكن ليس بصوم البطون عن الطعام والشراب فقط، وإنما بصوم العيون عن النظرة الحرام والصوم عن الكسب الحرام والكلام الحرام.
وفي رمضان يزداد تقرب الناس من خالقهم؛ لكي يغفر لهم خطاياهم، وزلات ألسنتهم وعمل أيديهم. في رمضان تتآلف القلوب، وتتصافى النفوس، وتحل الألفة بين الناس، وتسود المودة بين الأهل؛ ولذلك، فإن لرمضان موضع التقدير من المسلمين، الذين يفهمون الإسلام، كما جاء به نبي الإسلام، وليس الإسلام المزور، الذي يريده السلاطين والحكام.
من مفهوم المسلمين لرمضان، وتقديرهم لهذا الشهر المبارك؛ أن العبادة فيه تتضاعف، حتى إن بعض أصحاب الأعمال يرتاحون في هذا الشهر، بالرغم من أن الإسلام دين عمل في كل الشهور. وهكذا نجد أن لرمضان تقديراً كبيراً، طمعا في بركات رمضان، ونيل الثواب من الله على طاعته وحسن عبادته.
كثيرٌ من معارك الإسلام الفاصلة في التاريخ؛ حدثت في رمضان، وكان النصر فيها حليف المسلمين. ففي رمضان حدثت أولى معارك الإسلام، فقد حدثت معركة بدر الكبرى في رمضان، وأعز الله نبيه ونصر دينه في رمضان. وفي رمضان حدث الفتح الأعظم، وهو يوم فتح مكة.
وفي رمضان، تم صد المغول عن ديار الإسلام في معركة عين جالوت، وفي رمضان المعاصر، حدثت معارك السادس من أكتوبر سنة 1973م؛ والتي وافقت العاشر من رمضان. ورمضان شهر النصر للمسلمين على نزواتهم، فكيف لا يكون لرمضان مكانة متميزة بين الشهور؟ وكيف لا يكون له تبجيل وتقدير؟!
رمضان اليوم غير رمضان الأمس
لكن في زمان الهزائم العربية والتراجعات الإسلامية وتزوير الحقائق وتزوير التاريخ، وتزوير المواقف، وتزوير العواطف، فامتد التزوير ليطول شعائر رمضان؛ فمسخت شعائره العظيمة؛ من الصوم والتبتل والتهجد والتعبد والصدقات، حتى غدت مجرد شعارات ودعايات تجارية (وحزازير) تافهة، ورقص وغناء وتزوير لمفهوم رمضان الذي يعني الطاعة والعبادة الخالصة لله.
ما علاقة الصوم في رمضان، بما تقدمه وسائل الإعلام، مما تسميه البرامج (الترفيهية) بعد الإفطار مباشرة؟ هل يجوز لمن أمضى يومه صائما لله أن يمتع ناظريه بصور الفنانات الراقصات العاريات؟ أية ترفيهيات تليق بمن صام يومه تقربا لله، في أن يفطر على مناظر العري والرقص وغير ذلك مما يستفز ويستثير في الإنسان حيوانيته التي يجاهد في رمضان لكي يلجمها ويكبتها؟
ولعل أسوأ أنواع التزوير، ما تعلن بعض القاعات والمتنزهات بأنها تحيي (سهرة رمضانية)، بقيادة الفنان فلان أو الفنانة فلانة، فما قيمة صيام من يأخذ زوجته متبرجة إلى (السهرة الرمضانية) المزعومة؟ ما قيمة صيام من تصوم في النهار وتخرج بعد الإفطار وشعرها يتطاير على أكتافها كأنه (شلال الوادي)؟
وهناك ظاهرة مزعحة، وهي كثرة المفرقعات بحجة استقبال شهر رمضان، ، ونسبتها إلى رمضان بينما هي عبث العابثين ولهو اللاهين لأن الذي فرض رمضان، يرفض إزعاج الصائمين بأصوات المفرقعات التي ترعب الصغار، وتصم آذان الكبار حتى لقد صارت حياتنا كلها (تطقيع)؛ ولا عجب لأن الزمان نفسه قد (طقّع) لنا، بعد أن أدار لنا ظهره، أو قل دبره.
ورد في (رياض الصالحين) قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه). صدق رسول الله.
نشر في جريدة القدس يوم الأحد 2052018م؛ صفحة 14
[email protected]